عن غموض حربنا وقذاراتها!!

 


 

 

عبدالله مكاوي

abdullahaliabdullah1424@gmail.com

بسم الله الرحمن الرحيم
عن غموض حربنا وقذاراتها!!
مدخل اول للشهيد محمود مقولة (التجربة البشرية الطويلة في ممارسة الحروب دلت علي ان الحرب لا تحل مشلة).
مدخل ثان (كل الحروب سيئة ولكن اقذرها حروب السلطة من اجل اعادة انتاج الاستبداد).
بعد مرور اكثر من عام علي اسوا واخطر حرب تتعرض لها البلاد وشعبها، اليس هنالك مجرد مراجعة من قبل الجيش لجدوي هذه الحرب وما ترتب عليها من هلاك للشعب ودمار للبنية التحتية وظلام لرؤية المستقبل؟ او اقلاه اليس الجيش في وارد مراجعة اداءه طوال هذه الفترة، ما كسبه (استرداد الاذاعة وفك الحصار حول سلاح المهندسين!) وما خسره (مما لا يمكن حصره)؟ والم يخطر ببال الجيش احتمال ازدياد وتيرة خسائره لدرجة لا يمكن تعويضها، عوض عن اضاعة ولايات اخري، ومن ثمَّ تعريض اهلها لاستباحة مليشيا الدعم السريع؟ والاهم السؤال البديهي ماذا يفعل الجيش بانتصاره (وهو امر مشكوك فيه) بعد دمار البلاد وتشريد واذلال اهها؟ وغيرها من الاسئلة والغموض الذي يلف هذه الحرب، ويجعل الجيش يصر علي رفض التفاوض، او يستعصم بمطالب تعجيزية كشرط للتفاوض، بما لا يتفق والاوضاع علي ارض المعركة؟!
ويبدو ان الشئ المحير الذي يلقي بظلاله علي غموض هذه الاسئلة بل والحرب ذاتها، يرجع لان الجهة المسؤولة، بدل ان تتعرض للمساءلة، نجدها عمليا هي من يقع علي عاتقها (أي قادة الجيش) مساءلة الآخرين؟! وتاليا الهروب من المسؤولية، والقاء تبعاتها علي الآخرين، والتبرير الفطير للاخطاء والتقصير والجرائم، والتهوين من شانها، لإعادة انتاجها بذات الكيفية؟! ومن هنا خطورة ترك الحرب للعسكر، ناهيك عن فرض قصورهم السياسي كأمر واقع. واليس هذا لوحده كاف لتبيان اهمية وحكمة النظم الدستورية والحكومات الديمقراطية، التي تتبادل مؤسساتها الرقابة والمحاسبة، والاهم تضع ترياق للاستبداد الاعتباطي وحكم الهوي.
ومؤكد امثلة هذه الاسئلة وغيرها، ليس القصد منها الانتقاص من قدر الجيش ومنتسبيه، بل هي في الاصل دفاع عن الجيش وافراده. وذلك برد الجيش عن تجاوزاته ولعب ادوار ليست من اختصاصه، وحيازة امتيازات غير مستحقة. أي ما نطلبه جيش الوطن وليس جيش القادة! وهذا بدوره يردنا لجذور ازمة الجيش التي ابتلينا بها، وتحولت مع مرور الزمن لازمة مزمنة، قادتنا اخيرا الي حتفنا (الحرب الدائرة الآن). والمقصود بالازمة خضوع الجيش لقادته، الذين يخضعونه بدوهم لمصالحهم الخاصة او مصالح حاضنتهم السياسية. وهو ما جعله يتورط في الانقلابات العسكرية، التي حرمت البلاد سبل التطور الديمقراطي وشعبها الترقي في مضار التمدن، ومن ثمَّ الرزوح في اتون الفقر والتخلف والجهل، وانعدام الاستقرار واهدار الموارد والانفتاح علي حروب اهلية لا تنتهي. بل وللمفارقة تهديد الامن القومي بالسماح بقيام تشكيلات عسكرية موازية وبما فيها مليشيات همجية كاملة الدسم كالدعم السريع، الذي يخوض حربه مع الجيش الآن، والتي من شدة قذارتها، تهد الوطن علي رؤوس المواطنين. وذلك بعد ستة عقود من السيطرة المطلقة للعسكر علي السلطة، وبعد ذلك يطمعون في المزيد!!
واكبر دلائل خضوع الجيش لرغبة قياداته، غض النظر عن معقوليتها ناهيك عن شرعيتها، هو اداء الجيش الباهت في هذه الحرب الغامضة تحت امرة البرهان، وهذا دون معرفة طريقة وصوله المريبة الي هذا المنصب بعد الثورة!
فطريقة اداء الجيش حتي لغير الملمين بالمعرفة العسكرية وبواطن الامور داخل الجيش كحالنا، إلا انها تخالف البديهات العامة، مما يشي بان هنالك تدخلات وتصرفات غير مفهومة داخل الجيش نفسه، تضفي غموض علي المشهد العسكري الملتبس اصلا! وهو ما يتبدي في كثير من المعارك الخاسرة والانسحابات غير المبررة والمتحركات المغدورة! لدرجة يمكن وصف انتصارات الدعم السريع السهلة والسريعة، وبكل اطمئنان، انها هدايا من الجيش اكثر منها مقدرة وكفاءة للدعم السريع. الذي اكدت الاختبارات السابقة انه لا يقوي علي مواجهة الجيوش النظامية (حرب اليمن) وشبه النظامية (الحركة الشعبية) علي ايام البشير. وحتي تفوقها علي الحركات المسلحة ساهم فيه الجيش وما توافر لها من امكانات مهولة. بل تأسيسها تم اصلا لتكون اداة قذرة في خدمة نظام اقذر، ولتتحول الي منظومة اكثر قذارة، بعد ان تخصصت في الارتزاق بفقراء ارياف السودان والدول المحيطة، لخوض حروب الامارات في المنطقة، ولترتد حروبها اخيرا الي عنق الدولة السودانية.
واذا كان ما سلف يحير في اداء الجيش، فهنالك ايضا ما يحير في اداء الدعم السريع. والذي رغم سيطرته السهلة علي معظم مقرات الجيش وكثير من ولايات الدولة، نجده يعجز ان اسقاط مقرات علي مرمي حجر من قواته، التي يتوافر لها كل الامداد عكس قوات الجيش المحاصرة ومقطوع عنها كل شئ، او هذا ما يشاع! بل تتري الروايات العجيبة عن تعرض البرهان للغدر من جانبها، وافلاته من الموت باعجوبة تحاكي افلام الفانتازيا، بعد ان قدم خيرة جنود الجيش وضباطه الذين يفقون الثلاثين فردا، حياتهم فداءً للبرهان! وقبل ان نفوق من هذه الدراما العجيبة وتهديد حياة البرهان تارة اخري، الذي قيل انه محاصر داخل اسوار القيادة، ولا يستطيع الخروج إلا باذن من الدعم السريع! تخرج لنا دراما اخري عن عملية خروجه الاسطورية من تحت الحصار!! وذات السيناريو يتكرر مع كباشي!! اما ياسر العطا فقد ترك له التصريحات العنترية وتقديم الوعود الحالمة ... والخ من سيناريوهات واشياء تطير عقل اللبيب، وكل ذلك يتلقاه الدعم السريع بمزيد من الاغاليط والاكاذيب، في شئ اقرب لتبادل الادوار وخاصة عملية لقاء البرهان/حميدتي! وهذا ناهيك عن دراما موت وحياة حميدتي التي ما زال يكتنفها الغموض! خاصة وانه من المعلوم عن حميدتي حبه للحديث ولو ضد مصلحته، ولن تستطع قوي علي الارض منعه من ذلك! اما هذا الصمت المريب مع بعض التصريحات الخجولة، فهو بدوره يثير الكثير من الريبة والتساؤل حول حقيقة هذه الحرب او بالاصح هي حرب من، ولاجل ماذا!
واذا اضفنا الي ذلك مفارقة غير مفهومة، وهو عدم امتلاك الدعم السريع وبكل امكاناته المهولة والدعم الخارجي المفتوح المقدم له، ولو لطائرة حربية واحدة! مع العلم ان مجرد امتلاك هذه الطائرة، يقلب موازين هذه المعركة راسا علي عقب! اقلاه سيحرم حكومة بورتسودان من البقاء في السودان، لتستقر في القاهرة او استنبول! وهو ما ينسحب علي قادة الفرق العسكرية وحكام الولايات الذين كنا سنراهم فقط من خلال الشاشات من مقراتهم في الخارج! بل انا علي قناعة تامة ان السوادن بحالته قبل الحرب، لن يتحمل حرب جادة ولو لثلاثة اسابيع، ناهيك عن اكمال العام! وهو ما يشئ ان هذه الحرب ليست حرب حقيقية، او بتعبير آخر ان هذه الحرب بطريقتها التي لمسناها وخبرناها حتي الآن، تثير من التساؤلات وتلقي بحجب الغموض ومتاهات الظنون، اكثر مما تقدم معالجات لاي قضية او تخدم أي اغراض معلنة او تصدق أي خطابات للمتقاتلين! وبكلام اكثر وضوح، هذه الحرب يخوضها الجيش والدعم السريع ولكنها في الحقيقية ليست حربهم! ولو انها قد تشبع نهم مقاتلي الدعم السريع للنهب والسلب وممارسة كافة الانتهاكات، وقد تخدم الاهداف العرقية والمناطقية لأغلب مستشاريه. اما حقيقة هذه الحرب فيبدو انها تخدم مشروع واحد (الاسراماراتي)، وهو مشروع ينفذه قادة الدعم السريع في الظاهر وقادة الجيش في الباطن! وتاليا غرض هذه الحرب هي انهاك الجيش واستنزافه، حتي الوصول به لنقطة محددة، تسمح بخضوعه لشروط ذات المشروع، بعد دمجه في الدعم السريع او التعايش معه وفق ترتيبات معينة. وبقول آخر، تغيير عقيدة الجيش من خدمة الكيزان لخدمة مشروع الاسرامارت، ولأعزاء لا للدولة (المنهوبة) ولا للمواطنين (الرعايا).
واذا صح السيناريو السالف ذكره، الذي ليس هنالك ما يؤكده او ينفيه، لانخراطه في افق الاحتمالات غير المحدودة، والتي تتناسل من حالة الغموض، القابضة علي المشهد العسكري. فان الكيزان انفسهم سيكونون اول ضحايا هذا المشروع وليس بقية القوي السياسية وكافة المواطنين فقط. والحال كذلك يصبح تحشيد الكيزان لهذه الحرب واضرامهم لنيرانها، كمن يسعي لحتفه بظلفه! واكبر دليل ان هذه الحرب ضد مصلحة الكيزان، قبل قتل وارهاب ونهب واذلال الشعب السوداني. هي توجهها نحو اضعاف مصادر قوة الكيزان، والمتمثلة في السلطة (المنزوعة) والاقتصاد وجهاز الدولة (تدمير مقوماتهما)، وسبق ذلك حل جهاز الامن ووراثة مقدراته بواسطة مليشيا الدعم السريع، لتاتي هذه الحرب لضرب آخر مكامن قوتهم وهو الجيش. والذي كما سلف يتم اضعافه حتي اجباره علي تنفيذ المخططات الجديدة، والتي في اولي اجندتها اقصاء الكيزان او شراءهم لصالح ذات المشروع.
اما اضعف نقاط هذا السيناريو السالف الذكر، فهو موقف البرهان من الكيزان، لانه من اعادهم ومكنهم بقوة بعد انقلابه المشؤوم. ولكن من يعرف البرهان حق معرفته، فهو اكثر مرواغة من ان يثق فيه احد، او هنالك اكبر من مصلحته الخاصة، والتي هو علي اتم استعدد لفعل ما يخطر ولا يخطر علي البال لنيلها. بل غالبا كل من يقربه البرهان فهي مقدمة لإبعاده او التخلص منه.
اذا صح السيناريو السالف الذكر، يعني ذلك انه قديم، وما هذه الحرب الا نهايته. ويبدو ان بدايته ارتبطت بمحاولة انقلاب صلاح قوش وود ابراهيم علي البشير. ليرمي البشير بثقله في هذا الشروع عبر رافعته الدعم السريع، بعد ان فقد ثقته في الجيش والكيزان. وليكتسب هذا المشروع قوة دفع هائلة بعد الثورة عبر البرهان، الذي مكن هذه المليشيا من المفاصل الحساسة للدولة، ووسع من نفوذها العسكري والامني والاقتصادي، ومداها بضباط كثر من داخل الجيش ليضفي عليها طابع اكثر مؤسسية.
وما يؤكد ان هذه الحرب آخر حلقات التآمر، ان الجيش ورغم مقدمات هذه الحرب واستبيان مظاهرها للقاصي والداني. بل وتسارع وتيرة هذه المقدمات بعد استفزازات الدعم السريع وتحركاته المستقلة، كما اخبر بذلك متحدث الجيش نفسه! إلا اننا نجد الجيش يتحدث عن المفاجأة، وسقوط عدد من كبار قيادته في قبضة الدعم بعد اندلاع الحرب؟! وقبل كل ذلك لماذا رواغ البرهان وتظاهر للمدنيين انه في وارد الاتفاق مع حميدتي لنزع فتيل الازمة، ولكنه نكص علي عقبيه قبل ان يبزغ فجر التعهد! وكذلك تنصله من التزامات الترتيبات الامنية للاتفاق الاطاري رغم موافقته المبدئية، وعلمه المسبق بعواقب هذا التنصل! ان لم يكن كل ذلك تمهيد لهذه الحرب القذرة.
ويبدو وبناء علي ما سبق ان هكذا مشروع لا يختص باسرائيل والامارات وحدهما، بقدر ما يعني ان الأوان قد حان لاقتسام بلاد غنية بالموارد والثروات (علي طريقة رجل افريقيا المريض). وهو ما يتطلب سلطة طيعة وجيش خانع للخارج، ومليشيات باطشة واجهزة امن مرعبة للداخل. ولا بأس ان يمر ذلك السيناريو القذر، بتسوية الارض (تدمير البلاد) لاعادة هندستها كما يرغبون، وارهاب واهانة المواطنين حتي يسهل حرمانهم من حقوقهم الطبيعية.
اما الاسوأ من هذا السيناريو السيئ، فهو خروج الامر عن السيطرة، ودخول البلاد في حرب الكل ضد الكل، اذا ما نجح الاسلامويون وعنصريو مليشيا الدعم السريع الهمجية، في جر البلاد للحرب العرقية. او انفراط عقد البلاد وسيطرة العصابات المسلحة التي تفرض سطوتها اينما وجدت. او تعدد التدخلات الدولية الخشنة لرعاية مصالحها او تصفية حساباتها. او غيرها من السيناريوهات المرعبة التي تنذر بالويل والثبور (والله يستر).
واخيرا
بدل الدعوة لإيقاف الحرب، وما يستتبعه من ايقاف الانتهاكات المرتبطة بها، ومن ثم الشروع في معالجة آثارها. والتقدم خطوة ايجابية بإيجاد معالجات حكيمة، تعالج المظالم والاخطاء والاطماع المرتبطة بصراع السلطة الصبياني، الذي قاد لفرض الاستبداد العسكري، كاكبر عثرات بناء دولة ما بعد الاستعمار. كما تضع حد لثقافة الانقلابات العسكرية والافلات من العقاب ودوران الاحزاب في حلقة مفرغة من الشعارات..الخ. وبصفة عامة وضع اسس الدولة الحديثة، والاصطبار علي معاناة البناء الصعبة والمعقدة ومراعاة هشاشتها، عبر الحوار الوطني والتسويات السياسية والترضيات الاجتماعية والعدالة الاقتصادية، وكل ما من شانه ان يمنع تجدد الحرب مستقبلا. نجد البعض لا يدعو لاستمرارها فقط، ولكن وبكل ضمور قيمي وانساني وتبلد للحس الوطني، يُعيِّر سكان ولايات الشمال بان الحرب لم تصلهم لحماية الجيش لهم! وكأن وصولها اليهم وممارسة كافة الانتهاكات في حقهم تبرد حشاه! وبقدر ان ذلك غير صحيح، وتهافت يليق بالتعميم الساذج (السام) الذي يطفح علي سطح حياتنا الاجتماعية والثقافية، بدليل ان الشهيد محمد صديق نفسه ومنذ وقوفه مع الثورة ضد رغبة ومصالح كبار الجنرالات، اصبح يتلقي الضربات الظالمة من البرهان وصحبه، حتي تاريخ الغدر به، ولم تشفع له المناطقية المزعومة! اما واجب العزاء الذي قام به البرهان فهو متاجرة رخيصة لتمييع القضية وللتكسب السياسي وهي ممارسة معلومة لكافة الانقلابيين والكيزان. لان الاولي اجراء تحقيق لمعرفة ما حدث ومعاقبة المقصرين حتي لا تتكر الاخطاء بذات الطريقة! بقدر ما ان ذلك الكاتب لا يمثل اهل الجزيرة (فك الله اسرها) وامثاله لا يمثلون اهل دارفور (حفظهم الله)! ويبدو ان هكذا سلوك شاذ مصدره دونية فرضها علي نفسه لا تليق بالاحرار، او غبينة تقض مضجعه لا تليق بالاسوياء! والحال كذلك، أي انحطاط اوصلتنا إليه هذه الحرب اللعينة. الله يكون في عونا، ودمتم في رعايته.

 

آراء