قيام تحية واحترام لام جمعة

 


 

 



أرجوك ماتسرح بخيالك وتفتكر ام جمعة عارضة أزياء او حتى مذيعة او فنانة جارية تلهث  ورا الدولار والشهرة والأضواء..انها سيدة بسيطة تاكل بالكاد وجبتين وتدخر الثالثة لليوم الأسود وما طعامها الا دفعت بها ظروفها ان تترك وراءها قريتها وعشيرتها في جبال النوبة والي الأبد  لتجد نفسها اما وابا في ان واحد بعد اختفى عنها زوجها هي وعيالها ولم تلت لها قناة او يلين لها عود بل تحزمت وتلزمت، وهذا لعمري ديدن نساء جبال النوبة، همة ونشاط وما دونكم الا مدينة امدرمان فسترون أسراب العاملات..

توكلت على الحي الذي لا تضيع ودائعه واكرمها ذاك الحي الرزاق بوظيفة بسيطة في سونا كعاملة تعتني بصالة التحرير نظافة ونظاما وترتيبا وتهتم بالمحررين وتتولى كيفهم الذي لا يتعدى عندها غير الشاي والقهوة المدنكلة والتي ترمي الضهبان بهبهانها وزنجبليها وتوزع ابتسامتها على ابناءها وبناتها من محررين..لله درك يا ام جمعة..تقوم ام جمعة بواجبها وهي راضية مرضية وان جلست اليها لا تسمع منها غير الكلمة الطيبة والرضاء بوظيفتها البسيطة والتي تساوي عندها نعم الدنيا كلها وكيف لا وبهذه الوظيفة ومالها الحلال أطعمت افواه عيال الا ان شبوا وكبروا وماتزال هي تشرف أركان سونا الأربعة تأتي قبل موظفيها وتقادرها بعدهم ولكن رغم ذلك فان قلبها وحنينها الى جبال النوبة بكمبلتها وأزياء الراقصين وقرون التيران والصراع دليل الرجولة والفروسية ودخنها وفتريتة العيش والدخن ولبن الضان وسمنها البلدي ومشكها والاخيرة دي من عندي وخلوها بيني وبينكم..انه الحنين..

ام جمعة أمة بذات نفسها..فهي امراة من نسوان السودان البسيطات لأتعرف حتى فك الخط لكنها  مازالت تحتفظ ببساطة المراة في السودان التي لم يعرف وجهها المساحيق ولا تغيير لون الوجه ولا كريمات عدي وشك وقدر حالك وظروف وبهرجة هذا الزمن التي مسخت طلاوة نساء وفتيات السودان.. هذه المراة مازالت تحتفظ بسحنتها الطيبة وتمتلك قلب مفتوح ضلفتين وعقل بسيط تبرمج على حب الخير وحب الناس والبساطة .. ان جلست لام جمعة كما فعلت عدة مرات عند زيارتي لسونا  فإنك كنت ستسعد بحكاويها وتستمتع بفناحين القهوة المرتبة وكبابي الشاي المنعنع.. وقد كنت أتعمد ان اجرجرها في الكلام لاسمع منها ذكريات تصلح لي كيفي وانعم ببساطتها فهذا النوع من الناس وحكيهم  هو ما يمكن ان اسميه بلغة اهل علم الاجتماع بالذاكرة الشعبية ولقد اضافت لي معارف جغرافية اجتماعية من الجبال  التي الرقعة من الارض الخضراء والتي اكتست بدماء الأبرياء من ابنائها لا لسبب الا لظلم اهل الديار ..وكم كنت اتوق الوصول اليها حيث اني لم ارى تلك الديار ولقد سمعت من ام جمعة وحكاياتها كيف تأخذ المدينة أعز مافينا نحن اهل الريف المتلهفين الي رفاهية العيش ومتعة الحياة والنغنغة الوهمية وكيف انها تغسل أدمغتناالبيءة وتحول الهدوء فينا الي اجرام ومشاكل لا انزل الله بها من سلطان..ولكن لام جمعة أسباب غير فهى لم تأتي بارادتها ولكن أتى بها الشديد القوي كما هو حال الأفواج الكبيرة من الهاربين من الحروب والمجاعات من الذين يحملون همومهم وهموم الدنيا على أكتافهم لتستقبلهم المدن الكبرى خاصة العاصمة المثلثة وأطرافها فتتغير حالهم وتتغير حال المناطق التي يستقرون فيها..

عندما تقرر تكريم المراة العاملة في الخرطوم رشحت السيدة الهميمة عواطف جبرة ام جمعة لتكرم كعاملة مثالية واكيد ان اختيار عواطف وترشيحها لم يكن عن مجاملة او هوى لهذه السيدة ولكن لمعرفة بقدرها وبذلك اكدت عواطف ان اهل الحق لا يعرفون الي الحق.. وفي ذاك اليوم تمنت كل سيدة ان تكون ام جمعة حتى تحظى بهذا التكريم الذي صادف اهله.. وبالتاكيد لو كانت ام جمعة في بلد اخر من العالم الاول لكانت أعطت نوط الجدارة ولكنها تنتمي لامة لا تعرف قدر البسطاء.. لك ياام جمعة باقة ورد ولعواطف  بوكيه ورد وتحية كمان..كرموا بسطاء الناس ياناس..


o_yousef@hotmail.com

 

آراء