فــلتبدأ السياســــة !!

 


 

 

أضحى الإنقلاب مكشوفا بعد أن سقط رداء الشبح المدني الذي توهموا أنه سيستر عورة جريمتهم، في اعتقادي أنّ العسكر سيسعون إلى تسويات، والتسويات ليست مرفوضة من حيث المبدأ، ولكن الموقف منها ينبني على الناحية الفنية والشكلية، إذن فأي تسوية تستبعد مكوناً أو فصيلاً سياسيا سيكون مصيرها الفشل المحتوم.
لطالما ذكرت أنّ المساومة التاريخية الوحيدة القادرة ليس فقط على تخفيف الأضرار بل على اجتراح مسار سياسي جديد كلياً عما اعتدنا على المضي فيه إبان كل انتقالاتنا هي ميثاق وطني عريض وجامع لا يستثني أحداً، يحدد بوضوح طبيعة المؤسسة العسكرية ودورها وعلاقتها ببقية هياكل الدولة، ويبعدها وفقا لذلك من المشهد السياسي مرة وإلى الأبد وبضمانات واضحة، يفوض حكومة تسيير مهام لمدة تكفي للإعداد للإنتخابات ولا تتجاوز الفترة المعلن عنها بأي حال من الأحوال، يستكمل هياكل ما تبقى من الفترة الإنتقالية ويقود إلى مؤتمر دستوري جامع يؤسس لدستور دائم يساهم فيه كل السودانيون.
هذه هي المساومة التاريخية التي أرى فيها الخلاص، ولا أعتقد أنها حدثت في تاريخنا القريب ولا البعيد، ولا أرى مخرجا إلا عبرها، وعلى كل حال فهذه الهوة الكبيرة بين مكونات شعبنا لن تُرْدَم، وهذا الشرخ الكبير في جدار وحدتنا المتصدع لن يترمم إلا عبر الفعل السياسي، ذلك الفعل الذي لا يتعالى على مطالب الشارع ولا يتغافل عنها ليُحاصِصَ أو يحافظ على امتيازات بعض فرقائه ويتربص بآخرين أياً كانوا، بل هو فعل تدفعه إرادة تدارك وإصلاح وطنية يستصحب تلك المطالب ليجعل من مستحيلها ممكننا، وما لا يدرك جله لا يترك كله، شريطة أن يتغير المشهد بحيث يصبح هذا الإطار الذي يحكم فعلنا السياسي وشأننا العام منذ الإستقلال آخر صفحة تتجلى فيها تركة المستعمر بشكلها النهائي ثم تنطوي وإلى الأبد. الخلاصةأي تسوية تستثني فصيلا سياسياً أيّاً كان وتقفز على تحديد موقع المؤسسة العسكرية من الدولة وعلاقتها بالسياسة ومن ثم النظر بجدية في ضع الدعم السريع والحركات المسلحة الغير طبيعي بذريعة أنّ الأمر أكبر من أن تديره سلطة غير مفوضة دستوريا عبر الصناديق لا يُعَوّل عليها، أي أنّ الأمر لا يعدو كونه تأجيلا آخرا لهذه المعركة، بحيث أنّ اجترار سيناريو الخامس والعشرين من أكتوبر بل وما هو أنكى وأمَر سيكون محتوما مهما تأخر.
كلي إيمان بأنّ ثمّة بذرة حكمة في الميم الثقافي للسودانيين تعصمهم مهما فجروا في خصوماتهم وتباينت مصالحهم ورؤاهم من تصفير عداد الشقاق والإنزلاق إلى أتون الحريق الكبير عبر تاريخهم، أزعم بأن عناية الله تلاحظ هذه البلاد وستقودها إلى الوفاق عبر سلاسل الإمتحان بعد أن أبت لطائف الإحسان بسبب حظوظ النفوس المعتلة، وأتذكر هنا أبيات البحتري:
إذا احتَرَبتْ يَوْماً فَفَاضَتْ دِماؤها
تَذَكّـرَتِ القُرْبَـى فَفَاضَتْ دُمُوعُــها
شَوَاجِــرُ أرْمَـــاحٍ تُقَطِّـــعُ بَيْنَهُـــمْ
شَوَاجِــرَ أرْحَــامٍ مَلُــومٍ قُطُوعُــهَا
فإلى كل الأجسام السياسية من أقصى يمينها إلى أقصى يسارها، وإلى المجتمع المدني، والقيادات الأهلية، والزعامات الدينية، وسيما الأحزاب .. لا وقت للوجوم ولا الترقب ولا التلجلج، ولا الخوف .. نبقى حزمة كفانا المهازل الآن فقط من أجل هذا الوطن، فلتبدأ السياسة من هذه اللحظة ولينتهي الشقاق الآن(وشكلتكم في محله) لمحلها في قنواتها الدستورية المعلومة، فليس المطلوب أن تتنازلوا عن برامجكم السياسية ومذهبياتكم الفكرية، فقط أرجئوها لحينها.

هبط الدولار و لم تهبط الأسعار ..
زيادات الاسعار وصلت قبل اسابيع في السودان مستوي الزيادات الحدية، بمعني انها لا يمكن أن تزيد بعد هذا لأن ما من احد سيدفع مقابلها .. الوصول إلى هذه النسبة الحدية ليس سببه (انهيار العملة و لا الحرب الروسية) انما فوضي السياسات الاقتصادية و التخبط الاداري و انعدام التنظيم ..
هبط الدولار و لم تهبط الأسعار.. و هبط النفط بسبب اغلاقات كورونا في مدينة /دولة شنغهاي الصينية (٢٥ مليون نسمة يسكنون شنغهاي و هي اكبر مركز صناعي في الصين) ، و هبط كذلك بفعل الافراج عن اضخم حصة من احتياطات الدول المستهلكة في العالم . توجيه صادرات النفط الروسي الي اسيا (الصين و الهند) خلق فجوة لبعض الوقت و ارتفاع في الاسعار في السوق العالمية، لكن سرعان ما اتجهت صادرات الدول الأخري من اسيا لتسد الفجوة (فالسوق الصينية و الهندية لديها سعة لن تتجاوزها).
فبدأ النفط رحلة الانخفاض و التوازن عالمياً .. توجيه صادرات النفط الروسي إلى اسيا (الصين و الهند) خلق فجوة لبعض الوقت و ارتفاع في الأسعار في السوق العالمية، لكن سرعان ما اتجهت صادرات الدول الأخري من اسيا لتسد الفجوة (فالسوق الصينية و الهندية لديها سعة لن تتجاوزها) . مع ذلك لم ينخفض سعر الوقود في السودان و لم تنخفض قيم تكلفة النقل و المواصلات (تذاكر النقل الجوي و البري و تعرفة التنقل الداخلي) و التي وصلت قمم غير مسبوقة تعتصم بها الآن؟
الاسواق التي تعمل بمنطق (السوق) أو (الاسواق الديمقراطية) لديها القدرة علي امتصاص الزيادات و العودة إلى التوازن بسرعة،لكن الاسواق التي كأسواقنا التي تعتمد علي منطق النفوذ السياسي و الأمني في ظل انعدام المنافسة هي اسواق لا تركن لمنطق .. منطقها الوحيد هو قدرتها علي تحقيق ارباح و تعويض خسائرها مستفيدة من انعدام المنافسة، وعبر الامتصاص من المال العام دون رقيب .. و متي ما جف ضرع المال العام ستتأكل هي لتخلق ازمة من نوع جديد، أو متي ما وضع رقيب علي المال العام ستجف اغلب رساميل سوق النفوذ و تخرج عن المنافسة .
الأزمة الروسية لم تسبب في تضخم الا بقدر لم يبلغ ٩% حتي في بعض الاسواق القريبة (مصر)، لكن في السودان يضرب التضخم في العالي لعدة سنوات و حتي قبل الازمة العالمية (٤٠٠%) ؟؟؟ ولذلك فمن الطبيعي أن يكون المشهد هو أن من يريد أن يتسوق يحمل المصاريف في( كيس بدلا عن جيبه ) ثم يرجع عائداحاملا الأغراض المشترأة داخل جيبه !!.
mido34067@gmail.com
///////////////////////

 

آراء