عودة الحرس القديم…التكهنات والمآلات!!

 


 

 

شهدت الساحة السياسية عودة رئيس وزراء النظام (البائد)، وإطلاق سراح وزير المالية الأسبق الذي شغل الحقيبة الوزارية في عهد الرئيس المخلوع، وقد سبق كل ذلك إلغاء قرارات لجنة إزالة التمكين واسترداد الأموال المنهوبة، وتم إعادة المفصولين من منسوبي حزب المؤتمر الوطني (المحلول) إلى المؤسسات الحكومية، وتم فك الحظر المضروب على الحسابات البنكية لرموز الحزب، في سلوك دال دلالة واضحة على امتلاء الفراغ السياسي الذي أعقب الانقلاب، بالحرس القديم الذي أُسقط رأس نظامه قبل ثلاث سنين، هذه التطورات المتسارعة تستوجب القراءة المتأنية لفترة الانتقال الأولى، التي قادها رئيس الوزراء المستقيل ومركزية الحرية والتغيير كحاضن سياسي، وبما أن فن السياسة يدور حول فلك الممكن والواقع والحقيقة، وجب جرد حساب المرحلة الأولى باقتضاب، ونقد التجربة بتجرد عقلاني بعيداً عن التشنج الحزبي والتعصب التنظيمي، فبدون النقد البناء لا يمكن بناء منظومة حكم تنقل البلاد لنظام إداري ومؤسسي مستدام، فقد دار لغط كثير وأثير غبار كثيف حول أهلية من تسنموا مقاعد إدارة الدولة آنذاك، ومدى الكفاءة السياسية والمهنية التي تحلّوا بها، وهل كانوا بحجم التحدي الثوري؟، أم كان هنالك من هو أكفأ منهم في القدرات أبعدته المطامع الحزبية والطموحات الشخصية؟.
أولى ملامح فشل تجربة الانتقال في مرحلتها الأولى هو القبول بالوثيقة الدستورية المعطوبة، التي منحت لجنة أمن الرئيس المخلوع إدارة الحصة الزمنية الأولى من المرحلة، ذلك التنازل الرخيص الذي لم يكن بقدر تضحيات من فقدوا الأرواح وتمزقت أبدانهم في ماراثون ثورة ديسمبر المجيدة، المحاولات اليائسة من رموز حكومة الدكتور حمدوك في إقناع الشعب بضرورة عقد تلك الشراكة المدنية ذات الرأس العسكرية، كانت من أهم العوامل الممهدة لحدوث الانقلاب العسكري الكامل الذي تم قبل عام، فقبول مركزية الحرية والتغيير بقيادة العسكر للنصف الأول من عمر الانتقال، كان بمثابة القبول التام بتسيّد البزة العسكرية للمشهد لما بعد انقضاء أجل الاستحقاق الزمني الأول، ومهما دافع المدافعون عن القلب النابض لروح الثورة – لجنة إزالة تمكين نظام الثلاثين من يونيو – إلّا أن الحقيقة تقول بأن أي لجنة قانونية تستهدف إدانة رموز الحكم (البائد)، وتعمل تحت سيادة منظومة أمنية تدين بالولاء المطلق للعهد (البائد)، بمثابة الانتحار، وقد انكشف الستار المخادع الذي حاولت مركزية الحرية والتغيير إيهام الثوار به، وبأنها ماضية في الوفاء لمباديء الثورة الثلاث - الحرية والسلام والعدالة - وأنها تعمل على قدم وساق لتوطيد ركائز الأركان الثلاث، وللأسف كانت الخطوات الواقعية تقول بغير ذلك.
خلاصة الاستنتاج، أن القوى السياسية القديمة تآمرت على ثورة الشباب الديسمبرية، بحمولات أثقال إخفاقاتها التاريخية المخزية بشراكاتها المعلومة مع كل الانقلابات العسكرية، فثورة ديسمبر المجيدة ومن حسن حظها أن السواعد الخضراء المرتكزة عليها، منفصلة تمام الانفصال عن القوى القديمة المهادنة والمنكسرة، ومع هذا السعي التكالبي المحموم لقوى الهبوط الناعم، والانتظار بأبواب السفارات الراعية لمشروع تشكيل الحكومة الهشّة الآتية على الطريق، هنالك تيار ثوري شبابي لا يلين ولا يدين بالولاء لهذه الجماعات المهيضة الجناح، الحالمة في شراكة جديدة مع الإنقلابيين لا تسمن ولا تغني من جوع، فالقوى القديمة استنفذت الغرض الذي خُلقت من أجله، ولن تكون نهايتها بأي حال من الأحوال بأفضل مما هي عليه اليوم، فصفحات التاريخ وفصوله وأبوابه ليست جميعها تروي نفس الرواية، فهنالك إنقلاب لهذه الصفحات مفاجيء يعلن عن قصة فصل جديد، وهذا ما نحن بصدده الآن من أعراض لتخلّق جنين الدولة الجديدة، التي حلم بها المراهقون والدراويش الصغار، فكلماتهم تقول (هذه الأرض لما)، نعم إنّ الأرض أرضهم وهم جيل التغيير الجذري، الكافر بالأفكار البالية والخالع للجلابيب المهترءة، فالمشهد السياسي العام به خطان، خط هرِم قديم بائس ويائس ومستسلم، وثان مشرئب إلى العلياء بكل ثبات.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
2 تكتوبر 2022

 

آراء