عندما أنحني وزير المالية في بريطانيا والتقط عملة تعادل خمس مليمات

 


 

 

 

 

كان الاغريقي المتسودن ( لوبزو ) الذي عاش في كنف مدينة بارا يدير متجره المتعدد الأغراض خاصة المأكولات الدسمة ذات النكهة والبريق وباثمان في متناول الجميع . مازلت اذكره بلبسته التي تحاكي يونيفورم ( الكديت ) عند أبناء المدارس الثانوية .
هذا العم ( لويزو ) دقيق في حساباته يتقاضي مستحقاته من الزبون علي دائر المليم وإذا كان للزبون مليم متبقية وذهب قبل أن يستلمها فإن هذا الاغريقي ( الحقاني ) مستعد أن يجري وراءه في طول المدينة وعرضها حتي يسلمه هذا المبلغ الذي كان له شأن وكانت تنوء بحمله أعتي الخزانات بما في ذلك وزارة الخزانة شخصيا تحت إدارة جهابزة التخطيط الاقتصادي امثال مامون بحيري الذي كان يمثل البراعة في أعلي مراتبها .
ونحن اليوم ومنذ الثلاثين سنة العجاف لنظام الإنقاذ صارت تمر علينا نمازج لوزراء مالية لا ندري من هم ومن أين أتوا وصارت العملة الوطنية في عهودهم غير الزاهرة اذل من صرصار وصار الجنيه الذي كان اطول قامة في يوم من الايام من الدولار والاسترليني ينتابه الرهق وضيق التنفس لو مر الدولار بقربه حتي ولو كان مرور الكرام .
هل يمكن لدولة مهما كان شكلها ومحتواها أن تطبع العملة خاصة الفئات الكبيرة منها وتخرجها للعلن في سماحة جمل الطين بأوراق جميلة ملونة تتوارى خجلا في الأسواق التي تكشف عورتها ومهما قصفت علي نفسها من الشيكات والبطاقات الإلكترونية يظل جنيهنا الذي جرحه العدي هو رجل العملات المريض الذي لا يرجي شفائه في الغريب العاجل مادام امورنا في بلادنا العزيزة تسند الي العاطلين من الاختصاص الفاقدين للموهبة والابتكار والذين لا يرون ابعد من ارنبة أنوفهم .
كانت الحاجة ست النفر بت محجوب الشهيرة ب ( حاجة حليبي ) ترابط أمام المدرسة الأولية في الخمسينات تبيع ( اللقيمات ) للصغار بواقع القطعة بمليم وكثيرا ماكانت تعطي زيادة لمن يطلب لأنها لم تتعود أن تكسر خاطر أحد . كان الدقيق متوفرا والزيت بأشكاله المختلفة يفيض عن الحاجة والظروف كلها كانت مؤاتية والناس في رغد من العيش بسبب الكد والاجتهاد وحب العمل وفوق ذلك بسبب التوادد والتراحم وحب الغير والبعد عن الحرام ما ظهر منه ومابطن .
كان عثمان القيلاوي بائعا متجولا للبيض المسلوق يطوف به المقاهي والمطاعم وغيرها وتسعيرته للبيضة الواحدة قرش صاغ ( عشرة مليمات ) وكحافز تشجيعي كان يبيع بيضتين بقرش ونصف ( ١٥ مليم فقط لا غير . واليوم البيضة صار سعرها ٣٠ جنيها أعلي من مرتبي في نهاية الستينات عند تعييني معلما بالمدارس الوسطي عندما كان الوزير يتم اختياره لكفاءته وحصافته وحسن تدبيره عكس ما يحصل اليوم إذ أصبح منصب وزير التربية معروض في اوكازيون الترضيات والمؤلفة قلوبهم الذين يفتقرون الي التربية والتعليم كليهما وهذه هي ام الكوارث والمصائب .
مازلنا في انتظار وزير للتربية ولكن يبدو أن الجهاز التنفيذي والسيادي ومجلس الشركاء ومريم المنصورة ووكالات الأنباء والصحف والمجلات والمخطوطات النادرة كلهم من غير فرز مشغولين بقصيدة عمرو بن كلثوم الجديدة المسماة بسد النهضة .
هل من المعقول في الألفية الثالثة أن نحلم مجرد حلم بعاصمة خالية من القاذورات وان نري مركبات النفايات باالكثرة المقنعة والكفاءة المرجوة بدلا من هذه السيارات الخاصة بعدد الرمل والحصي فقط تزحم الطرقات المهترئة وتضيف للمشهد سيناريوهات من افلام أرضنا المتعبة ولم لا وبعد كل هذه المهرجانات من افخم المركبات تظل المواصلات العامة بائسة تعيسة تشكو من الإهمال خاصة وأن القائمين عليها أفضل لهم تقديم استقالتهم أو الإقالة وحتي لو تحققت هذه الأمنية فإن الطاقم الحديد سيبدأ من جديد وكالعادة من غير هدي أو كتاب منير.
كانت الكهرباء يعالج بها المريض عقليا ولكن مع القطوعات فوق العادة التي لا نطاق أصبحت الكهرباء سبب فلتان الاعصاب والهستريا وأمراض الكبد الوبائي وكل أمراض العصر الحديث .
سئل ديوجين وقد شوهد بمصباحه وهو يتجول في حي الشهداء بأمدرمان عن أمنية عزيزة له يتمني مخلصاً أن تتحقق فقال والدموع تتساقط من عينيه مثل مياه شلالات نياجارا :
( أتمني أن أري انسان السودان مواطناً اصليا وليس تايوانيا يعجز عن إكمال رحلته الحياتية المثمرة ) .

حمد النيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .
معلم مخضرم .

ghamedalneil@gmail.com

 

آراء