فاغنر والسودان والتغيرات الإستراتيجية

 


 

 

بدأت وزارة الدفاع الروسية فرض إجراءات شروطها على مجموعة فاغنر، من خلال توقيع عناصرها عقودا مع وزارة الدفاع في شهر يوليو القادم 2023 م حيث قال وزير الدفاع الروسي نيكولاي بانكوف السبت إن "تشكيلات المتطوعين" سيطلب منها التوقيع على عقود بشكل مباشر مع وزارة الدفاع" و أضاف قائلا "إن هذا القرار "سيمنح تشكيلات المتطوعين الوضع القانوني الضروري ويخلق نهجاً مشتركاً نحو تنظيم الدعم الشامل وإنجاز مهامه" إلا أن فاغنر رفضت الإجراء و قال رئيسها يفيغني بريغوجين إن "فاغنر لن توقع على أي عقود مع وزير الدفاع الروسي بل سنقاطعها تماما" و أضاف بريغوجين قائلا " لا يستطيع وزير الدفاع أن يدير بشكل مناسب التشكيلات العسكرية لمجموعة فاغنر و أن المجموعة مندمجة بشكل جيد مع الجيش الروسي، لكنه قال إن فعاليتها ستتضرر إذا ما اضطرت لأن ترفع تقاريرها إلى وزير الدفاع." و يؤكد عدد من المحللين السياسيين الروس أن إجراءات وزارة الدفاع تهدف إلى أن تكون مجموعة فاغنر تأتمر بقرارات القيادة السياسية في موسكو. و أيضا أن تكون جزءا من إستراتيجية الدولة الخارجية و الاقتصادية خارج روسيا. و معلوم أن جنود فاغنر منتشرون حالياً في السودان ومالي و جمهورية أفريقيا الوسطى و ليبيا.
أن قرار فاغنر لتقليل وجودها و مشاركتها في حرب أوكرانيا، يشير إلي أنها تريد أن تتفرغ لاستثماراتها و علاقاتها مع مجموعات مسلحة في أفريقيا، بعد الحرب التي اندلعت بين الجيش السوداني و مليشيا الدعم السريع التي تربطها معها بعلاقات عسكرية و اقتصادية، حيث فقدت قوات المليشيا سطوتها العسكرية في الخرطوم و فقدها 70 % من عتادها العسكري، الأمر الذي أن نفوذها سوف يضعف مستقبلا. أن إضعاف مليشيا الدعم السريع سوف يفقد مجموعة فاغنر سطوتها الاقتصادية في السودان خاصة في عمليات التنقيب عن الذهب، و تسرع المليشيا لاستلام السلطة بانقلاب عسكري أيضا سيفقد موسكو مشروعها للاستثمار في اليورانيوم، و أيض سوف يضعف وجودها في أفريقيا الوسطى.
تعتقد العدد من الدوائر السياسية و البحثية أن زيادة عناصر مجموعة فاغنر في غرب أفريقيا سوف يزعزع الأمن في تلك البلاد. لذلك سارعت فرنسا بعقد اتفاق مع تشاد لكي تتواجد قواتها في الحدود مع السودان. و خوف فرنسا يرجع إلي أن هروب اعداد كبيرة من عناصر مليشيا الدعم إلي غرب السودان ينذر بخطر على نظام الحكم في تشاد، خاصة أن عملية اغتيال أدريس دبي كانت محاولة لقلب نظام الحكم هناك، تشير فيها أصابع الاتهام للمجموعات العربية في تشاد و قوى المعارضة المتحالفة معهم، و هؤلاء جميعا لهم علاقة وطيدة بمليشيا الدعم السريع. المسألة المهمة الأخرى التقرير الذي كانت قد أوردته قناة الأخبارية الأمريكية ( CNN) عن الصراع في دارفور، و اتهمت فيه مليشيا الدعم السريع أنها تعمل من أجل تغيير ديمغرافية الأرض في دارفور من خلال سياسة التطهير العرقي و توطين مجموعات من القبائل العربية القادمة من النيجر و أفريقيا الوسطى و تشاد. هذا التقرير هو الذي جعل الإدارة الأمريكية متمثلة في وزارة الخارجية تقول في بيان أدانة إغتيال حاكم ولاية غرب دارفور خميس ابكر "أن مليشيا الدعم السريع و المليشيات العربية المتحالفة معها هم وراء عملية إغتيال الوالي. أن بيان الإدانة و اتهام المليشيا يجعل الولايات المتحدة متخوفة مثل فرنسا أن فاغنر تريد زيادة عناصرها في هذه المنطقة لكي تحافظ على مصالحها التي كانت شراكة مع مليشيا الدعم. و قرار وزارة الدفاع الروسية ربما يكون الهدف منه أن تجد المجموعة الحماية الكاملة من القيادة السياسية الروسية. الأمر الذي يجعل أرض السودان ساحة للصراع الإستراتيجي بين الدول الكبرى، إلي جانب هناك دول في المنطقة بدأت الدخول في الصراع من خلال الحرب و قدمت دعما كبيرا لمليشيا الدعم السريع. أيضا لا تريد أن تفقد مصالح كانت تأتي من خلال سطوة مليشيا الدعم من وراء الشعب السوداني.
في مارس الماضي كانت فرنسا قد أعلنت خروج قواتها العسكرية تماما من أفريقيا الوسطى التي كانت قد وقعت حكومتها اتفاقيات اقتصادية و عسكرية مع روسيا، و خوفا من ضياع هذه الامتيازات تضغط روسيا فاغنر أن تقبل أجراءات وزارة الدفاع حتى تشكل لمجموعة فاغنر وجود شرعي في اراضي أفريقيا الوسطى. و أيضا كانت الولايات المتحدة قد عرضت من قبل على حكومة أفريقيا الوسطى مساعدات عسكرية و تدريب لجيشها إضافة لدعم اقتصادي بشرط تقليص النفوذ الروسي فيها، و تحجيم مجموعة فاغنر لكن حكومة بانغي لم ترد على واشنطن. باعتبار أن عناصر فاغنر يشكلون حماية مباشرة لإعضاء الحكومة.
و إذا نظرنا لزيارة محمد أريس دبي الرئيس الانتقالي لدولة تشاد إلي الأمارات العربية المتحدة التي تشكل سندا لمليشيا الدعم السريع التي تقاتل الجيش في السودان. لا يخطيء من يعتقد أن هذه الزيارة لها علاقة مباشرة بالذي يجري في السودان، رغم الذي خرج في البيانات يتعلق بالعلاقة الاقتصادية و السياسية بين البلدين. لكن تشير بعض التحليلات أن الإمارات تبحث عن أماكن أمنة للمليشيا إذا خسرت الحرب في السودان، و وجد أفرادها و الذين ساندوهم لمضايقات . لذلك أكدت أبوظبي على الرئيس دبي التمسك بالاتفاق الذي كان قد وقع في الدوحة بين ( محمد أدريس دبي الرئيس الانتقالي و المجموعات من المعارضة التشادية) إلي التأكيد أن تجرى الانتخابات في وقتها المحدد، هذه الانتخابات تعول عليها المعارضة، و خاصة القبائل العربية بإنها سوف تكون جزءا من أي تكوين حكومي قادم. و الاتفاقيات التي أبرمت بين الجانبين سوف تتم مراجعتها من قبل فرنسا حتى لا تتعارض مع مصالحها في المنطقة. إلي جانب إنها جاء تراقب الحدود التشادية السودانية لكي تراقب مسارات هذه المليشيا التي تربطها علاقات وطيدة مع مجموعة فاغنر.
كانت السعودية و الولايات المتحدة قبل الحرب يراهنون على ( الاتفاق الإطاري) باعتباره هو المخرج للسودان، و كانوا على اصرار أن وقع الجيش على الاتفاق النهائي حتى يذهبوا مباشرة في تشكيل حكومة للفترة الانتقالية التي لا ترتبط بزمن، باعتبار أن هذه المجموعة الضيقة سوف تنفذ كل الأجندة المطلوبة للداعمين، لكن الحرب أحدثت تغييرا إسترايجيا في المشهد السياسي، و بينت أن مليشيا الدعم السريع ليس لها علاقة بالديمقراطية بل لها مشروها الخاص المرتبط بنقل عناصر من دول عديدة في غرب أفريقيا ألي السودان، و ممارسة تطهير عرقي للقبائل الأفريقية. و من جانب أخرى أن الحرب خلقت شعبية كبيرة تقف مع القوات المسلحة، و أيضا خلقت رأى عام ناغم على مليشيا الدعم السريع، و كل الذين ناصروها إذا كانوا قيادات سياسية أو غيرها، بالإضافة أن فاغنر تريد الانسحاب من حرب أوكرانيا لكي تكثف وجودها في منطقة وسط و غرب أفريقيا، الأمر الذي يفتح صراعا مفتوحا مع موسكو، فالصراع الإستراتيجي مع روسيا في أفريقيا سوف يخسر العديد من الشركات الأوروبية و الأمريكية. و دخول روسيا أيضا دخول الصيني التي لها استثمارات عديدة في الدول الأفريقية. هذه التغييرات في المشهد أدى إلي تحول بدأ يظهر في السياسة الأمريكية من جهة و أيضا السعودية. و زيارة محمد بن سلمان لفرنسا ثم من بعد إلي أنقرة تؤكد أن السعودية بدأت تغير نظرتها للمشكلة السودانية. خاصة في منطقة تتأرجح بين قوى عظمى تريد الحفاظ على مصالحها، فظهور مليشيات في المشهد السياسي ليس في المصلحة. انما مصلحتها مع الجيوش الوطنية و تقويتها بهدف حفظ الأمن و الاستقرار الاجتماعي، و الاستقرار يتأتى من خلال مشاركة فاعلة للأحزاب في النظام الديمقراطي الذي تتداول فيه السلطة عبر صناديق الاقتراع. الإيام القادمة سوف تظهر هذه الإستراتيجية بوضوح. نسأل الله أن يقي السودان شرور المكائد و المؤامرات الداخلية و الخارجية.

zainsalih@hotmail.com
////////////////////

 

آراء