غياب السودان عن قمة العرب في جدة بحضور البرهان أو غيابه

 


 

طاهر عمر
20 May, 2023

 

قمة العرب في جدة أهم حدث تتمركز حوله القمة هي عودة الأسد وريث سوريا من أبيه بما يعني فشل الجمهوريات العربية سواء في مصر عبد الناصر أو سوريا و العراق و غيرها في أن تعبر الممر الإلزامي الذي يفضي الى التحول الى قيم الجمهورية و الاحترام الكامل لمواثيق حقوق الانسان. و كله نتاج حالة التيبس و التكلس الفكري الذي يغطي رحم الأمة العربية و قد جعلها عاقر سمينة و أمينة تقاوم أي تغيير و تتحايل عليه بأنها أمة لها خصوصيتها التي جعلتها تنكفي لنصف قرن أي منذ بداية النيوليبرالية كديناميكية الى لحظة نهاية النيوليبرالية في بوتقة الصحوة الاسلامية ككوميديا إلهية غذّت شعلتها أموال البترول و هي تسيل في دعم الجهاد في أفغانستان و تنشد الأناشيد مع وصول الخميني في ايران.
العالم العربي بثقافته العربية الاسلامية التقليدية ملئ بالحيل التي تتولد من دهاة العرب في عصرهم الحديث لتبرير فشلهم و تخلفهم عن مسيرة البشرية في سيرها الأبدي كمسيرة مأساوية و تراجيدية و تحتاج على الدوام للتغيير الذي قد إنهزم أمام الثقافة العربية الاسلامية التقليدية التي تزعم بأنها صالحة لكل زمان و مكان و هيهات.
عودة ابن الأسد الوريث لسوريا فيها فرحة مكتومة لنخب السعودية و دول الخليج بفشل الربيع العربي الذي ورثه أتباع الخطاب الديني في كل من مصر و فشلهم في تصور التحول الديمقراطي بل فتح الطريق لسيسي مصر لبناء نظام حكم تسلطي يعيد مصر لزمن غياب الريادات الوطنية الواعية التي تهدف الى التحول الديمقراطي و يعيد نخب الخنوع و التبعية و الموالاة للديكتاتور كما كان ايام عبد الناصر و عندما فشل ورثت الحركات الاسلامية زخمه و سارت به و بالأمة العربية التقليدية كالسائر في نومه.
السعودية و دول الخليج و خوفهم من موجات الربيع العربي يستدلون على فشل التحول الديمقراطي في مصر و فشل تونس بسبب عشرية الغنوشي كمعرقل للتحول الديمقراطي في تونس و فشل اليمن و حرب اليمن و خراب الحوثيين لكنهم أي السعودييين و الخليجيين لم يذكروا بأن أموال البترول التي كانت تخرج من صيدليتهم هي سبب توهج الخطاب الديني و السعودية نفسها لم تعرف خطره إلا بعد أن وصلت أصابعها حرارة لهب الثقاب الذي قد أشعلته بمساعدتها لخطاب الاسلام السياسي و بعد أن إحترقت أصابع السعودية بتفجيرات الاسلاميين داخل السعودية قد عرفت أنها كانت تربي الذئاب أي الاسلاميين و قد أرضعتهم من ثديها اللبون.
بالطبع من حق السعودية و دول الخليج و بحكم طبيعة نظم حكمهم كملوك و سلاطيين و أمراء أن يزداد خوفهم من موجات الربيع العربي التي تؤشر الى أن العالم العربي قد بداء مسيرة تحوله نحو التحول الديمقراطي عاجل أم آجل و لكن ليس من حق السعودية و دول الخليج بأن تعرقل مسيرة التحول الديمقراطي و قد رأينا تدخلهم السافر في إنقلاب البرهان و لولا تدخل الولايات الامريكية وقد وقفت امام السعودية و مصر و الامارات بل طلبت منهم الابتعاد عن مسيرة التحول الديمقراطي التي يريدها الشعب السوداني و ليس نخبه الخانعة كحال البرهان كتابع ذليل للسيسي.
بعدها و تحت تهديد الولايات المتحدة لمصر و الامارات و السعودية بدأت السعودية تغيير حيلها نحو عرقلة التحول الديمقراطي في السودان و طبعا لا نلوم السعودية فهي تخاف من التحول الديمقراطي أن ينجح في تونس و السودان و مصر و بالتالي ستكون نظم حكم السعودية و الخليج تحت ما تخفيه صدور شعوبهم و قد رأوا التحول الديمقراطي في دول الربيع العربي و لكن لحسن حظهم و لكن لزمن قصير لأن التغيير لا محالة قادم رغم فشل التغيير و إختفاء الغذافي و علي عبد الله صالح و زين العابدين بن علي و حسني مبارك إلا أن الأسد قد فلت من مصيدة التغيير في ربيعه و لذلك تحتفي قمة جدة بعودة الأمل برجوع العالم العربي و التقليدي الى قديمه و حليمة قد عادت لقديمة و كما يقول الليبيون عيشة ياها عيشة لو لبست الحرير و لو لبست الخيشة و عيشة يقصد بها الليبون عائشة.
و نحن نقول نعم فلت الأسد وريث سوريا من أبيه من شرك التغيير و عاد محتفى به من قبل من يخافون التغيير و يروجون بأن الربيع العربي قد فشل لأنه قد ورثه الاسلاميين متناسيين أن الاسلاميين قد تغذوا من عسل خلية بترول الخليج بل محافظة قياداته بنظم حكمها قد سدت كل طرق التحول نحو التحول الديمقراطي و السعودية نفسها قبل خروجها من عباءة رجال الوهابية بطرح ولي العهد محمد بن سلمان كانت تمثل أقبح خطاب إسلامي معادي للحداثة و خاضت في الصحوة و محافلها الى لحظة حيرة ما بعد الصحوة التي قد ضربت أنحاء العالم العربي و الاسلامي التقليدي.
يعرف السعوديون و حكام الخليج أنهم يعرقلون التحول الديمقراطي في دول الربيع العربي و يخيفون الناس بما صنعوه من إسلاميين و لكن كان الأجدى أن يقولون للناس أن الاسلاميين قد ساهمنا في خلقهم من عدم و بالتالي يساعدون التحول الديمقراطي في تونس و السودان و مصر و لكن خوفهم الأبدي من التحول القادم لا محالة يجعلهم في خوف مما هو حتمي و هو التغيير فماذا هم فاعلون و لو بعد حين؟
نرجع للسودان و ثورة ديسمبر المجيدة فهي ثورة مجيدة بشعارها الليبرالي حرية سلام و عدالة قد أنجزها شعب أبي و بالتالي هي ثورة ضد الخطاب الديني الكيزاني الذي دمر السودان في فترة حكمه لثلاثة عقود فهي ثورة تظهر إختلافها عن ثورة تونس التي أوصلت الاسلاميين و الغنوشي و ثورة ليبيا و قد كانت للاسلاميين ملييشياتهم التي عرقلت التحول الديمقراطي في ليبيا و ثورة ديسمبر ضد الكيزان و الخطاب الديني تختلف عن ثورة مصر التي أوصلت الاخوان المسلمون لماذا تعرقل السعودية و دول الخليج بمساعدة سيسي مصر ثورة السودان التي أبعدت الكيزان و خطابهم الاسلامي؟
و من هنا تتضح لنا فكرة أن نخب دول الخليج في خوف من فكرة التغيير الآتي مهما تحصنوا ضده بخنوعهم و مولاتهم و تبعيتهم و مفارقتهم للعفوية و التلقائية و الابتكار إلا لماذا عرقلة التحول الديمقراطي في السودان و ثورته؟ هي التي قد قضت على الخطاب الديني الكيزاني في السودان بوعي شعب سوداني يختلف عن تبعية شعوب العالم العربي التقليدي.
الهدف أن السعودية و دول الخليج تريد أن تعود بدول العالم العربي التقليدي الى زمن الدكتاتوريات و هيهات لذلك كانت قمة جدة قمة عودة الأسد وارث أبيه و بالتالي قد أصبحت سوريا ملكية كما السعودية و دول الخليخ و بالتالي الإحتفاء بعودة الأسد إحتفاء بنظمهم الملكية و الاميرية و السلطانية و هي تجسيد سلطة الاب و ميراث التسلط و حتما لن تدوم لأن التغيير قادم.
غياب السودان عن قمة العرب في جدة سواء بغياب البرهان أو حضوره توضح شئ واحد أن السودان قد بداء مسيرة التحول الديمقراطي و أن الشعب قد أيقن بأنه مصدر السلطة في السودان سوف تنتهي الحرب في السودان و لن يحكم البرهان بجيشه و لا حميدتي بمليشياته بل الشعب هو صاحب التغيير الذي يختلف عن التغيير الذي حدث في دول الربيع العربي.
لأن التغيير في السودان كان ضد خطاب الكيزان الديني أما في مصر فقد أوصل التغيير الأخوان المسلميين الى الحكم و بعدهم قد جاء السيسي بنظام حكمه التسلطي و في تونس أوصل التغيير الغنوشي و خطابه الاسلامي و في ليبيا أوصل مليشيات الاسلام السياسي الى قوة عرقلة التحول الديمقراطي أما في السودان فهي الثورة الوحيدة التي تسير مسيرتها باتجاه معاكس لأنها قد قضت على خطاب الكيزان الديني فلماذا يحاربها ملوك السعودية و سيسي مصر و سلاطيين الخليج؟ على العموم نحن في زمن وصل فيه تدني مستوى الوعي في العالم العربي التقليدي لمستوى تقوده السعودية بدلا من إرتفاعه حتى يفتح الطريق لتحول ديمقراطي يفتح على مسرح تحقيق قيم الجمهورية و يظل الأمل بأن التغيير حتمي.

taheromer86@yahoo.com

 

آراء