قِرْدَة- أبْ لِحَايّة، قصصٌ من التراثْ السوداني- الحَلَقةُ الثَالِثَةُ والأَرْبَعُوُنْ .. جَمْعُ وإِعدَادُ/ عَادِل سِيد أَحمَد

 


 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أقيمت احتفالاتٌ كبيرةٌ، وأولمت الولائم، ولمُّوا الناس، ودقوا النحاس، لأن: السلطانُ قرّر أن يزوج أبناءه الثلاثة.
وفي عز الاحتفال، أعطى السلطان أولاده، كلَّ واحدٍ منهم، حجراً، وأمرهم بإلقاء تلك الحجارة بأقوى، وأبعد ما يستطيعون، بحيثُ يتم اختيار العروس من البيت الذي يقع فيه الحجر الذي يلقيه كلٌ منهم.
وفعل الإبناء ما أمرهم به والدهم السلطان، وقذفوا بالحجارة، كلٌّ في اتجاه!
ووقع حجر الإبن الأكبر في بيت الوزير، فزوجُوه ابنة الوزير.
ووقع حجر الإبن الأوسط في بيت كبير التجار، فزوجُوه بنت كبير التجار.
وقذف الإبن الأصغر حجره، فإذا بالحجر يقع في بيتٍ مسكونٍ بالقرود ومعهم (قِرْدَة) واحدة، ولم يتردَّد السلطانُ ولم يتوانَ في الوفاء بقسمه في تزويج الولد الأصغر من (قِرْدَة)، براً بعهده، ورتفادياً للحنث بما كان قد أقر، وأعلن.
أما الإبن الأصغر فقد (حِرِدْ) زوجته، وأباها، وعافها، فلم يأنس لها، ورفض توددها إليه، وشعر بالغضب، والغيرة من أخويه.
ولم يتركَهُ الناسُ في حاله، فكانوا يعيرُونَه بقبح زوجته (قِرْدَة).
وفي الحقيقة، فإن قِرْدَة كانت تسكن في البيت، مع مملكةٍ كاملةٍ، من القُرُوُد المسحورين.
وفي ذاتَ يومٍ، طلب الملكُ، من زوجات أولاده الثلاثة، أن تقدِّم له، كلُ واحدة منهن على إنفراد، حُلّةً ليلبسها...
وأرسلت قِرْدَة حارسها لزوجة الإبن الأكبر، تطلب منها أي دلقان لتعطيه للملك، فأرسلت لها زوجةُ الإبن الأكبر قطعةً رثةً من القماش، وفهمت أن الهدايا للملك ستكون من هذا النوع.
ثُمَّ أرسلت قِرْدَة حارسها لزوجة الإبن الأوسط بنفس الطلب، وأرسلت ، لها زوجةُ الأخ الأوسط قطعةً باليةً، من قماشٍ قديم، وفهمت كرفيقتها، أن هديتهن للملك ستكون متواضعة كالخرقة التي طلبتها قردة.
ولمّا كانت قِرْدَة تمتلك (خاتم المنى)، فقد فركته...
وجاءها الجني الذي يحرس الخاتم، فطلبت منه أن يُحضر لها حُلّةً من الحرير، مُذهبةً، ومشغولةً بالديباج.
ووضعت قردة الحلة في صندوقٍ مُرصّعٍ بالألماس، والجواهر.
وهكذا، أهدت قِرْدَةٌ للملك حلةً قيمةً جداً، وثمينة، في حين أهدت له رفيقاتها حُللاً متواضعة من القماش البالي، بعد أن إنطلت عليهن خدعة قِرْدَة.
واستغرب السلطان في تفوق قِرْدَة، القبيحة، على زوجتي أولاده الكبار بنت كبير التجار وبنت الوزير، فأمر بإقامةِ اختبارٍ ثانٍ لهن، وكان طلبه هذه المرة، الإستعداد لزيارة في البيت سيقومُ بها بنفسه، لكل ولدٍ من أولاده.
أرسلت قِرْدَةٌ حارسها لزوجة الإبن الأكبر ، وطلبت منها فرشاً، متواضعاً، لتفرشه للسلطان: كالبشنتيق أو الخوص.
فاعتذرت الزوجةُ الأولى، وفهمت، ببعضٍ من ظن، أن فرش السلطان سيكون وضيعاً.
وكذلك أرسلت قِرْدَةٌ للزوجة الثانية، طالبةً منها حصيراً ، أو قصباً تفرشه، ففهمت الزوجةُ الثانية مثلما فهمت أختها، ورفيقتها، من أمر استقبال السلطان، واعتذرت ـ(لقِرْدَة).
أمّا قِرْدَة، فقد دعكت خاتم المنى، وطلبت من الجني فرشاً يليق بالسلطان، على أن يكون من الحرير، والقطيفة، والسجَّاد
وبسطت بساطاً طويلاً من أول الشارع للسلطان، وجهزت له الموائد: ما لذ منها، وطاب.
ومع أن السلطان قد فرح، وانفرجت أسايره من وبهذا الاستقبال الحفي، إلا إن زوجة الإبن الأصغر ظلت بعينه، وفي نظره (قِرْدَة!).
وأمر السلطان بإختبارٍ ثالث، وهو أن تأتي الزوجات الثلاث لزيارته في قصره، ليرى هيئتهن، وزينتهن.
وكالعادة أوحت لهن قِرْدَةٌ، بأن تلك الزيارة غير مهمة، ولا يوجد ما يدعو للمنافسة بينهن هناك.
فطلبت من الزوجة الأولى (حُبيبات قَرَض) لتتبخر به...
وطلبت من الثانية عطراً رخيصاً تتعطر به...
ولكنها، في الحقيقة، فركت خاتم المُنى، فأتاها الجني بالحُلي والحُلل في الحال، واحضر لها العطور الهندية الأصلية، وجاء لها بعربةٍ تجرها خيولٌ أصيلة، مُطهمةٌ، تحُفها مجموعةٌ كبيرةٌ من الخدم، والحشم.
ولكنها كانت قد طلبت من السلطان أن يربط زوجـــــها (ابنه الأصغر) بتسعة وتسعين جنزيراً، حتى لا يهينها، أو يضربها، أو يطردها، لكراهيته الشديدة لها، وحقده المرير عليها!
ودخلت قردة إلى باحة القصر!
وفوجيء الملك ومجالسوه بفتاةٍ غاية في الجمال.
وما أن رأى زوجُها جمالَها الفتَّان، حتى بدأ في تقطيع الجنازير ليفك قيده، مسحوراً، ومبهوراً بحسنها، الذي لا مثيل له.
فقالت (قِرْدَةٌ) للسلطان، لائمة له:
- يا جلالة السلطان، لقد وعدتني بتقييد زوجي؟
فاعتذر السلطانُ نيابةً عن ابنه، قائلاً لها:
- لم يستطع إبني مقاومة بهائك، ورونقك.
وذهب الإبن الأصغر (زوج قردة) لها في البيت، فوجده يعجُّ بجلود القرود، فما كان منه إلا أن جمعها، ثم أحرقها كلها.
وعاش مع زوجته الجميلة، التي كانت (قِرْدَة) إلى وقتٍ قريب!

 

 

آراء