لصوص أفارقة يفسدون حلم الأمريكي: سقف فوق رؤوس أهله

 


 

 

كانت لجنة إزالة التمكين فينا رحمة بنا وبالعالمين. وأضعناها (مؤقتاً) بفقه حقوقي وسياسي من صف الثورة لم يشرئب فوق محليته للاشتباك مع عالمية قضية تجسدت في لصوصية حكام الإنقاذ وشيعتهم. فقضت الأمم المتحدة منذ صدور اتفاقيتها لمحاربة لفساد في ٢٠٠٣ بأن لصوصية الحكام صارت جائحة عالمية. وقالت مذكرة الرئيس الأمريكي بايدن أول أمس بإن الفساد الكوكبي صار أولوية في أمن أمريكا الوطني.
وتوقفت عند عبارة لم اتوقعها في مذكرته وهي أن هذه اللصوصية العالمية هدت حيل المواطن الأمريكي بكلفة أثقلت على جيبه. كنت أفهم لو اقتصر بايدن في القول على أن هذا الفساد خرّاب للمنافسة الحرة في أسواق المال. ولكن لم تغب متاعب الأمريكي العادي مع هذا الفساد من أفق التقرير. فقال إن أمواله المغسولة دخلت سوق العقارات عندهم وجعلت ملكية الأسر متوسطة الحال لمنزل مستحيلة حتى صار حالهم من هل بوسعي امتلاك بيت إلى هل بوسعي إيجار واحد منها؟ وضرب التقرير مثلاً: فتم بين ٢٠١٥ و٢٠٢٠ غسل ما قيمة ٢ فاصل ٣ بليون دولار في سوق العقار الأمريكي. فتورمت به أسعار شراء المنازل فوق أسعارها الحقيقية. وسبق لأمريكا أن ألزمت الوكالات العقارية بالكشف عمن وراء أي صفقة لشراء بيت زادت عن ٣٠٠ ألف دولار.
خرج هذا المال الذي أزكم أنف أمريكا من بلد مثلنا بفضل حكامه اللصوص. ففي ٢٠٢٠ غادر أفريقيا ٨٨ فاصل ٦ بليون دولار أمريكي مغسولة إلى الغرب. ويشكل هذا المال المنهوب ٣ فاصل ٧ من الناتج الإجمالي لأفريقيا. وكان تصديرها لأمريكا وبالاً من جهتين: استنزفت الأفريقيين ودفعت بشبابهم إلى بطون الحوت وأثقلت على اقتصاد الأمريكيين كما رأينا.
وتصادف مع إعلان مذكرة بايدن أن نشرت "أوراق بندورا"، وهي التحقيقات عن لصوص المال العالميين التي قامت بها منظمة الصحفيين الاستقصائيين العالمية، تقريراً في جريدة الواشنطون بوست عن متاعب الأمريكيين تحت نير تدفق المال الحرام إلى اقتصادهم. وركز التقرير على سوق العقارات في ضاحية تمي سو لين بمدينة لا فيرجني من أعمال حاضرة ناشفيل بولاية تنيسي.
نشأت الضاحية في نحو ٢٠٠٥ ببيوت متواضعة في حدود ٢٠٠ ألف دولار قَدِر على شرائها بالرهن سجان وكهربائي وكمريرة مثلاً. ثم دخلت سوق الضاحية شركة عقارية كانت دعت الأغنياء للاستثمار فيها لشراء المنازل التي عجز أسيادها عن سداد الرهن عليها خلال أزمة ٢٠٠٨ المالية (٣ مليون منزل ضحية للأزمة).
ثم فتحت الوكالة باب الاستثمار للأموال المغسولة إلى أمريكا عن طريق جزيرة كامي التي لا تلزم المودع فيها بخلو من الضرائب الأمريكية. وجاءت هذه الوكالة إلى ضاحية تمي سو لين بالمال السحت فكادت تستولى على كل عقار فيها بدفعها عداً نقداً لكل عقار معروض للبيع، وبثمن فوق طاقة الأمريكي العادي. بل وأثقلت على الأجرية، في لغة أهلنا في بري، برفع قيمة الإيجار. فرفعت قيمته إلى ٣٠ في المئة ما بين ٢٠١٦ و٢٠٢٠.
كنا بقانون تفكيك التمكين ورد الأموال المنهوبة أقرب الناس إلى إيقاع عصر تفتك به جائحة اللصوصية فتكا. كنا في الطرف الصحيح من تدفق المال السحت على الغرب وغير الغرب. وهو طرف تجفيفه بقوة في بلدنا رحمة بنا أولاً قبل أن يبلغ مثل ضاحية تمي سو لين الأمريكية فيفجعها في حلمها لأمريكي الساطع: تملك دار أو ما يسمونه السقف فوق الأسرة. ولم تكن الثورة يا للأسف عند التوقع. فيدانا أوكتا وفوهنا نفخ. وإلى حين.

IbrahimA@missouri.edu

 

آراء