هنالك مثل صيني بسيط و بليغ يذهب في معناه انه إذا ما سقطت بقرة ما في حفرة عميقة فإن اول مايجب عليك ان تفعله هو إخراج البقرة من الحفرة بأي طريقة ممكنه وباسرع وقت ممكن حتى لا تموت في الحفرة ؛ ثانيا وبعد ان تخرجها وهي على قيد الحياة من الحفرة يجب عليك ان تمنع وقوعها مرة أخرى في نفس الحفرة بكافة السبل ؛ ثم ثالثا دراسة ومعرفة أسباب وقوع البقرة او البقر في تلك الحفرة ؛ وأخيرا منع حدوث الأسباب التي تؤدي الى وقوع البقرة في الحفرة باتخاذ كافة التدابير الاحترازية والاحتياطية اللازمة و التي تمنع تماما وقوع البقرة مرة أخرى في الحفرة مثل ردم الحفرة ودفنها او وضع غطاء عليها او تسويرها بسياج قوى. لا يختلف اثنان على ان الديمقراطية في السودان قد فشلت او افشلت ثلاث مرات في السودان لأسباب موضوعية ويمكن تلخيصها في الأسباب الاتية
* في فترة الديمقراطية الأولى وبسبب الخلافات السياسية الحادة طلب رئيس الوزراء من قائد الجيش استلام السلطة نكاية لخصومه السياسيين ؛ إذا فالسبب كان اللدد في الخصومة السياسية ، والتدخلات الاجنبية في الشؤون الداخلية ، وقصور فهم رئيس الوزراء و قائد الجيش في تسليم واستلام السلطة ( استلام وتسليم السلطة كان خلاصة تقرير لجنة القاضي صلاح الدين شبيكة للتحقيق في انقلاب 17 نوفمبر 1958). ** و في فترة الديمقراطية الثانية كان السبب عدم انصياع الحكومة والبرلمان ومجلس السيادة لقرار المحكمة المختصة بعدم دستورية تعديل الدستور وطرد نواب الحزب الشيوعي السوداني منه مما اضطر رئيس القضاء ، مولانا بابكر عوض الله ، لتقديم استقالته احتجاجا على انتهاك السلطتين التنفيذية والتشريعية لسيادة حكم القانون وإرجاع النواب المطرودين للبرلمان وإلغاء التعديل الدستوري الباطل ؛ ومن ثم يمكن القول بأن عدم امتثال البرلمان و السلطة التنفيذية لقرارات المحكمة كان سببا مباشرا لانهيار الديمقراطية الثانية ، حيث عاد رئيس القضاء المستقيل لاحقا ، وعقب الانقلاب العسكري في 25 مايو 69 ، عضوا في مجلس قيادة الانقلاب العسكري ورئيسا لمجلس الوزراء ! *** اما في فترة الديمقراطية الثالثة فقد حدث العجب العجابا حيث عملت الجبهة الإسلامية القومية ومن أول يوم على إفشال تجربة الديمقراطية الثالثة عبر قطاعي الإعلام والإقتصاد، و بدأت بحملة إعلامية ضارية لتشوية صورة الرموز السياسية لتلك الحقبة ، والحط من قدرهم أمام الرأي العام ، وخلق الاضطرابات والفتن ، وعن طريق السوق والإقتصاد، وبواسطة الرأسمالية الطفيلية الإسلامية خلقت أيضا العديد من أزمات الخبز والسكر والغذاء عموما ، حالات ندرة السلع والخدمات، مع المضاربات في الأسواق السوداء والرمادية لخفض قيمة العملة الوطنية، وقد نجحت في ذلك نجاحا باهرا بحسبان انها أصلا كانت تخطط للانقلاب العسكري والاستيلاء على السلطة بالقوة العسكرية الغاشمة، وهذا ما حدث فعلا في 30 يونيو 89 ! **** خلاصة القول ، إذا ما نجحت الديمقراطية الرابعة في تجنب أسباب إنهيار النظام الديمقراطي والمتمثل في : منع التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للدولة والناي عن اللدد والفجور في الخصومة السياسية ؛ وثانيا إحترام سيادة حكم القانون بأن يخضع وينفذ المحكومين حكومة وأفرادا ، أشخاصا معنويين وطبيعيين ، حكم القانون وقضاء المحاكم ؛ وثالثا أن يكون الإعلام خاضعا لميثاق شرف مهني ورقابة مجلس أعلى للاعلام يحاسب المتفلتين مهنيا ، مع مصادرة جميع الشركات المالية و الصناعية المملوكة للجبهة القومية الإسلامية ( الإقتصاد الأسود والرمادي) ، ودعم إقتصاد وطني إنتاجي غير احتكاري و مبني على أسس المنافسة الحرة ، وإذا ما نجحنا في ذلك فإننا نكون قد قمنا باتخاذ كافة التدابير الاحترازية و الاحتياطية التي تمنع وقوع تلك البقرة ، و في تلك الحفرة للمرة الرابعة.