كما قال أستاذي شوقي بدري أن السودان بلد المحن وانا أضيف اليه انه بلد الغلوتيات لانه في كثير من الاحايين تتطرا علينا بعض الأحداث والمواقف من ساستنا وزعماء الكيانات التي أصبحت لا تعد ولا تحصي نعجز عن فهمها وفك طلاسمها وتصبح اشبه بالغلوتية التي يتباري فيها الناس لتفسير معانيها وحكمة مقاصدها .. غالبا ما تكون تخمينات ما يسمي أنفسهم الخبراء الإستراتيجيين والمتخصصين في التحليلات متضاربة ما لم ينبري أو يتكرم أصحاب الأمر لتفسير الغلوتية ويكون ذلك بعد فوات الأوان .. قبل وخلال ثورة ديسمبر المجيدة بدات غلوتيات الاتفاقيات والتحالفات بين ساستنا المتشاكسين من أجل السيطرة علي مغانم حكم البلاد ..
الفصائل المسلحة توافقت علي التحالف واسست ما يسمي الجبهة الثورية(غلوتية) وقبل أن نفك طلاسمها خرج منها عبد العزيز الحلو و رفضها عبدالواحد نور ثم انسلخ عنها مناوي بعد أن فشل مسعاه في الحصول علي رئاستها بانتخاب د. الهادي إدريس الأكثر كفاءة وجدارة منه .. هذه التيارات أو الفصائل المسلحة التي تتكون من حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان والحركة الشعبية شمال لم يتمكن المحللون من تفسير غلوتية فكرتها بإنشاء تحالف بين مكونات متناقضة حتي علي مستوي تنظيماتها الداخلية التي فرخت العشرات من الفروع المنشقة عنها .. حركة جبريل ابراهيم انسحبت منها العديد من الفصائل المسلحة التي لا نعرف عددها و حتي اسماء زعمائها الجدد ونفس الحال عند حركة مناوي وعبد الواحد نور ولم تنجو من هذا الداء اللعين الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بخروج عبد العزيز الحلو منها بسبب التهميش من قادته ..
في الداخل رأينا تكوين اكبر تحالف سياسي في تاريخ السودان الحديث اجتمعت فيه معظم الأحزاب السياسية وتجمعات المهنيين والمنظمات المدنية والشبابية من الجنسين في لوحة بديعة اختير لها إسم فريد هو تجمع قوي الحرية والتغيير(قحت) وقد وصل بنا التفاؤل والثقة بهذه الغلوتية لدرجة أننا اهملنا التفكير في تفسيرها حتي أصبحت حاضنة لحكومتنا الانتقالية ولكن لم يمضي الكتير من الوقت حتي تنبهنا أنه فات علينا أن هذا التحالف الكبير كان مجرد غلوتية غفلنا عن حل طلاسمها حتي نالت كل هذه الثقة ثم بنينا عليها كل هذه الآمال العريضة .. للأسف الشديد تشظي هذا التحالف بسبب الخلافات الكبيرة بين مكوناته التي بدأت تتصارع علي كيكة السلطة والكل يريد فرض أجندته علي الشريك أو الحليف الآخر .. لقد نسي الحلفاء أن الفترة الانتقالية محدودة الأجل وان الهم الأكبر يجب أن يكون في الاعداد لما بعدها الذي يتطلب التحضير الجيد للبرامج الانتخابية وتوعية القواعد الحزبية .. بسبب الانقسامات والانسحابات أصبح التحالف ضعيفا لا حول له ولا قوة حتي أصبح المكون العسكري لا يعيره اهتماما والحكومة المدنيه لا تعطيه وزنا او أذن صاغية لتوجيهاته ونصائحه .. هنا وضحت الصورة وعرفنا أن هذا الاتفاق علي هذا التحالف كان مجرد غلوتية استعصى علينا حلها حتي كشفت لنا عن معاني طلاسمها بعد فوات الأوان ..
الآن مطروحة علينا غلوتية مجلس الشركاء المثيرة للجدل منذ أن تم التبشير بفكرتها .. قبل أن نفك طلاسم هذه الغلوتية دعونا نسأل عن السبب لتكوين هذا المجلس من هؤلاء الشركاء المتشاكسين والذين سبق أن تحددت مهامهم في الوثيقة الدستورية !!.. في اعتقادي المتواضع أن مجلس الشركاء هي فكرة اتت من خبثاء الفلول البائدة تمهد للهبوط الناعم ولتمكين سيطرة المكون العسكري وسحب البساط من تحت اقدام السلطة المدنية وتقزيمها حتي تصبح تحت قبضة العسكر وحلفائهم الجدد أمراء الحرب من زعماء الفصائل المسلحة الموقعة علي إتفاقية سلام جوبا المتعطشين للسلطة والمناصب الدستورية والتنفيذية .. مجلس الشركاء سيكون اللغم الخطير الذي سوف ينفجر في وجه ثورة ديسمبر المجيدة حال الخلاف بين متناقضات أعضائه وسيكون من الصعوبة بعدها ردم الهوة الكبيرة بينهم وستكون النتيجة الحتمية تمزيق البلاد وتشريد العباد خاصة بعد دخول الحركات المسلحة بكل عتادها ورجالها ولم يتم أي حصر أو تسليم لأسلحتهم .. القوات المسلحة أصبحت في حيرة من التعامل في أداء واجابتها المعروفة وهي حماية ثغور البلاد من أي تعدي خارجي .. الان أصبحت لها مهمة إضافية وهي حماية البلاد من مسلحي الداخل(فصائل الحركات المسلحة) التي غزت العاصمة وكل المدن الكبيرة .. ولا ننسي أيضا قوات الدعم السريع المستقلة القيادة وذات المهام غير المحدودة فهي تقوم بدور الجيش والأمن والشرطة وتصدر الجنود لدول الجوار باتفاقيات خاصة ومنفردة لا تعلم بها الدولة .. كل هذه المكونات المتناقضة نريد ان نجمعها في مجلس واحد نسميه مجلس الشركاء .. أليست هذه غلوتية؟؟!! في الختام نسأل الي متي يكون السودان بلد الغلوتيات؟!! .. والي متي ننتظر حتي يقع الفاس فوق الراس؟؟!! ..