ضد البشير هنا.. وضد محكمة الجنايات هناك!

 


 

 



في خطابه الموجه إلى د. عبداللطيف سعيد.. تحدث سكوت غريشين، المبعوث الأمريكي الأسبق إلى السودان، عن صراعات النخب السودانية فقال:- " .... رأيت أن آخذ مقالك مأخذاً حسناً كونه يصور لي كيف تفكر بنا بعض الأطراف المتصارعة على قيادة بلادكم.. و كيف يسيئون و يحسنون الظن بنا كل مرة و أخرى بحسب ما تمليه عليهم وقائعهم.."..
 أي أن ( وقائعنا) تبعدنا عن ما يفترض أن يكون من الثوابت.. ( كيتاً) في السلطة المسيطرة.. مع أن الأيام بتتدول..
إنها نفس تلك ( الوقائع) تملي على البعض منا أن يغض الطرف عن معنى العدالة و شموليتها.. و معنى القضاء و التقاضي.. فلا يرى حقيقة أن محكمة الجنايات الدولية كيان قاصر عن العدل بين الأمم.. كيان يصر على اعتقال البشير.. و أخذه إلى لاهاي مقيداً محروساً في ذلة.. و يترك أمريكا، أكبر مبيد للبشر و البشرية في التاريخ، منذ نشأتها و إلى اليوم.. و يترك نتنياهو سفاك الدماء يتحرك في روما و في لاهاي.. دون أدنى خوف.. و يتحدى أوباما في عقر داره.. و قد ترك وراءه آلاف القتلى من أطفال فلسطين على مرآى من العالم.. جثثهم مدفونة أجزاء منها تحت أنقاض بيوت غزة المدمرة..
و لا تستطيع أي دولة من الدول أن تطالب بتقديمه للمحاكمة في محكمة الجنايات تلك.. لأن الفيتو الأمريكي يجعل العدل و القسطاس يتراخى في ميزان غير متوازن.. و يستحيل أن يتوازن طالما العالم يمارس ( لعبة الأمم).. في غابة تسمى الأمم المتحدة كيف تكون تلك المحكمة دولية و قد خلا تكوينها من ثقل دول مثل: الولايات المتحدة.. الصين.. الهند.. باكستان.. إندونيسيا.. إسرائيل.. روسيا.. و السعودية.. و مصر.. و دول أخرى...
و كبف يكون قانونها قانوناً و هو يطبق فقط حسب طلب الانضمام إليها و التوقيع على  ( ميثاق روما) بالرضا؟.. أي أن بإمكان الدولة أن ترتكب فظائع ضد اليشرية.. فتنآى بنفسها عن التوقيع على الميثاق.. كما هو الحال بالنسبة للسودان الذي انسحب منها .. و بالنسبة لأمريكا التي انسحبت أيضاً.. و بالنسبة لإسرائيل التي انسحبت كذلك.. و ثمة قانون يبيح لمجلس الأمن أن يوصي بمحاكمة أي شخص من دولة غير موقعة على الميثاق.. فكان أن استمسكوا بإلقاء القبض على البشير السوداني.. و تركوا ج. دبليو بوش الأمريكي و نتنياهو الاسرائيلي..!
ياخي!
تستطيع أن تشمت على البشير ما شاءت لك الشماتة.. لمجرد احتجازه ( داخل) دولة جنوب أفريقيا .. و ليس القاء القبض عليه داخل أحد سجونها توطئة لترحيله إلى الست ( فاتو بنسودا) في لاهاي.. و ذلك ما لن يتم..
و واقعياً، و بالممارسات المشهودة، تظل محكمة الجنايات الدولية لا هي بمحكمة يعتد بها.. و لا هي بدولية تخضع لقوانينها جميع الدول..! كما و إنها لا تحقق العدالة نظراً للاستثناءات المخيمة على اجراءاتها.. و مرجع تأييد بعضنا للمحكمة ليس الغرض منه تحقيق العدالة قدر ما هو ( الفجور) في السعي للانتقام من البشير الذي لم نستطع إسقاطه و هو المسئول الأول عن كل مآسينا.. و كل المجازر التي ارتكبت في عهده و الأهوال الناتجة عنها..
خاصة ما يشاع عن أنه قال لجنوده و هم ذاهبون للقتال في دارفور:- " ما دايرين أسير!" بما يعني إبادة المستسلمين بدم بارد..
رغماً عن كل هذا، لست من الذين يصفقون لحجز البشير، و لو للحظة، انصياعاً لأوامر تأتي من تلك المحكمة.. و لا أعتقد أني سوف أسمح لنفسي، يوماً ما، أن أقف مع محكمة الجنايات الدولية ضد أي سوداني مهما كانت درجة خلافاتي معه.. كلا.. لا أستطيع أن أفعل ذلك تحت أي ظرف.. تحت أي ظرف!


osmanabuasad@gmail.com

 

آراء