شجاعة الرأي أولاً

بقلم عمر العمر
aloomar@gmail.com
في ترحيبه باتفاق غزة يدين قائد الجيش السوداني وأركان حربه العسكريين والسياسيين رفضهم مبدأ التفاوض والركون إلى السلام.فالبيان المرحب بالاتفاق يشيد بايقاف نزيف الدم ورفع المعاناة عن الشعب .كما يعترف بأن تحقيق السلام هو انتصار لقيم العدالة والانسانية. البيان يقر بأن السلام يمهد للأمن والاستقرار وإعادة بناء ما دمرته الحرب.كما يشيد بالجهود الدولية في تحقيق الانجاز.!!!كأنما الخراب في غزة مغايرٌ للدمار في السودان . كأنما ما يكابده الفلسطينيون من معاناة ليس كما يغالبه السودانيون .فالحرب هي الحرب بنيرانها، رعونتها ،دمارها ،أنيابها وقسوتها على التهجير و التشريد وغلظتها في نشر الجوع والأوبئة وبث الحزن والكآبة .كما أن الجهود الدولية لا تأتي إلا عبر المبادرات .فكيف يتم شرعنتها على شعب غزة وتحريمها على بنات وأبناء السودان؟ام هو ترحيب مجبورين عليه كما هو سلام حماس!

أ الآن ادركتم أن السلامَ أُنشودةُ الحياة وأن سبيلَ الحوار أقصرُ وأزهر من ميادين الاقتتال ! أم أن الترحيب حلقةٌ في سلسلة أكاذيبكم على الشعب ؟هل أدرك قادة هذه الحرب الكارثة الرافضون كل نداءات السلام أن من أبرز دروس اتفاق غزة اسداله ستارا على معارك المصالح الضيقة والحروب الايدولوجية . هكذا ارتكبت حركة حماس حماقتها الأخيرة في سيرتها الذاتية وعلى الصعيد السياسي في المنطقة بأسرها . حتى إذا حاولت الحركة النهوض من تحت رماد غزة وركام أنقاضها فسترتدي حتما ثوبا عصريا مغايرا لزيها التقليدي إن أرادت الحياة. من تبقى من أنصارها ادركوا حتمية التغيير. مع يقين بالعجز عن استردادهم تلك الجماهيرية مجددا .صحيح ثمةَ جيلٌ جديد عايش جحيماً تحت حمم الاحتلال لكنه يدرك بوعيه المكتسب كذلك ان العزف المنفرد على الأوتار العتيقة والمغامرات المجنونة لن تنجز انتصارا وطنيا خالداً. فالحرب الخاسرة كشفت صدأ أدوات النضال العتيقة و عوز المصادر الجوفاء .

ما يهم السودانيين من خلاصات اتفاق غزة قيمةُ السلام الجوهرية شرطا لاستئناف مشوار الحياة في وطن ينعم بالسلم والأمن والاستقرار . خرابُ الحرب الماديُ يمكن إعادة بنائه وترميمه.لكن النضال سيكون شاقا على درب إعادة رتق النسيج الاجتماعي و إنارة العقول العتمة المشرّبة بزيت الأفكار النتن المسقية بالاكاذيب البلقاء والأنانية المتوحشة والشعارات البلهاء.تلك هي معاركُ أجيال الثورة المؤمنةُ بالوطن العريض والشعب المتحد والجيش الواحد في ظل دولة الحرية والعدالة والسلام . هي معاركٌ ضد كل أعداء التقدم والخير والجمال.لعلها هي ذاتها معارك الأجيال الفلسطينية الخارجة من تحت غبار التشقق الوطني.

لعل قادة الحرب يدركون كما من تبقى من قيادة حماس أن الشجاعة هي امتلاك الحكمة و ليست في القدرة على التهور. فكما قال الشاعر الحكيم ابو الطيب (شجاعة الرأي قبل شجاعة الشجعان).فهو يقدّم العقل على القوة . مفاوضو حماس ازدردوا اتفاق غزة تحت حد السكين وفي حلوقهم غصة في محاولة متأخرة لانقاذ مايمكن انقاذه من حطام غزة ومن أشلاء الحركة.مع ذلك فَرِح من تبقى من أهل غزة إذ أعاد لهم اتفاق السلام فرص الحياة المعافاة والرجوع إلى الدار.فطوال عامين ظل من نجا منهم من القتل يكابد جفاف العطش وعض الجوع و ويلات المرض وسط شح الغذاء والماء والدواء. أ فليس هذا حال القطاع العريض من أهل السودان؟فلعل حال قادة الحيش يوافق كلام ستالين يتطلب الأمر المزيد من الشجاعة للتراجع عن التقدم.

كذلك ادرك من تبقى من قادة حماس اضطرارا أن الشجاعة تتبدى في الرأي الصائب وليس في السلاح القاتل.من ثم فإن القيادة تُصنع بالوعي وليس بالحماقة والتهور.خطيئة قادة حربنا الرعناء تكمن في خداع النفس والآخرين عندما فقدوا شجاعة العقل ونفذوا الانقلاب على الثورة تحت شعار التغيير .تلك الكذبة على النفس والشعب ورّطتهم في التدحرج نحو القاع حتى الدرك.الآن بدأوا البحث عن وسيلة لتسلق جدار البئر الزلق .لكنهم لا يمتلكون شجاعة العقل.انهم لم بكونوا يبحثون عن التغيير الايجابي لصالح الشعب ،بل هم فريسة شغف احتكار السلطة والثروة.فما اندفعوا لإحداث التغيير إلا بقدر ما يحقق لهم من مكاسب.ذلك سلوك لا يجلب الاحترام والتقدير على مستوى الأمة .بل هو خيانة ،ليس للثوره فقط .بل للشعب والوطن.

عدم الاتساق العقلي والنفسي يتبدى في الإشادة بالجهود الدولية في إنجاز اتفاق غزة بينما هم يسمون كل مبادرة خارجية لاسترداد السلام والاستقرار في السودان تدخلًا خارجيًا مرفوضًا!هناك بالطبع بون شاسع بين التدخل الخارجي والمبادرات السلمية.فالأول يكون قسريًا بغية حمل السلطة على تنفيذ سياسة محددة أو الكف عن ممارسات معينة. في الحالتين هو يستهدف استقرار تلك الدولة.لكن بعض الأنظمة ترفع هذا الشعار-كما في حالنا- في وجه كل جهد خارجي حميد ذريعةً لتبرير سياسات وممارسات ظالمة .بينما المبادرات الخارجية تستهدف معالجة أوضاع داخلية شاذة.الفارق بيّن كما بين ألحق والباطل.

فلنصلي لعل بيان الترحيب باتفاق غزة الصادر عن رأس الدولة يفصح عن بداية استعادة تلك الرأس شجاعة العقل! فقد اوصانا الفيلسوف الفرنسي كانت (بالتزام الشجاعة الكافية لاستخدام العقل )وزاد عليه رجل الدولة البريطاني تشرشل القول (الشجاعة وحدها تجعلنا نستكمل الطريق دائمًا كيفما جاءت الظروف).لو استعصم معسكر السلطة بشجاعة الرأي لوضع حد السكين على رقبة الجنجويد ولأذعنوا كما أذعنت حماس للسلام مجبرين .

شاهد أيضاً

ذهنية حداثية لمقاربة الرباعية

بقلم عمر العمرaloomar@gmail.com بمنطق البيئة الاقليمية لتأمين السلام عبر التفاوض،فإن مبادرة اللجنة الرباعية تشكل مدخلاً …