كرندنق التاريخ الخالد في سجل افريقيا

 


 

 

في مثل هذا اليوم الرابع من يناير من العام 1910م واجهت سلطنة المساليت الباسلة الغزو الاوروبي المتمثل في الإمبراطورية الفرنسية وتصدت لها بكل جسارة واقدام وحققت الانتصار المؤزر على الاستعمار الاوروبي منذ الوهلة الاولى بكل عنفوانه وجبروته وجيشه والاته الحربية الحديثة وقدموا شجعان سلطنة المساليت أعظم واروع التضحيات والبطولات المجيدة في الدفاع عن الارض واذاقوا العدو كؤوس الهزيمة والانكسار
وتظل معركة كرندنق معركة وطنية وبطولية خالدة في تاريخ القارة الافريقية وسلطنة المساليت التي خاض جيشها ملحمة فدائية نادرة وهم يواجهون إحدى رائدتي الاستعمار في العالم وجيش يفوقهم في التدريب وسلاح أوروبي حديث مقابل أسلحة بيضاء وايمان بقدسية الارض وعزته وخطة حربية بارعة فاقت توقعات العدو وصمود لم يكن في حسبانهم وقيادة خبرت الحروب والادغال والفيافي ورمال الاودية والصحارى وهزيمة اقلقت فرنسا والاستعمار الاوروبي
وتأتي هذه الذكرى العطرة ومعركة كرندنق تبلغ عامها الثالث عشر بعد المائة ويقف التاريخ شاهدا شامخا بكل كبرياء وافتخار لرجال صنعوا التاريخ في هذا الجزء من افريقيا وقدموا انفسهم قربانا من أجل الوطن وتجسدت فيهم معاني الوفاء والاخلاص
ان فشل فرنسا وهزيمتها في بداية تمددها شرقا باتجاه دار مساليت في معركة كرندنق اولى المواجهات بينها وبين سلطنة المساليت تعد خسارة كبيرة وعظيمة لها إذ ان المواجهة لم تكن متكافئة بين الجيشين الا ان جيش سلطنة المساليت استطاع ان يحقق الانتصار الغالي على الجيش الفرنسي وباءت كل محاولات فرنسا المتكررة بالفشل في اخضاع المساليت والاستيلاء على سلطنهم وارضهم وضمهم لمناطق نفوذها الاستعمارية في افريقيا كما أن خسارة الارواح التي لحقت بفرنسا كانت كبيرة فقد تم إبادة الجيش الفرنسي الغازي باكمله ولم ينجو منهم سوى ثمانية وان قتل قائد الحملة العقيد(قيقنشو) واثنين من ضباطه هز من مكانة فرنسا بين رصيفاتها من الدول الاستعمارية عموما وفي فرنسا خصوصا مما جعلها تضاعف من قواتها وعتادها الحربي لغزو سلطنة المساليت مرة اخرى للثأر والانتقام الا ان الفشل والهزيمة لاحقها للمرة الثانية في دروتي
وقد حرك انتصار سلطنة المساليت على الفرنسيين الحمية واغرى سلاطين وممالك الجبهة الغربية في التصدي للفرنسيين ومواجهتهم وان السلطان تاج الدين لعب دورا كبيرا في التصدي للغزو الفرنسي والانتصار الذي تحقق يعد انجازا كبيرا وغاليا وعظيما لبطل وقائد شعبي استطاع ان يهز من ثقة فرنسا ويحمي دارمساليت كما حمى ظهر السودان الغربي وبنى أمة متماسكة عرفت بالشجاعة والتضحية والاقدام والثبات وخلدت التاريخ
وفي سياق الملاحم البطولية والحركات الوطنية نجد ان السودان استطاع ان يلحق الهزائم باقوى امبراطوريتين اوروبيتين في العالم في ذروة الحقبة الاستعمارية حيث اجلت قوات المهدية الاحتلال التركي المصري المدعوم من قبل بريطانيا فيما واجهت سلطنة المساليت الغزو الفرنسي وتصدت لها والحقت بها الهزائم المتكررة في معركتي(كرندنق في الرابع من يناير من العام 1910م ودروتي في التاسع من نوفمبر من نفس العام) وقد سجلت معارك الثورة المهدية وانتصاراتها وارخت في التاريخ السوداني ويتم الاحتفاء بها وبقاداتها وابطالها اما معارك وانتصارات سلطنة المساليت على الإمبراطورية الفرنسية غائبه تماما عن التاريخ والمشهد السوداني وغير معروفه لأهل السودان ناهيك عن غيرهم الا ان الشاعر الكبير محمد مفتاح الفيتوري خلد هذا التاريخ في شعره بقصيدة ملحمية تعد بمثابة وثيقة تاريخية تتحدث عن معركة دروتي بعنوان(مقتل السلطان تاج الدين) كما أن الشاعر عالم عباس محمد نور هو الاخر خلد لهذه البطولات في اشعاره بقصيدة اسماها(سوميت بنات درجيل) ابدع في نظمها عن معركة دروتي وبطولات السلطان تاج الدين الذي يدرس في الجامعات بغرب افريقيا بينما هو غائب عن المدارس والمعاهد والجامعات السودانية وكتب التاريخ والتراجم في السودان
والمعلوم ان معركة كرندنق كانت سريعة وقصيرة لكنها كانت حاسمة بصورة كبيرة وكانت النتيجة كارثية على الجيش الفرنسي وهي اولى المواجهات سالفة الذكر لسلطنة المساليت مع قوة خارجية غازية وجيش اوروبي باسلحة حديثة وان النصر الذي تحقق كان له طعمه الخاص الشي الذي زاد من ثقة المحارب العادي بنفسه وسلاحه وكان له أبلغ الأثر في المعارك التي تلت معركة كرندنق كما بعث جذوة المقاومة والتحدي في ممالك الجبهة الغربية فأصبحت دارمساليت مكانا للرافضين للاحتلال الفرنسي والطامعين في المساعدة العسكرية التي تعينهم في تحرير بلادهم وقد احتلت درجيل مكانة ابشي قبل احتلالها من قبل الفرنسيين
التحية لكل شهداء بلادي في كرندنق ودروتي وساحات الشرف الوطني من أجل الحرية والكرامة
بقلم د/ محمد احمد ادم علي
باحث اعلامي
الرابع من يناير 2023م
الخرطوم

kingkingyagoub@gmail.com

 

آراء