قراءة في دفاتر قمة نيويورك -1- … بقلم: عادل الباز

 


 

عادل الباز
26 September, 2010

 


أوباما.. لمن تُقرع الأجراس؟
بحضور أوباما قمة الأمم المتحدة الخاصة بمناقشة قضية الاستفتاء بالسودان وإلقائه خطاباً استغرق أكثر من ربع ساعة، تكون الولايات المتحدة قد وضعت السودان على رأس الأجندة العالمية منذ الآن، وإلى العام 2011. خطاب أوباما لم يحتوي على مفاجأة جديدة، فالتسريبات الصحفية التي سبقت الخطاب كشفت مضمونه بالكامل، ولذا بدا الخطاب ترديداً لمواقف ومقولات سبق أن أعلنت عنها الولايات المتحدة عبر وزارة خارجيتها، أو عبر ممثلتها في الأمم المتحدة سوزان رايس. ولذا سأسعى لتقصّي بعض الإشارات المهمة التي وردت في ثنايا الخطاب، رغم أنها ليست جديدة، ولكن مجرّد التأكيد عليها من أوباما شخصياً، فهي تعني ما تعنيه من دلالات مهمة.
(إن مصير ملايين الأشخاص على المحك، وما سيجري في السودان خلال الأيام المقبلة، قد يقرّر ما إذا كان هؤلاء الناس الذين عانوا من الحروب سيتقدمون مجدداً نحو السلام، أو سيغرقون في حمّام دم). هذه الإشارة القوية لابد أنها صدمت العالم، وقرعت الأجراس في أرجاء المعمورة، إذ أن هناك حمّام دم مرتقب في مكان ما من العالم؛ هو السودان. هذه لحظة فارقة وخاصة للإعلام العالمي التي سيتعبأ بهذه العبارات، وتنفتح شهيته أكثر للوقوف قريباً من شواطئ حمام الدم الذي توقعه أوباما. إذا ما ربطنا هذه التصريحات بأخرى سابقة لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون التي حين قالت إن السودان قنبلة مؤقوتة، وأضفنا تخوفات الصحافة الأمريكية من أن التصويت في الاستفتاء إذا جرى بطريقة فوضوية سيؤدي الى مأساة أخرى تُضاف لمأساة دارفور، فإن ذلك يعطينا صورة لدرجة الرعب التي تنتاب أمريكا من تداعيات نتيجة الاستفتاء.
الإشارة الثانية هي إظهار استعداد الولايات المتحدة للنظر في بعض الإجراءات لتطبيع العلاقة مع حكومة السودان، ولرفع القيود تدريجياً عن بعض المواد المحظورة. هذه الإشارة لا جديد فيها سوى أنه جرى تأكيدها من قبل رئيس الولايات المتحدة؛ وهي إشارة موجبة على كل حال، ترافقت معها إشارة أخرى موجبة تتعلق بنجاح الولايات المتحدة في طي ملف الخلاف مع تشاد، ملحقة بنوع من الرضا على غرايشن الذي انتاشه سهام صقور الإدارة الأمريكية أكثر من مرة، لتعامله الناعم مع حكومة السودان أو كما قالوا. ولكن للأسف هذه الإشارة الإيجابية الوحيدة في الخطاب المتعلقة بالعقوبات نُُسفت تماماً في فقرة لاحقة حين قال أوباما: (إن تحقيق العدالة في دارفور هو الشرط الأساسي للتطبيع الكامل مع السودان). تشير هذه الفقرة بوضوح لضرورة التعاون مع الجنائية؛ وهو الموقف الذي تعترض عليه الحكومة السودانية بشكل صارم لايقبل المساومة. ولذا فإن الحوافز المتوقعة أو الجزرة التي تنتظر السودان حال التزامه بإجراء الاستفتاء في موعده، ذهبت أدراج الرياح.
إذن لا حوافز للسودان بيد أمريكا، بل العكس هنالك وعيد، وذلك حين دعا أوباما لاحترام نتائج الاستفتاء، وتجنب حدوث أي انتهاكات لحقوق الإنسان، قائلاً: (ليس في مقدور أحد فرض شيء على أحد بشكل قسري). من المؤكد أن هذه العبارات رسالة موجهة لحكومة الشمال، وتستبطن رسالة تحذير لمن يعنيهم الأمر!!. هناك عبارة غابت أو غُيّبت عن خطاب أوباما؛ وهي الإصرار الذي كانت تبديه الولايات المتحدة حول ضرورة إجراء استفتاء (حر ونزيه). تجاوُز أوباما لهذه العبارة المهمة جاء بعد دعوة سلفا كير للمجتمع الدولي بالامتناع عن فرض المعايير الدولية المتعلقة بالنزاهة في استفتاء الجنوب؛ ولهذا إغفال الخطاب لهذه العبارة يثير تساؤلات شتّى، ويظهر أن الولايات المتحدة على استعداد لأن تقبل نتيجة الاستفتاء على علاتها!!.
حديث أوباما بدا لي في اتجاه معاكس لتصرّفاته؛ خلال زيارة النائب الأول سلفاكير والنائب علي عثمان. رفض أوباما رغم مناشدات وضغوط ثلاثين عضواً مهماً في الكونغرس تخصيص لقاء منفرد مع سلفاكير؛ وهذه إشارة مهمة تشي بأن الإدارة الأمريكية تعامل شريكي الحكم دون انحياز لطرف، والإشارة الأخرى ذكر اسم طه في الخطاب القصير ثلاث مرات، ثم تبع ذلك ذهاب أوباما إلى حيث مقعد الأستاذ علي عثمان وسلفاكير وبدأ بمصافحة الأستاذ علي عثمان متجاوزاً البروتكول الذي يقضي بمصافحة النائب الأول سلفاكير في البداية. هذه الروح المتسامحة مع ممثل الشمال الأستاذ علي عثمان لم يعكسها الخطاب، الذي اتّسم بنوع من القسوة تجاه الشمال.
غداً إن شاء الله قراءة في خطاب الأستاذ علي عثمان.
 

 

آراء