قرار مجلس الامن رقم 2265 وموت الدكتور الترابي
رئيس التحرير: طارق الجزولي
20 March, 2016
20 March, 2016
في الفترة التي سبقت وفاة الدكتور الترابي بأيام معدودات ، صدر قرار في غاية الأهمية والخطورة عن مجلس الأمن بشأن الوضع في دارفور بوجه خاص والسودان بوجه عام ، غير أن فجائية موت زعيم ومؤسس حركة الاسلام السياسي الحديثة الحاكمة في السودان ، شغلت الرأي العام ومواقع التواصل الاجتماعي ، فاستثمر الإعلام الرسمي الحدث وساخ في صمت رهيب وكأن القرار لا يعنيه من قريب أو بعيد .
لعل يوم العاشرمن فبراير 2016 يعد من الأيام المحورية الهامة في قراءة حاضر ومستقبل حكم الإنقاذ ، وربما السودان الذي عرفناه ، فهو اليوم الذي أعتمد فيه مجلس الأمن بالاجماع تحت الفصل السابع القرار رقم 2295 بشان الوضع في السودان ، وما أدراك ما الفصل السابع ، فهو الفصل الذي يتيح حق التدخل العسكري المباشر ، ولازالت مناورات مستشار الشؤون الخارجية السيد كولن باول أمام مجلس الأمن بشأن تحريك آلة الحرب ضد العراق بتردد صداها في الآذان ، وما انتهى إليه حال العراق معلوم بالضرورة ، بالطبع ليست الغاية الربط بين القرار والعلة التي عجلت برحيل زعيم الاسلام السياسي ، فتلك أقدار الله علينا جميعا ، إلا أن ذلك لا ينفي كثافة وقع خبر القرار الأممي وثقله على أسماع صناع القرار في البلاد ، صحيح ربما كان القرار إلى حد ما يساعد في الاتجاه الذي كان يدفع إليه المرحوم ، أي تنفيذ توصيات مؤتمر الحوار بدون ( دغمسة ) ، غير أن القرار تضمن بنود أخرى يفهم منها عدم تعويل المجتمع الدولي على فكرة الحوار الداخلي كيفما كانت نتائجه إيجابية ، بذريعة نكوص قوي أخرى حية عنه .
لقد رشحت أخبار إثر وفاة زعيم المؤتمر الشعبي ، أن فكرة الحوار الداخلي كانت من ابداعاته ، ظل وحزبه يدفعان عنها بعيدا عن الآلية الأفريقية رفيعة المستوى ، الجهة المفوضة من قبل القوى الدولية لايجاد تسوية لمشكلة السودان ، برئاسة السيد ثابو امبيكي الرئيس السابق لجنوب أفريقيا ، و قد عقدت فيما مضى ما يتجاوز العشرة دورات بين الفرقاء دون أن تبلغ شأوا نحو مشارف الحل .
نصت المادة الخامسة قي القرار 2265 بأن المجلس يؤيد كل المساعي والأعمال التي تقوم بها اليوناميد والآلية الأفريقية الرفيعة ومبعوث الأمم المتحدة ، هذا النص يتطلب قدرا عاليا من الانتباه إليه ، فهو بمثابة موافقة مسبقة من مجلس الأمن على الأعمال التي تقوم بها آليات ثلاث : اليوناميد ، الآلية الأفريقية ، المندوب الاممي ، وفي البال المهام التي بامكان هذه القوى ثلاثية الأبعاد القيام بها ، قطعا إن مجرد وجود قوات دولية داخل البلاد فيه انتقاص لسيادة الحاكم الوطني ، حتى ولو بقيت على محور مهامها السابقة المتمثلة فقط في حماية المدنيين ومناشط الغوث الإنساني ، ولكن هل سيبقى الأمر كما هو بعد هذا القرار ؟ ألا يمكن أن تشكل هذه القوة تحت أحسن الفروض قيدا على حركة المطلوبين لدي محكمة الجنايات الدولية داخل السودان نفسه ولو من باب الحيطة ؟ وماذا أذاما أوكلت إليها مهام يزيد من سلطاتها وقوتها المسلحة ؟ لعل التصريحات التي نقلت على لسان الدكتور نافع في الأيام القليلة الماضية ، كانت تستبطن احتمالا كهذا ، وهو احتمال أجد ما يبرره في نص المادة السابعة المقيدة لسلطات الدولة فهي تلزم الحكومة الحصول على إذن مسبق من لجنة الخبراء الأممية المفوضة ، حال عزمها على تحريك أي من ألياتها العسكرية إلى دارفور أو داخلها ، والجدير بالانتباه إليه هنا أن هذه اللجنة ممدت صلاحياتها حتى مارس 2017 .
هذا النص لا يفهم منه إفشال خطط الحكومة المعلنة عن صيفها الحار فقط ، بل يجعل لهذه القوات الأممية المقيمة في الداخل ، دورا جديدا يمكن ان تؤديه حال تفويضها ، ذلك إذا لم تلتزم الحكومة بقيد الأذن الوارد في نص المادة السابعة ، إذن لجنة الخبراء الأممية أضحت صاحبة السلطة العسكرية العليا على سائر الإقليم ، بحيث تعجز القوات الحكومية التحرك من مواقعها حتى داخل ولايات دارفور دون الحصول على الإذن المسبق المشار إليه ، لا من قيادتها وحكومتها الوطنية بل من لجنة الخبراء!!!!. القوات الدولية تجوس في بلادنا بحجة حماية المدنيين ، مع ذلك وقعت أحداث زهقت خلالها أرواح وأحرقت قرى وهدمت مساكن واغتصبت نساء وازدادت حركة النزوح ، بل لم تنجح القوات الأممية حتى في توفير الحماية لمنسوبيها ، والحال كذلك ـ كان من الطبيعي أن ينتقل مجلس الأمن بالتفويضات إلى الفصل السابع ، ليصبح استمرار التلاعب بأرواح المدنيين وأرواح جنود القوة الدولية ، إذنا مباشرا للانتقال من خانة الدفاع إلى خانة الهجوم باستخدام القوة العسكرية ، لقد ظلت الحكومة السودانية تمارس سياسة اللعب على الحبال ، غايتها إهدار الزمن ، فإهدار الوقت وتعطيل اقتناص الفرص الإيجابية هو ديدنها الذي عودتنا عليه منذ أن أطل علينا التدخل الدولي بقرنه في الشأن السوداني ، وليتها توقفت عند هذا الحد ، بل كثيرا ما استفزها تصرفات أو حتى مجرد آراء المقاومين لنظامها ، فمارست ضدهم قدرا يتجاوز مقادير العنف المبرر ، ويتعداه بما يفرزه من كوارث إنسانية تلفت انتباه العالم .
لقد صدر القرار الآن ، ولات منفذ أو مخرج أمام صناع القرار سوى احتضان المساعي التي تقوم بها اللآلية الأفريقية ، لقد رشحت الأخبار باحراز رئيس الآلية الأفريقة تقدما عند لقائة الأخير بالسيد رئيس الجمهورية ، ولعل انطلاق المؤتمر الذي اسمته بالمؤتمر التشاوري بأديس ابابا اليوم ، يعطي فسحة من الأمل تحت ظلال سيف القرار الأممي الأخير ، وسواء أكان المسمى تحضيري أو تشاوري فليس ذاك بالأمر الهام ، بل الأهم أن يبدي الفرقاء جديتهم وحرصهم في بلوغ تسوية تأمن البلاد مغبة ما ينتظرها حال بقاء الحال على ما عليه .
ترى هل تعي الحكومة مطلوبات المرحلة أم تظل على قديمها حتى تتنفس الخرطوم غبار قنابل الطائرات الدولية ؟
أم ترى يهتبل الشعب السوداني وقواه المانعة بوعيهم الفرصة ، فينهوا ما ينتظرهم و بلادهم من مصير مظلم ؟.
...............
القرار الأخير بشأن السودان رقم 2265 مكون من 27 مادة المواد المهمة منها هي:
المقدمة وتقول إن الأوضاع في السودان تتواصل في تهديد الأمن والسلام العالمي، مما يتطلب إصدار القرار تحت الفصل السابع الذي يتيح التدخل العسكري بشكل من الأشكال.. المادة الأولى تقرر تمديد فترة عمل لجنة الخبراء للمراقبة والتفتيش حتى 17 مارس 2017م.. المادة الثالثة تطالب اللجنة بالتبليغ عن أي عدم تعاون معها من جانب حكومة السودان، والمادة الخامسة تؤيد كل المساعي والأعمال التي تقوم بها اليوناميد، والآلية العليا الأفريقية، ومندوب الأمم المتحدة.. المادة السادسة تعبر عن قلق مجلس الأمن من تدفق السلاح الحكومي الى دارفور والمساعدات الخارجية التي تتلقاها الحكومة من طائرات وقطع غيار وأسلحة خفيفة وتدريب، وتدعو الدول لعدم تقديم مثل هذا الدعم.. المادة السابعة تنادي بأن يلتزم السودان حسب القرار 1591 لعام 2005 بأخذ إذن مسبق من اللجنة فيما يتعلق بتحريك الآليات العسكرية والسلاح الى دارفور وداخلها.. المادة الثامنة تطالب حكومة السودان بمنع تداول الأسلحة الخفيفة بين المواطنين مع ملاحظة الخرق المتواصل للقرار 1591 من جانب الحكومة بما في ذلك قوات الدعم السريع والمجموعات الأخرى المسلحة الموالية للحكومة.. الخرق المتعلق بأخذ الإذن المسبق من لجنة المراقبة.. المادة العاشرة تدعو الدول الأخرى لعدم تقديم أي دعم عسكري للسودان.. المادة الحادية عشرة تعبر عن قلق المجلس من عدم التزام الدول الأعضاء بالقرارات الخاصة بحظر السفر وتجميد الأرصدة لبعض الشخصيات والمؤسسات السودانية.. المادة الخامسة عشرة تأسف لقيام بعض الشخصيات والمجموعات المسلحة الموالية للحكومة بقتل وترويع المدنيين، وتعرقل احلال السلام، ويقرر المجلس في هذا الشأن فرض وتنفيذ عقوبات موجهة لبعض الأفراد والهيئات الحكومية.. المادة (16) تندد بالهجمات على اليوناميد وعدم تعاون الحكومة في كشفها.. المادة (20) تطالب الحكومة بعدم تعويق حركة اللجنة في أي منطقة تطلب الذهاب اليها.. المادة (21) تحمل الحكومة المسؤولية الكاملة لحماية المدنيين والنازحين بما في ذلك النازحين من جبل مرة مؤخراً.
كانت تلك أهم مواد القرار 2265 في مجملها، وخاصة الديباجة المصاحبة للقرار تحمل حكومة السودان كل المسؤولية لحماية كل المواطنين في دارفور وباقي السودان.
إزاء هذا التطور الخطير لا مناص من تقوية الجبهة الداخلية في مواجهة أي احتمال تدخل خارجي، وتفادي ضياع السودان بأن تأخذ الحكومة بنود القرار 2265 مأخذ الجد، وعدم الالتفاف حولها والرد عليها بالآتي:
أولاً: مواصلة الحوار الوطني وتأكيد الالتزام بمخرجاته مهما كانت، وعدم انهاء الحوار دون انخراط المعارضة الخارجية المدنية والمسلحة، والاستعانة بدول خارجية لاقناع المعارضة.
ثانياً: مصالحة المواطنين ورفع معاناتهم اليومية بتنفيذ توصيات الحوار المجتمعي.
ثالثاً: إعادة هيكلة السودان في أقاليم كبرى، وإصدار قرار عاجل بذلك وهذا وحده سيكون دافعاً للمعارضة الخارجية للانخراط في الحوار.
رابعاً: مواصلة التعاون مع لجنة امبيكي والاتحاد الأفريقي لحل مشكلة السودان وفق القرار 2046 والقرار الأفريقي 539، وقبول الاجتماع التحضيري في أديس في منتصف مارس القادم.
خامساً: التعاون والالتزام مع كل دول الخليج العربي وعدم التردد بالوقوف في المنطقة الرمادية.
سادساً: مواصلة الحوار لتطبيع العلاقات مع أمريكا وأوروبا في منحى مختلف وفقاً للمصالح المشتركة فقط.
سابعاً: دعم الجنوب بتقريب وجهات نظر الفرقاء وبداية حوار جاد بعد السلام في الجنوب لإعادة الوحدة مع خلق علاقة متميزة مع دول الجوار في الشمال والشرق- مصر واثيوبيا.
ثامناً: تكوين حكومة قومية من التكنقراط لإجراء انتخابات ووضع دستور دائم.
تاسعاً: رفع المعاناة عن المواطنين بطلب الدعم العاجل من الدول الشقيقة في الخليج في مجال توفير السلع الضرورية، وتأجيل المشاريع التنموية مثل السدود.
والله الموفق.