شتلات في الأرض البور!

 


 

 

 

أمس في إذاعة (البي بي سي) اهتزت جدران الاستديو من حديث رئيس البرلمان السابق ولك أن تعجب كيف يصعد من يحملون مثل هذا التفكير إلى رئاسة البرلمانات في أي مكان في الدنيا حتى ولو في دولة (ساوتومي وبرنسيب) وهي دولة مركبّة من جزيرتين، (ولا باس عليها) ..إنما أوحى بها البُعد الجغرافي وخمول السيرة! وكان حديثه عن انجازات الإنقاذ مدعاة للضحك ولدهشة مقدمة البرنامج الحواري.. فهو ينسب كل حركة وسكنة في السودان (فيها أقل رقشة) منذ فجر الاستقلال وحتى الآن إلى جماعته.. ويقول على سبيل المثال إن كل الأطباء السودانيين في ايرلندا وبريطانيا العظمى وحول العالم هم من ثمار (ثورة التعليم العالي)!

لقد كان الرجل يذكر أرقاماً عجيبة عن الثورة التعليمية الكاسحة وعن المستشفيات التي أنشأتها الإنقاذ في الخرطوم وحدها والتي بلغت 63 بعد أن كانت ثلاثة أو أربعة! ثم يمضي بغير أن يطرف له جفن ويسرد أرقاماً فوق أرقام عن مخرجات التعليم العالي.. وعندما سألوه عن (نسبة البطالة) ذهب يحكي مرة أخرى عن الجامعات الإقليمية التي تحتشد بالمعامل والعلم والمعرفة ثم قال إن جامعات السودان تخرّج الطلاب من أجل سوق العمل العالمي.. ثم ذهب يتحدث عن الثورة الزراعية.. وعندما قالت له مقدمة البرنامج ولماذا يبلغ سعر الرغيفة الواحدة ثلاثة جنيهات عاد ليتحدث عن (الزهور والورد التي شتلتها الإنقاذ في قلبه) وكلما ذكروا له شيء من حيثيات الواقع حلق في السماء وطالب بـ(الموضوعية)! ولا نظن إن الموضوعية مرّت طول حياتها بأصعب من هذا اليوم..!

وبالمصادفة كان وزير الإنقاذ الأول يتحدث في ذات الوقت عبر قناة محلية عن ضرورة (إصلاح الخدمة المدنية)! وهو يشرح وعوده بمعالجه أزمات الرغيف والوقود والنقود والدواء في (ضحوة) مائة يوم، ولكنه لم يقل من هو الذي قوّض أركان الخدمة المدنية وهد بنيانها من القواعد؟! وإذا تجاوزنا عن مسؤولية تخريبها و(تعفيشها) و(تفكيك صواميلها) وتطفيش العاملين المؤهلين منها ونشر ألوية التمكين فيها.. إذا تركنا كل ذلك جانباً وقلنا إن الخدمة المدنية قبل الإنقاذ كانت (رماداً معطوناً بسجم) فكيف تضيق ثلاثون عاماً عن إصلاحها؟!

طبعا أنت لا تحتاج إلى إطلاق صفة الكذب على حديث رئيس البرلمان السابق، ولكن هذه الخفة في لي عنق الواقع وتزيين ما لا يمكن تزيينه هي من ديدن الخراب الذي ألحقته الإنقاذ بـ(مزية احترام النفس) فمن باب توقير النفس ألا يقول الشخص كلاماً لا يقبله (فؤاد طفل رضيع) انتصاراً بالباطل لنفسه أو حزبه.. فلا يمكن أن يستند على عدم معرفة العاملين في القنوات الأجنبية بواقع السودان ليملأ الأثير بالأرقام الكذوبة التي يعلم صاحبها أنه يكذب.. وهنا تكمن الأزمة في ما لحق بالبلاد خلال الثلاثين عاماً الماضية من (استباحة القيم) وإباحة استخدام كل (خصيلة مرذولة) من أجل الانتصار للنفس وللحزب والنظام.. هذا هو الخراب الذي أحدثته الإنقاذ والذي يحتاج إصلاح اعوجاجه إلي عزائم الأسود و(صبر الإبل)! ولكن نماذج الشباب والنساء والأطفال في الساحة السودانية الآن تنبئ بأن محاولات تخريب النفوس ونشر الأوشاب على وجه المياه، لم تتسلل للمجاري النظيفة والتيار الحيوي للشعب السوداني.. فقد اتضح أنه شعب يعرف معنى العيب ويرفض القهر والإذلال.. ويلفظ اللقمة الحرام..!

murtadamore@yahoo.com

 

آراء