في الرد على السفير الأزرق

 


 

 

في الرد على السفير الأزرق على ما جاء في مقاله عني بعنوان "غسيل الحال وتبدل المقال.." .. بقلم: حسن عابدين: سفير سابق

سعادة السفير : تحيات طيبات ترجاني بعض أصدقائي الاقربين وزوجي وأبنائي الا أرد على ما قلته عني فغالبت النفس اللوامة وزجرتها ولكن غلبني ابو الطيب المتنبئ القائل :
من يهـن يسهل الهـوان عليه
مـــا لجـرح بميت ايــــلام
إلاّ أنني امتثالاً لرجاء هؤلاء قصرت تعقيبي على تصحيح الحقائق عني فقط على غير ما رويتها أنت فربما لم تك تعلمها..وسوف اتجاوز ما لحق بي من هوان واستهوان.
سعادة السفير :جاء في كتاب أبو حيان التوحيدي :" الامتاع والمؤانسة " الدعاء : اللهم إني أعوذ بك من سلطان جائر ونديم فاجر وصديق غادر وغريم ماكر...وأحمد لك سعادة السفير الازرق تحيتك لي في مستهل مقالك وثناءك على شخصي البسيط وإن كان مدحاً بما يشبه الذم.
إنني عاتب عليك أشد العتب إذ رميتني افتراءاً ببعض الاتهامات الجائرة ولكني أحسنت الظن بك إذ عهدتك كاتباً مدققاً وشاعراً مرموقاً تعوزه فقط المعلومات الصحيحة والالمام بالمعلومة العامة عن سيرتي "المايوية" سادناً ومشاركاً في سراء مايو وضرائها ثم ناقداً وخارجاً عليها ومنها وهي في الثلث الاخير من عمرها.. ولك ان شئت ورغبت في الوقوف على رأي وموقفي منها ومآخذي عليها أن تقرأ ذلك في كتابي الصادر عام 2013 بعنوان :"حياة في السياسة والديبلوماسية.." ولا ازيد في هذا حول ما جاء في حديثك عن "سدانتي" وعنها إلا وصفك لها بنظام الزنازين والاعتقالات والقتل والاعدامات وانتهاكات حقوق الانسان ولست مدافعاً هنا اليوم عن "مايو" وإنما اذكرك بالمأثور وهو "رمتني بدائها وانسلت.. وقول الفرنجة لا يجوز لمن يسكن في بيت من زجاج أن يقذف الآخرين بالحجارة!"
ثانياً: قلت ياسعادة السفير عن تعييني سفيراً بالخارجية عام 1990 وهذه كلماتك :"أما تستحي من هؤلاء القادة (قادة ثورة الانقاذ) وقد استصرختهم والهاً فضموك الى صفوفهم وقدموك على شيعتهم وبوؤك المناصب العليا وفيهم من هو مثلك تأهيلاً وتجربة..."!! وزدت ياسعادة السفير إن هؤلاء القادة "أكرموك فنقضت بيعتك إياهم بعد التقاعد..." والحقيقة يا سعادتو والسؤال من قال لك إنني سعيت "للانقاذ" واستصرختها لتعينني سفيراً ؟ أعلم بان الانقاذ هي التي سعت اليَّ في عريني الاكاديمي – جامعة الخرطوم – وطلبت من مدير الجامعة آنذاك البروفسور مدثر التنقاري أن يوافق على ندبي للعمل بوزارة الخارجية فالفوا موافقته بخطاب بتوقيعه قال فيه أن جامعة الخرطوم لتفخر بان أحد أبنائها الاساتذة يكلف بمثل هذه المهمة الوطنية..أمد الله في عمر الصديق مدثر وهو حي يرزق يشهد على ما أقول. ولتعلم ياسعادة السفير الازرق أنه سبقت هذه الموافقة موافقتي أنا على قبول "العرض" بالمنصب الديبلوماسي الرفيع إذ استدعاني الى مكتبه العميد عثمان حسن عضو مجلس قيادة الثورة ورئيس ما عرف باللجنة السياسية وقال بالحرف الواحد.. "لقد قرر مجلس قيادة الثورة (يا دكتور) دعم وزارة الخارجية بعدد من الشخصيات الوطنية من أهل الكفاءة والتجربة فوقع الاختيار عليك ضمن آخرين..." ولن اثقل على القارئ بالمزيد من التفاصيل عن ذلك اللقاء ولك إن رغبت ولغيرك إن رغب قراءة او إعادة قراءة كتابي المذكور أعلاه صفحة 143. إذن مَنْ استصرخ من والهاً ؟؟
ثالثاً: زعمت سعادة السفير أن قبولي تبوء المنصب كان مبايعة للانقاذ فكيف انقض البيعة بانتقاد النظام بعد تقاعدي ؟ ولتعلم إنها لم تك بيعة على المنشط والمكره كبيعتكم أنتم أبناء الحركة الاسلامية وكوادرها السياسية والديبلوماسية والمؤلفة قلوبهم بين صفوفكم؟ في سياق سياسة التمكين والتأصيل .
رابعاً : احيلك الى عشرين صفحة بلغ عدد كلماتها 4.800 الف كلمة عن الديبلوماسية الرسالية "والديبلوماسيين الرساليين" الذين قلت انني انتقصت من مؤهلاتهم وخبراتهم . ومرة اخرى اقرأ ما يلي وهو ما جاء عنهم في كتابي المذكور وفي صفحة 177 وبعنوان الديبلوماسية الرسالية ومنها ما قتل.
"الديبلوماسية الرسالية ديبلوماسية موازية خفية تتعايش وتتصالح ما تيسر لها ذلك مع الديبلوماسية الوضعية ولكنها تتقاطع وتتعارض معها احياناً كثيرة....ولكن لا نظلمن أحدا من هؤلاء الديبلوماسيين الرساليين من حيث التأهيل العلمي والخبرة والدربة كل في مجال تخصصه فقد كانوا كلهم من خريجي الجامعات وبعضهم من حملة درجات الماجستير والدكتوراة..ولا يؤخذ عليهم أنهم انتدبوا للسلك الديبلوماسي من خارجه فقد سبقهم اليه (ومن زمان) المعينون سياسياً خلال الستين عاماً من عمر الديبلوماسية السودانية..." فما هو الانتقاص؟ وأين هو من سيرة هؤلاء ؟ . ولكني قلت وأكرر الآن إن ما فعلته "الانقاذ" ان اوغلت في التمكين والتأصيل على حساب عشرات من الديبلوماسيين والمئات من المهنيين وموظفي الخدمة المدنية الذين أعفوا من مناصبهم غيلة وغدرا وشردوا ... اليس هذا صحيحاً يا سعادة السفير ؟
وخامساً : عفواً ايها القارئ الكريم والقارئة الكريمة كاد سعادة السفير الازرق يستدرجني للحديث عن نفسي وأعوذ بالله من " الانا " ومن شراك الذاتية وقد قال سيدنا علي رضي الله عنه "...أكثر الناس كذباً من يكثر الحديث عن نفسه " .. قلت جاء انتقادي لمايو والانقاذ بعد تقاعدي وبعد ان خبا بريق الدولار ولكن ربما لا تعلم يا سعادة السفير عن ما كتبته وقلته عن مايو في الفاتح من سبتمبر عام 1980 وكنت يومها من كوادرها السياسية العاملة أميناً للشئون الخارجية مقالاً في صحيفة التنظيم "الصحافة" بعنوان "ثورة داخل الثورة" اثارت عليَّ غضبة عارمة من الرئيس نميري رحمة الله عليه حتى وصفني في لقائه التلفازي الشهير بأنني ثورة مضادة.. فغضبت ودفعت اليه باستقالتي وعدت الى عريني الاكاديمي جامعة الخرطوم قائلاً لنفسي "العرجاء لمراحها" ولحقت بصديقي الذي سبقني في الخروج على "مايو" الدكتور منصور خالد.
لن أدافع الآن عن "مايو" أمام اتهاماتك لها بفتح الزنازين وجز الرؤوس والاعدامات وانتهاكات حقوق الانسان وتشريد الموظفين ولكن أذكرك يا سعادة السفير بالمأثور العربي : "رمتني بدائها وانسلت" .. والافرنجي : "ومن يسكن في بيت من الزجاج لا يقذف الآخرين بالحجارة " .
وسادساً وأخيراً: قلت يا سعادة السفير عني بعد ذلك المدح الزائف والثناء من شاكلة أستاذي وأخي الاكبر والوكيل الموقـر.. قلت إنني " ذيال ميال يأكل الخضرة وينسى العشرة..."! وهذه كلماتك التي تذكرني بقول الشاعر:

من العــداوة ما ينالك نفعه
ومن الصداقة ما يضر ويؤلـم
نعم أكلتُ الخضرة لكنها خضرة الوطن الذي خدمته سفيراً لا خضرة حزب أو جبهة وكنت وفياً للعشرة ..عشرة الوطن لا عشرة بيعة حزب او طائفة.. إذن لم تعيرني يا سعادة السفير أنني لم أرسل سهام النقد الا بعد أن تقاعدت وخبأ بريق المناصب "وحفيف الاخضر الابراهيمي" : تعني الدولار ؟ والشئ بالشئ يذكر فقد ساق ذات الاتهام الباطل في حقي مؤخراً ديبلوماسي رسالي غرير رماني كما انت بغسل يدي من الديبلوماسية عندما توقف رنين الدنانير !! قال المتنبئ واستجير به :

فصرت إذا اصابتني سهام
تكسرت النصال على النصال
وقال ايضاً:
فابلــغ حاسدي عليك
كبا بـرقٌ يحاول بي لحاقاً
وسؤالي لك وله : ما الذي يمنع موظفاً أو ديبلوماسياً تقاعد من الخدمة العامة بعد بلوغه سن المعاش لا مفصولاً ولا مظلوماً ولا حاقداً أو جاحداً أو محروماً..وهاأنذا ذلك الرجل تقاعدت قبل أكثر من عشر سنوات...فما الذي يمنعني أو يشين سيرتي صرت ناقداً ناقماً طليق الحرية والقلم؟
وختاماً سعادة السفير كتمت غيظي إرضاءاً لغر ميامين من الأصدقاء والأحباب فألجمت قلمي وكبحت جماحه ليعفو ويعف عن المساس بشخصكم وبسيرتكم التي لا أعلم عنها الا القليل بالرغم مما لحق بي وبأبنائي من هوان وتجريح وبهتان وإفك. والله المستعان فهو عفو كريم يحب العفو عني وعنك.
حســن عـابديـــن – ســفير ســابق
hasabdin1939@gmail.com

 

آراء