ع ع إبراهيم يفكك مفهوم الصفوة في ديوان ناهد

 


 

جعفر خضر
20 June, 2021

 

صحيفة الديمقراطي ١٩ يونيو ٢٠٢١

يبذل كثيرون جهود مقدرة لتحسين وسائل التواصل الاجتماعي بتوفير المحتويات المفيدة ، فقد فتح الانترنت باب المعرفة بصورة مذهلة.
إن المجهودات التي تبذلها الدكتورة ناهد محمد الحسن من خلال ديوانها على تطبيق زووم لبث المحاضرات المعرفية على الهواء مباشرة ؛ تستحق الإشادة والثناء.
وهنالك أخريات وآخرين نذروا أنفسهم لبث الوعي عبر هذه الدروب من أمثال الأستاذة سحر عبد الرحيم في برنامجها (نقطة وطن جديد). وهي مجهودات مطلوبة لزيادة "السمين" في الأسافير حتى تتضاءل مساحة "الغث".
إن هذه الجهود تساعد في تقليل الركاكة في وسائل التواصل ، الركاكة التي تنامت نتاج لعدد غير قليل من الإسفاف في اللايفات، والملاسنات الفارغة التي لا تضيف إلى النشيد الوطني سوى النشاز.
إن ميزة هذه اللايفات الدسمة أنها تبقى بعد انتهاء البث ، مما يعني أن الاستفادة منها لا تنتهي.
كنت حضورا أمسية الثلاثاء الماضية في ديوان الدكتورة ناهد، وشاهدت محاضرة البروف عبد الله علي إبراهيم تحت عنوان (مفهوم الصفوة وغواية الصفوة). وأحاول أن ألخص المحاضرة في هذه العجالة .
شبه البروف عبد الله علي إبراهيم بعض المفاهيم الوافدة من الغرب، ببطة طروادة، التي ابتدعها في إحدى مسرحياته. ويحكى أن أحدهم أتى ببطة إلى بيت العزابة. استغرب لها الساكنون وقيل له: لإيقاف الحمار نقول "حاو"، ولإيقاف القطة نقول "بس" وللكلب "جر" فسألوه: كيف نوقف هذه البطة؟ فأجاب : لا أدري. فقالوا : إن البطة التي لا نعرف طريقة إيقافها خطرة علينا!!
وشبه إبراهيم مفهوم "الصفوة" والمفاهيم الغربية الوافدة ببطة طروادة، لذلك لا بد من إيجاد طريقة للجمها، للحيلولة دون خطرها. إن مفهوم الصفوة الذي استجلبه الدكتور منصور خالد في ستينات القرن الماضي، غيّب مفهوم "الثورة المضادة". إذ إن الصفوة طبيعية بمنظور منصور تتكرر كما يتكرر الحيض عند النساء. وسعى المفهوم لنفي الصراع الاجتماعي وتأكيد وجود صراع الصفوات .
ونبّه إبراهيم لجذور مفهوم "الصفوة" الذي سكّه موسكأ وباريتو الإيطاليين، في العقد الثاني من القرن العشرين، وأعطوه معنى" قلة" مالكة لزمام أمرها لها شوكة ونفوذ، تتخذ قرارات حكيمة من أجل جمهرة عامة، وما الانتخابات إلا مجرد بيعة لهذه الصفوة.
وتضم الصفوة السياسيين ورجال الأعمال وقادة الجيش، وأن تصريف الأمر بيدها، لا بيد الجماهير.
لكن الصفوة عندنا - وفقا لإبراهيم - ليست ذات شوكة وإنما مستضعفة من قبل الأعيان. ونوّه إبراهيم لدراسة المرحوم محمد هاشم عوض الإحصائية في عام 1968، التي كشفت سيطرة الأعيان على البرلمانات منذ قبيل الاستقلال.
والصفوة ليست كما وصفها محمد أحمد المحجوب تلك المتجردة لخدمة الوطن، كما أنها ليست مدمنة للفشل بتعبير منصور خالد.
إن الصفوة المالكة لعلم الدولة ظلت في خصومة مع طبقة الأعيان، ولا يصل منسوبوها للبرلمان إلا بالخضوع للأعيان.
وأصيبت صفوتنا بالحسد الانتخابي، وظلت تلجأ للانقلاب للوصول للسلطة، وتعمل بعد الثورات على تطويل الفترة الانتقالية لتأمين وجود برلماني.
إن الصفوة اليمينية واليسارية من أسباب هزيمة الديمقراطية لأنها تتزمر من الديمقراطية التي لا تأتي بها. وقال إبراهيم أن الصفوة الوسطية ظلت مع نظام مايو إلى آخر لحظة.
وأكد إبراهيم أن الحزب الشيوعي انسحب من التحليل الطبقي منذ عام ١٩٧١ عندما تورط في الانقلاب. وكان الحزب الشيوعي قد صنع علما سياسيا غزيرا في تحليل انقلاب ١٩٦٩ ، وكان من المفترض أن يتواصل ويتسع في تحليل انقلاب ١٩٧١ ومعرفة الأساس الاجتماعي للانقلاب ، ولكن ظل الحزب يزوغ من تحليل الانقلاب بتسميته حركة تارة، وباستخدام عبارات من شاكلة (شرف لا ندعيه، وتهمة لا ننكرها) لأن التحليل سيكشف نفوذ البرجوازية الصغيرة داخل الحزب نفسه. هذا الاعتزال حجب معرفة ضخمة في تحليل الانقلاب إلى يومنا هذا.
كما ظلت قوى الهامش معتزلة للبرلمان بعد كل الثورات التي حدثت، وترى أنه يأتي بالطائفية . وأن ثوار الجبل دائما يسألون أين السلام، ولكن لا يسألون أين الديمقراطية، مع أن. مشكلة الهامش الأساسية هي غياب الديمقراطية، التي عن طريقها يتم تأسيس الحقوق على المدى الطويل.
فكرة أن الجيش صفحة بيضاء وأن المدنيين فقط هم الذين يوسوسون بالانقلابات فكرة خاطئة، لأن هنالك تحالف ، ولأن الجيش من أكبر المؤسسات السياسية في بلد ظلت تعاني من الحروب منذ الاستقلال.
إن تحليل الدورة الجهنمية أو الخبيثة (ديمقراطية انقلاب ثورة ديمقراطية انقلاب) وإلقاء اللائمة على الصفوة وصراعاتها حجب عنا مفهوم الثورة المضادة وبوليتيكا الانقلاب.
هنالك ثورة مضادة تتوارث بعضها البعض، يقوم مفهوم الثورة المضادة على أربعة أعمدة : الذكورية، والعداء للديمقراطية، ورفض الآخر ، والتوجه الرأسمالي. والإنقاذ هي أعلى مراحل الثورة المضادة.
ويتجلى رفض الآخر في تكريس الأسلمة والعروبة، ومن يرفض دخول البوتقة يرسلون إليه المجاهدين، ليس هذا في زمن الإنقاذ فحسب، بل مثلما فعل، قبلها، علي بلدو في جنوب السودان من أسلمة وتعريب وتغيير أسماء.
إن الثورات كلها قامت لصناعة الوجود المغاير، بتعبير التجاني يوسف بشير؛ أو لصناعة الدنيا وتركيب الحياة القادمة، بتعبير محمد المكي إبراهيم. والثورة المضادة تعمل للحيلولة دون ذلك.
كان المأمول أن يعين دخول مفهوم "الصفوة" على تشخيص الواقع السوداني، ولكنه أضر بنا وحجب عنا رؤية الثورة المضادة.
هذا تلخيص للمحاضرة لا يغني من مشاهدتها على وسائل التواصل الاجتماعي. ويستمر ديوان الدكتورة ناهد محمد الحسن كل سبت وثلاثاء عند السابعة مساء، ورابط المحاضرات مبذول على قارعة الفيسبوك.

gafar.khidir70@gmail.com

 

آراء