فـــــتـــــاة الــمــعــــادي

 


 

 


ahmadalkhamisi2012@gmail.com

جاء في تقرير النيابة أنها انتقلت لمناظرة جثمان فتاة قتيلة في المعادي فلم تجد النيابة سوى: " آثار دماء ملطخة بالرمال قرب إحدى السيارات". بقايا دماء في رمال هذا كل ما تبقى من شابة جميلة هي مريم محمد، لم تتجاوز الرابعة والعشرين، تعمل في أحد البنوك، مخطوبة، وتستعد للزواج، فلم يبق منها سوى " بقايا دماء ملطخة برمال"، هذا بعد أن خرجت مع صديقة لها يوم الثلاثاء 13 أكتوبر، ومشيتا تثرثران في أحلام الفتيات العذبة، فإذا بسيارة ميكروباص بيضاء اللون، بلوحة معدنية مطموسة الأرقام، يستقلها اثنان، تأتي من الخلف، ويمد المرافق الجالس بجوار السائق يده لينتزع حقيبة مريم المعلقة على ظهرها، لكن الحقيبة لم تنخلع بسهولة وجرجرت مريم مع السيارة، فاختل توازن الفتاة وارتطم رأسها بمقدمة سيارة ملاكي واقفة في الشارع، ومن شدة الضربة طار جسدها في الهواء عدة أمتار، ثم هوت على الأرض وفارقت الحياة قبل وصول الاسعاف. بذلك لم يبق من الآمال الشابة، والأحلام، والثرثرات البريئة عن الحب، سوى " آثار دماء ملطخة برمال ". وقد تمكنت الشرطة من القاء القبض على المجرمين الاثنين، وتم حبسهما على ذمة التحقيق معهما بتهمة القتل المقترن بالسرقة بالاكراه. لكن أشد درجات العقاب ولو كانت الاعدام ليست كفيلة بنزع جذور التحرش، والقتل، والعنف الموجه إلى المرأة، لأن المشكلة أكبر من هذين المجرمين الاثنين اللذين لا يجدان بأسا في الهجوم على الفتيات ولو أدى ذلك لقتلهن. الاجراءات القانونية وحدها لن تحل مشكلة نظرة التحقير والاستهانة الاجتماعية والثقافية بالمرأة، فهذه مشكلة كان لابد لوزارة التعليم والثقافة – لو أن لدينا وزارة للثقافة - أن تساهما بقسط في حلها، هي مشكلة ثقافة تاريخية متوارثة تسبح في أفق مما يردده الدعاة الاسلاميون الجهلاء، وفي أفق الخطاب الذي يرى أن المرأة أساس الفساد الأخلاقي، فيخرج علينا الدعاة كل يوم بتحقير المرأة التي ترتدي ما يعجبها، أو التي تعمل، وينادون بإلزامها البيت، لكي لا تثير غرائز الرجال. هكذا، بدلا من تربية الرجل الحيوان الذي لا يستطيع التحكم في غرائزه فإن علينا أن نقتل ما يثير غرائزه، أي المرأة! ونلزمها اعتزال الحياة، والقعود في البيت، والكف عن العمل وعن النشاط الاجتماعي، أي أن نقوم بتحويلها إلى قط أو ببغاء في قفص بلا عقل ولا تجربة ولاشعور ولاعلم. ومن الطبيعي في ظل تلك النظرة أن يعلق أحدهم في فيس بوك على قتل مريم بقوله:" لو أن هذه الأخت لم تكن تعمل، وكانت قعدت في بيتها معززة مكرمة كان ممكن جدا ألا يحدث لها ذلك". في ظل هذا الخطاب المنحط، الذي يوجه الاتهام للمرأة منذ اللحظة الأولى، يكون من السهل على كل مجرم أن يعتدي على المرأة، أو يتحرش بفتاة، أو يهاجمها، لأن هناك منذ البداية تبريرا نظريا قائما في ذهنه واستعدادا نفسيا يهيئه للعدوان. يأتي قتل مريم مقترنا بحوادث أخرى في التوقيت ذاته، فقد قام في الاسماعيلية أربعة رجال بينهم مسجل خطر بالهجوم على رجل وزوجته في مقابر الاسماعيلية، شل ثلاثة منهم حركة الرجل، وقام الرابع باغتصاب الزوجة تحت تهديد السلاح الأبيض. وفي كل تلك ا لجرائم تكمن الاستهانة بالمرأة، والتحقير الضمني لها، ولقيمتها، ويعود ذلك إلى أسباب كثيرة من أهمها أن التعليم لا يلقن الطفل منذ الدرس الأول أن المرأة شجرة الحياة، وأنها الأم والأخت والزوجة والصديقة والزميلة، وطالما طالبت بأن يكون هناك كتيب خاص بهذا الموضوع في التعليم. هناك أسباب أخرى للنظرة التي تحقر المرأة، منها أن عمل المرأة المنزلي بلا سعر في سوق السلع، فهي تطبخ وتكنس وتتولى كل شئون البيت، وتلك كلها جهود ومشقة بلا سعر في مجتمعات رأسمالية لكل شيء فيها سعر. والمؤكد أن الفقر والسرقة والتحرش بالمرأة ظواهر مازالت بادية في مجتمعات كثيرة بما في ذلك المجتمعات الأوروبية، لكن البلدان العربية تأتي في المقدمة لتسجل تفوقها ولو في ذلك المجال. وحسب تقرير أعدته وكالة رويترز في عام 2010 فإن مصر تعد الأسواء من بين دول العالم في موضوع التحرش بالنساء، وحسب تقارير أخرى فإن نحو 99 بالمئة من المصريات تعرضن للتحرش بدرجة أو بأخرى. وشغل العراق المركز الثاني والسعودية المركز الثالث. في كل الأحوال نتمنى أن نصحو على يوم تمشي فيه الفتيات بحرية في الشوارع، آمنات، يذهبن إلى أعمالهن ويعدن إلى بيوتهن، ترافقهن الأحلام، وتبقى لنا منهن المحبة، وليس دماء مختلطة برمال على الإسفلت. 

د. أحمد الخميسي قاص وكاتب صحفي مصري

 

آراء