عفواً شهداء سبتمبر.. لا زلنا نتأخّر عليكم !!

 


 

 

 

• هاهو عام آخر يمضي على ذكرى إستشهاد شبابنا من أبطال سبتمبر وحياة الشعب تمضي في غيابهم وكأن الأرواح التي قدموها كانت من أجل شعب الجيران، وكأن التي سالت منهم كانت ماء لا دماء، فقد أشعل نفس هذا الشعب ثورة بسبب سقوط شهيد واحد في أكتوبر(1964) ، فما الذي دهى الشعب حتى جاء عليه اليوم الذي يُسبّل فيه أكثر من مائتي شهيد هكذا حتى تكاد تضيع مناسبة ذكرى إستشهادهم وسط زخم مباراة الهلال مع فريق "سموحة" المصري!!

  • تجيئ ذكرى الشهداء هذا العام وهي تجد حتى البطل الذي كان يتحدث بإسمهم ويُقسم بالقصاص لهم (الصحفي حسن إسماعيل)، وتجده وقد صافح الأيدي التي أطلقت عليهم النار بدعوى أنه يريد أن يُصلح النظام من الداخل، تماماً مثلما فعل قبله عبدالرحمن الصادق المهدي الذي قال أنه دخل النظام حتى يُمسك بملف الجنوب فأمسكوه ملف سباق الهجن والحصين.

  • تجيئ الذكرى الثانية لهؤلاء الأبطال ورؤوس الأجيال التي سبقتهم في الحياة لا تزال مُنكّسة ولا تجد ما تقوله، فقد دفع هؤلاء الشباب الصغار ثمن أخطاء تلك الأجيال في المحافظة على الديمقراطية التي وضع الشعب يده عليها مرتين ثم إنفلتت منه بلا مبرر، كما دفعوا ثمن تلكؤ تلك الأجيال في القيام بواجبها في إحداث التغيير، فعظمة هؤلاء الشهداء الشباب أنهم قدموا حياتهم ثمناً لحرية وعدالة لم يذوقوا طعمها، ولم يكن لهم يد في ضياعها، فأكثر هؤلاء الشهداء خرجوا إلى هذه الحياة في وجود النظام الذي صادرها عنهم.

  • تجيئ ذكرى هؤلاء الشباب ولا يزال  السؤال عن السبب الذي يحمل نظام حاكم لأن يُهدر دماء هذا العدد من الطلبة والتلاميذ بمثل تلك الوحشية لمجرد خروجهم في مظاهرة سلمية للتعبير عن بؤسهم وضيق حالهم وشظف عيشهم وبطالتهم!! ولو أن جزاء التظاهر ضد الحكومات والأنظمة السابقة من عهد الإنجليز حتى الديمقراطية الثالثة كان فتح النار على المتظاهرين بمثل الكيفية التي تعامل بها النظام مع شهداء سبتمبر، لإنقطع تَرَب الشعب وكان الوطن اليوم بلا سكان، فليس هناك من بين أبناء هذا الشعب من لم يخرج في مظاهرة في حياته، ، فقد خرج آباؤنا وأجدادنا في مظاهرات ضد الإنجليز، وخرجت الأجيال من بعدهم في مظاهرات ضد عبود والنميري والحكومات الديمقراطية، كما أن التنظيم الحاكم الذي أزهق تلك الأرواح يستند على مرجعية تُدمن المظاهرات والإعتصامات، حتى أنه كان يخرج في مسيرة من بضعة مئات ويُطلق عليها إسم "مليونية"، برغم أن الأنظمة والحكومات السابقة لم تفعل بالوطن ما فعله النظام، بما في ذلك حكومة الإستعمار، فقد سلّمت الوطن كما إستلمته دون أن ينقص منه متر مربع واحد، وكان الوطن ينعم بسلام بحيث كان اللوري السفري يقطع المسافة من وادمدني وأمدرمان إلى الفاشر والجنينة وأقصى جنوب كردفان وعلى ظهره بضاعة بمئات الألوف وليس به رفيق للسائق سوى مساعد يجلس في أعلى البضاعة، وكان المُعتقل السياسي في حكومة مايو ونوفمبر يخرج من المعتقل السياسي ليلحق بوظيفته دون أن تفوته ترقية أو علاوة دورية.

في ذكرى هذا اليوم ، لا بد أن نتذكر بأن هؤلاء الشباب الصغار قد قدموا أرواحهم من أجلنا، فقد خرجوا يهتفون بإسمنا لينشدوا لنا الحرية والعيش الكريم، ولم يخرجوا ليطالبوا بتعويضات أراضي أو إقامة مطبات على طريق لضبط سرعة السيارات، فالشعب مدين لهؤلاء الأبطال بأن دماؤهم هي التي أوقدت شرارة التغيير التي جعلت النظام يدور اليوم حول نفسه ويعترف بالعطب الذي إستلزم الإصلاح، وليس هناك إهانة لأرواح الشهداء مثل أن ينتظر الشعب أن يقوم الذين تسببوا في المشكلة بعلاجها، فالذين قسموا اليوم أنفسهم إلى فريقين من (سبعات) في لجنة الحوار هم في الأصل فريق واحد يتباحث مع نفسه، والذين تمت تسميتهم بالشخصيات القومية (فيما عدا قلة منهم) قُصد من تعييينهم التعميه والتضليل بإضفاء صفة القومية عليهم ليسرقوا بهالسان الشعب، فليس هناك في الأصل ما يسمى بالشخصية القومية، فليس هناك معيار لتحديد هذه الصفة الهلامية، التي تم بها تصنيف شخصيات مثل الكوز "حسين خوجلي" أو المُصلِحة الإجتماعية "سارة أبو" ليصبحوا من بين هذه الكواكب!! فهذه خدعة "الشخصيات القومية" إبتدعها النميري، أصبح لها زبائن ورموز كلما ذُكرت وردت أسماؤهم، مثل أبيل ألير (عفا عنه الله من هذه الصفة بفصل الجنوب) وعون الشريف قاسم ..الخ، ثم جاء وقت آلت فيه هذه صفة الشخصيات القومية للمشير سوارالدهب والجزولي دفع الله وحسين أبوصالح، حتى دخلها كمال شداد.  

• في كل عام، لا يمكن أن تمضي ذكرى شهداءنا الأبطال دون أن نأخذ هذه الوقفة وتأكيد العزم بالمضي في سبيل تحقيق الأهداف التي قدموا من أجلها أرواحهم، فالمجد والخلود لشهدائنا الأبرار الذين أضاءوا لنا الدرب بدمائهم وأرواحهم، وسوف يكون عمرهم أطول من عمر جلاديهم، والعار واللعنة والقصاص من الجبناء والسفهاء الذين جعلوا من أرواح هؤلاء الشباب ثمناً لإستمرار النعيم الذي يعيشون فيه.

سيف الدولة حمدناالله

saifuldawlah@hotmail.com

 

آراء