hafiz_63@yahoo.com
عبد الحافظ سعد الطيب
المقدمة
هذا الكتيب ليس بيانًا سياسيًا ولا تنظيماً سريًا، بل نداء صريح من الشعوب السودانية المنتجة للخيرات المادية والمفقّرة إلى بعضهم البعض، من الذين يصنعون الحياة ويعانون الاستغلال ليستعيدوا مكانتهم الطبيعية: صنّاع الوطن وأصحاب القرار الحقيقي.
لقد سئمنا كلمة “تسوية” التي تحولت إلى غطاء للصفقات وتقاسم السلطة ونهب الموارد. نرفضها. ونختار أن ننتج لغتنا الخاصة من تجربتنا ومياديننا.
لماذا كرهنا و نتحسس من كلمة “تسوية”
صارت التسوية رمزًا للغش والخداع، تُستخدم لتقاسم السلطة والموارد بعيدًا عن الشعوب. نحن لا نرفض الحوار، بل نرفض التلاعب بمصطلحات الوطن ومستقبله. نريد خلقًا جديدًا، ميثاقًا وجوديًا بين شعوب السودان يعيد تعريف الدولة والسلطة والاقتصاد من الصفر.
الاصطفاف التاريخي الكبير
الاصطفاف التاريخي الكبير هو:
اصطفاف شعبي شامل يجمع كل مكونات السودان المنتجه للخيرات المادية .
ميثاق وجودي يعيد السلطة الاقتصادية للمنتجين.
تحالف المنتجين ضد السماسرة والنهّابين.
مفهوم الكتلة التاريخية،
تكرر في صيغ لا تمتّ بصلة لما هو مقصود ،
بين ما قال به غرامشي وكان يتحدث عن الطبقات
وليس المقصود ؟ تحالف سياسي بين أحزاب.
والمقصود هو تكتل و توحيد النقابات والاتحادات والهيئات التي تمثل الطبقات “الشعبية المنتجة و مفهوم الهيمنة الذي ورد ، يعني الهيمنة الطبقية، على سلطتها الاقتصادية أو هيمنتها على حركتها الهيمنة على الطبقات “الشعبية” في سياق تأسيس الكتلة التاريخية. ومفهوم الهيمنة هنا لا يساوي مفهوم السيطرة بل يعني تعميم الأفكار والتصورات من خلال القبول وليس من خلال الفرض.
ولا يتحقق ذلك إلا من خلال بلورة مطالب مجمل “الطبقات الشعبية”، وطرحها والدفاع عنها، وتوحيد الطبقات هذه على أساسها.
وتتحقق الهيمنة هنا من خلال تبني مطالب تلك الطبقات أولاً، والدفاع عنها، وخوض الصراع معها ثانياً.
بهذا فإن مفهوم الكتلة التاريخية يعني توحيد “من أسفل” للطبقات “الشعبية” نتحدث هنا عن أغلبية بشكل مختلف من خلال النقابات والاتحادات والهيئات واللجان التي تشكلها. إنها كتلة في
المستوى الاقتصادي المجتمعي
وليست في المستوى السياسي، هذا المستوى الذي له أشكال أخرى من التعامل، وتكتيك مختلف تماماً، بالضبط لأنه تحالف لحظي، مؤقت، ويفرضه الصراع في لحظة معينة،
حركة وعي غير مركزية، ميادين متعددة في المدن والقرى ومخيمات اللجوء.
كسر الحلقة الشريرة
تكرر التاريخ: مدنيون يأتون على ظهر العسكر، ثم يطيح بهم العسكر، فتعود الدورة. هذه الحلقة يجب كسرها. الثورة السودانية حين انتصرت كانت ملكًا للشعب، لكن الساسة الجدد خطفوها وامتطوا ظهر العسكر للوصول إلى السلطة.
الموجة الأخيرة الأعلى لثورة ديسمبر
هنا من الضرورة إضاءة
يُشير مفهوم “الكتلة التاريخية” عند أنطونيو غرامشي إلى تحالف قوى طبقية واجتماعية مختلفة تتحد سياسياً وثقافياً حول شكل محدد من الهيمنة، أو لمقاومة هيمنة موجودة، وتهدف إلى بناء نظام اجتماعي جديد.
هذه الكتلة تتجاوز مجرد التحالفات السياسية العابرة لتمثل
اتحادًا عضويًا بين “البنية” الاقتصادية و”البنية الفوقية” الثقافية والسياسية للمجتمع.
في سياق الثورة السودانية،
يرى البعض أن عدم ظهور كتلة تاريخية بالمعنى الغرامشي الكامل أثر على مسارها. ويمكن تفسير ذلك من خلال عدة نقاط:
غياب وتغيب الجيل الأول للثورة
تشكل ظاهرة غياب وتغييب الجيل الأول من الثورة السودانية، الذي واجه نظام البشير منذ انقلاب عام 1989 واكتسب خبرة نضالية طويلة، إحدى الإشكاليات المعقدة ذات الأبعاد التاريخية والسياسية والاجتماعية. إن وجود هذا الجيل في المهجر، وعدم قدرته على العودة أو المشاركة الفعّالة، له تداعيات كبيرة على مسار الحركة الثورية والتغيير في السودان.
أسباب غياب وتغييب الجيل الأول
القمع الممنهج والاضطهاد السياسي: بعد انقلاب 1989، اتبع نظام البشير سياسة قمع ممنهجة ضد المعارضين، شملت
الاعتقالات التعسفية، والتعذيب في ما عُرف بـ”بيوت الأشباح”، والاختفاء القسري، ما دفع آلاف النشطاء والمثقفين إلى مغادرة البلاد.
تصفية المؤسسات المدنية والمهنية:
قام النظام بحل النقابات والاتحادات المهنية، واستبدل قياداتها بالعناصر الموالية له، مما أضعف دورها كمراكز للمقاومة وأجبر كوادرها المؤهلة على الرحيل.
خيبة الأمل السياسية:
بعد ثورة ديسمبر 2018، شعر الكثيرون من هذا الجيل بالإحباط من فشل القوى السياسية التقليدية في توحيد الصفوف وإدارة المرحلة الانتقالية، مما زاد من عزلتهم وابتعادهم عن المشهد.
التهميش من الأجيال الجديدة:
في بعض الأحيان، ظهرت فجوة بين جيل الثمانينيات والتسعينيات الذي خبر القمع الطويل، وبين الأجيال الأحدث التي اعتمدت على أدوات نضالية جديدة، مثل لجان المقاومة ووسائل التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى شعور الأول بالتهميش.
تأثيرات غياب هذا الجيل على الحراك الثوري
فقدان الخبرة النضالية المتراكمة:
يمثل غياب هذا الجيل فقدانًا لخبرة طويلة في مواجهة النظام وقدرة على تنظيم العمل السري، وهي خبرة كان يمكن أن تفيد الأجيال الأحدث.
انفصال عن الواقع الميداني:
على الرغم من محاولات النشطاء في الخارج لدعم الحراك، إلا أن بعدهم الجغرافي يقلل من قدرتهم على فهم التحولات الداخلية والتفاعل معها بشكل فعال.
تشتت جهود المعارضة في المهجر:
غالبًا ما تواجه المجموعات المعارضة في المهجر صعوبات في التوحد، وتظهر فيها انقسامات سياسية وجهوية تضعف تأثيرها.
فقدان الذاكرة التاريخية للثورة: قد يؤدي غياب هذا الجيل إلى ضعف الوعي بالمسار التاريخي للمقاومة ضد نظام البشير، مما قد يتسبب في تكرار الأخطاء السابقة.
تحديات دور هذا الجيل في المهجر
ضبابية الدور السياسي: يجد هذا الجيل نفسه في وضع صعب؛ فهو لا يستطيع العودة للمشاركة المباشرة، ويواجه تحديات في إثبات دوره من الخارج، مما يجعله في وضع ضبابي من الناحية السياسية.
التواصل مع الداخل:
يمثل التواصل الفعال مع الحراك في الداخل، خاصة لجان المقاومة، تحديًا كبيرًا بسبب الانقطاعات في الاتصالات والاختلافات في الاستراتيجيات.
الحفاظ على قضية الثورة حية:
يتحمل هذا الجيل مسؤولية كبيرة في الحفاظ على قضية الثورة السودانية حية في المحافل الدولية، وكسب الدعم والتعاطف معها، وهو ما يتطلب جهودًا مضاعفة في ظل الأزمات العالمية الأخرى.
إن وجود هذا الجيل في المهجر لا يعني نهاية دوره، بل يتطلب إعادة تعريف هذا الدور بما يتناسب مع الظروف الحالية، مع التركيز على بناء جسور التواصل مع الداخل وتوظيف الخبرة المتراكمة في خدمة الثورة، وإن كانت من بعيد.
غياب القيادة الموحدة والرؤية الواضحة:
على الرغم من وجود قوى اجتماعية وسياسية متنوعة شاركت في الثورة، إلا أنها لم تنجح في التوحد حول قيادة واحدة ورؤية متماسكة للمستقبل، مما أدى إلى تشتت الجهود وصعوبة في بناء كتلة تاريخية قادرة على
الثورة لم تنتهِ، بل تختمر في الوعي الشعبي. الموجة الأخيرة ليست عودة للمربع الأول، بل قفزة فوق أخطاء الثورة السابقة.
الاصطفاف التاريخي الكبير ليس عودة لمربع الاعتصام. الثورة تقفز فوق أخطائها لتنتصر، لا تنتظر زعيمًا، ولا تردد شعارات جاهزة مثل “شكراً حمدوك”.
الموجة إعلان بناء حقيقي، سلطة الشعب في ميادينه، سلطة المنتجين، لا السلطة في المنابر أو المكاتب.
نحن من نصنع التاريخ، ولسنا مجرد متفرجين عليه.
الفصل العملي: كيف نبدأ الاصطفاف التاريخي الكبير
- تشكيل المجالس الشعبية المحلية تمثل المنتجين والنساء والشباب والنازحين.
- إنشاء اتحادات المنتجين لإدارة الموارد والتسويق جماعيًا.
- تكوين لجان العدالة والمصالحة المحلية لتوثيق الانتهاكات ومحاسبة الفاسدين.
- إطلاق أسواق المنتجين لبيع مباشر، بلا وسطاء.
- تأسيس إعلام شعبي يوضح القرارات والممارسات.
- تربية سياسية جديدة عبر ورش ولقاءات توعية.
- شبكة الاصطفاف الوطنية لربط المجالس المحلية وتنسيق المبادئ.
تحالفات مختلفة
ندعو إلى تحالفات جديدة من القاعدة، مع الشعوب المنتجة، لا مع مؤسسات المال أو السياسة التي نهبتنا. تحالفات بين من يزرعون ويصنعون، لا بين من يوقعون على صفقات ويمتصون الدماء.
خاتمة
هذا الكتاب خريطة أولية من الشعب وإليه، قابلة للتعديل حسب ظروف كل حي وقرية ومخيم. نحن لسنا دعاة ثورة مسلحة، بل دعاة تأسيس وبناء. الكتاب أداة لكل من يريد أن يشارك في الاصطفاف التاريخي الكبير، ويعيد كتابة التاريخ من الميادين، من أيدي المنتجين والشعوب المنتجة للخيرات.
نصوص تطبيقية
كلمة قصيرة للميادين: إعلان سيادة الشعب، قوة المنتجين، رفض التسوية.
منشور/ورقة للتوزيع: الالتزامات المحلية، اتحاد المنتجين، لجان العدالة، الأسواق الشعبية.
أدوات ميدانية: مجلس مخيم، بنك غذائي جماعي، دورات تدريبية على التوثيق والاتصالات.
أدوات ميدانية قابلة للتطبيق فورًا
تشكيل “مجلس مخيم” يضم نساء وشباب وممثلي أسر المشردين.
إنشاء بنك غذائي جماعي يُدار بواسطة اتحاد منتجي المخيم.
دورة تدريبية سريعة للقيادات المحلية على التوثيق القانوني والاتصالات.
نشرة أسبوعية بسيطة لتوضيح القرارات المحلية والاحتياجات.
مبادرات قصيرة الأمد
- يوم السوق المنتج: سوق أسبوعي فقط لمنتجي المنطقة — بدون وسطاء.
- لجنة استرداد الأصول: فريق صغير يتتبع الصفقات المشبوهة ويقدّم طلبات رسمية لاستردادها.
- مركز للعدالة الشعبية: مكتب بسيط يستقبل الشكاوى ويوثّقها ويقترح حلولًا مصالحة أو إحالات قضائية.
الكتيب موجه للمدن، القرى، المخيمات، والمنافي: دليل عملي لتأسيس الميادين وتنظيم السلطة الشعبية بعيدًا عن وصاية النخب والجنرالات.
سودانايل أول صحيفة سودانية رقمية تصدر من الخرطوم