غــابة الفــيل

 


 

 

(كلام عابر)

توالى على منصب والي القضارف عدد من الولاة من خارج الولاية كانوا ناجحين كل النجاح  بمقاييس المركز وهو تحصيل أكبر قدر ممكن من الإيرادات من هذه الولاية الثرية المعطاءة وتحويلها للمركز وهم ابرهيم عبيدالله والشريف بدر والبروفيسور الأمين دفع الله ثم تبدل الحال بعد مجيء السيد عبدالرحمن الخضر واليا فشرع   في عهده في تنفيذ بعض المشاريع التنموية ، ولكن هذه المشاريع التي لم تسبقها دراسات متخصصة أثار تنفيذها تهما بالفساد ووعد المرشح لمنصب الوالي حينها  السيد كرم الله عباس بملاحقة هذا الفساد ولكن خطاب السيد كرم الله تغير تغيرا جذريا بعد أن أصبح واليا فقال إنه من الصعب إثبات تهم الفساد ثم ركل الكرة إلى خارج ملعبه وطلب ممن لديه بينة على فساد مسئول أن يتقدم بها للجهة العدلية المختصة في الولاية، ويبدو أن السيد كرم الله ،رغم صدق نيته، قد غلب فقه السترة على ما سواه والله أعلم.
ورغم سجل ولاة القضارف السابقين الخالي من عمل صالح ينفع إنسان الولاية إلا أن البروفيسور الأيمن دفع الله كان،وما يزال،  متقدما في فكره على عصره وعلى معاصريه ويحمد له أنه صاحب انجاز لم يسبقه إليه أحد في كل ولايات السودان،أم الإنجازات، فقد كان له الفضل في صدور قانون محلي يمنع منعا باتا استخدام أكياس البلاستيك في الولاية  بسبب الأضرار التي تلحقها الأكياس البلاستيكية بالزرع والضرع  والبيئة ،واستطاع الرجل أن يكسب دعوى قضائية  مقامة ضد القرار من بعض التجار ، ليس ذلك فحسب بل إنه فرض على كل مزارع أن يزرع مساحة من مشروعه الزراعي بالأشجار، فظهرت ثمار هذه الأفكار الرائدة بعد سنوات قليلة وأخذت الأرض تسترد بعض عافيتها بعد عقود من الرعي الجائر والزراعة الجائرة واختفت أكياس البلاستيك من الولاية وكان ذلك حافزا وقدوة للآخرين لحماية البيئة.
وفجأة ذهبت كل انجازات صديق البيئة البروفيسور الأمين دفع الله الرائدة أدراج الرياح بصدور قرار فطير غير موفق بإعدام غابة الفيل ليقام في مكانها مطار لم يجدوا له متسعا في أراضي الولاية إلا هذه الغابة. نشأت غابة الفيل عام 1960 م شمال القضارف على طريق القضارف كسلا لتصبح مصدر حماية لمجرى نهر عطبرة وحظيرة الدندر وحزاما عازلا للرياح ومصدرا هاما للصمغ العربي فضلا عن أنها تجاور نحو 13 قرية وتحتوي على عشرة حفائر لشرب الحيوانات وهي الغابة الوحيدة في المنطقة. وقد تعرضت غابة الفيل لاعتداءات متفرقة من قبل اقتطعت أجزاء منها ولكن  الأمر سيذهب هذه المرة إلى إزالتها نهائيا من أجل المطار الجديد، وإذا سلمنا جدلا بأن وزارة  السدود مسئولة عن إنشاء المطارات ، وهو أمر ينسجم مع واقع حال أصبحت فيه لوزارة العدل ووزارة الداخلية وجهاز الأمن استثمارات تجارية، فإنه لا  توجد من حيث المبدأ  جدوى اقتصادية فعلية لهذا المطار الجديد إذا كانت  الجدوى الاقتصادية تقاس بكمية البضائع والمنتجات التي ستنقل عبر المطار وعدد الركاب الذين سيستخدمونه ومردود ذلك الحالي والمستقبلي على الاقتصاد والمجتمع. المطار سيكون  في خدمة موظفي  وزارة السدود وضيوفهم   وثلة من الدبلوماسيين والمسئولين وموظفي الأمم المتحدة، وفيما عدا ذلك سيكتفي مواطن المنطقة  بمشاهدة الطائرات لأول مرة وهي تهبط وتقلع  حتى تختفي الدهشة وفي أثناء ذلك تهجر الطيور أوكارها والحيوانات مراعيها  وتنتشر في الأرض والجو  بحثا عن بيئات   أخرى ملائمة . إن مصلحة وأمن الولاية وكل الوطن  تقتضي مد شوارع مسفلتة من الشواك لمنطقتي الفشقة الكبرى والفشقة الصغرى وإنشاء أكثر من جسر على نهري سيتيت وباسلام حتى ترتبط تلك المنطقة الزراعية الخصبة الواسعة بباقي الولاية ويتم نقل انتاجها للأسواق  وهو انتاج يكفي السودان كله ، ,وسيحقق ذلك تنمية اجتماعية واقتصادية  في كل المنطقة ويشجع المواطنين  على الاستيطان في تلك المنطقة الحدودية التي تعاني من الفراغ السكاني الجاذب للمحتلين الأجانب،  ويخلص الفشقة نهائيا من قبضة الاستيطان والاحتلال  الأثيوبي.
استقال السيد مدير الهيئة القومية للغابات من منصبه رفضا،كما قال،للطريقة الفوقية غير المؤسسية التي استصدر بها قرار  فك حجز المساحة اللازمة للمطار من غابة الفيل، والتي تعني عمليا القضاء على باقي الغابة، وتنفيذ القرار بطرق أحادية غير مبررة متجاوزة لقانون الغابات وعدم تقدير دور ومهنة الغابات وقيمتها البيئية والاقتصادية والاجتماعية. ثقافة الاستقالة التي يؤصل لها مدير الغابات في حد ذاتها مؤشر حضاري ولكن يبدو أنه لا يكفي وحده لانقاذ غابة الفيل من مصيرها البائس المثير للشك والريبة،  فهل من أمل لإنقاذ البيئة وانقاذ غابة الفيل وصرف النظر عن المطار كلية  أو تطوير مهبط آخر في الولاية ليصبح مطارا خارج غابة الفيل؟ وهل سيتدخل صديق البيئة البروفيسور الأمين دفع الله لانقاذ مشروعه الحضاري الذي بدأه في ولاية القضارف ويتمكن  من موقعه كأمين عام للمجلس الأعلى  للحكم اللامركزي  ومتنفذ في الحزب الحاكم من انقاذ غابة الفيل من القدم الهمجية؟
قبل الختام:
عتبت على سلم فلما فقدته           وجربت أقواما غيره بكيت على سلم
(عبدالله علقم)
Khamma46@yahoo.com

 

آراء