لكي تكتمل الفرحة بزيادة الأجور في السودان

 


 

 





قبل التحاقي بجامعة الخرطوم ، اشتغلت عامل سكة حديد بمدينة كسلا ، حيث كنت أقوم بتنظيف القمامة داخل الورشة وفي المجاري العميقة التي تقف عليها الوابورات لأغراض الصيانة بالاضافة إلى تكسير الفلنكات لاستخدامها كوقود ، ولهذا ، وبصفتي عاملاً سابقاً ، أعرف جيداً مرارة الامتعاض المتراكم الذي يعاني منه العمال بسبب قلة الماهية وغلاء الأسعار والفرحة الكبرى التي تولدها أي زيادة في الماهية وسط العمال وأفراد أسرهم، ومن ثم فإن قيام الحكومة السودانية بإصدار قرار يقضي بزيادة مرتبات العمال السودانيين ورفع الحد الأدني للأجور اعتباراً من بداية عام 2013 هو خبر مفرح للغاية بكل تأكيد وُيعد خطوة جيدة في الاتجاه الصحيح في ظل الغلاء الشديد الذي ضرب السودان في الآونة الآخيرة وتضررت منه كل فئات الشعب السوداني وكانت شريحة العمال هي الفئة الأكثر تضرراً من ذلك الغلاء بسبب التدني الحاد في الأجور والارتفاع الجنوني في الأسعار والايجارات.

لكي تكتمل الفرحة بزيادة مرتبات العمال فى السودان ، لابد من اتخاذ إجراءات حكومية حازمة وحاسمة في التوقيت الملائم تمنع قيام التجار من زيادة الأسعار بعد صرف المرتبات الجديدة المحتوية على الزيادات وإلا فإن غول الغلاء سوف يبتلع الزيادات الجديدة ويرفع الأسعار إلى عنان السماء ويجد العمال أنفسهم في ضائقة معيشية أسوأ من سابقتها.

لكي تكتمل الفرحة بزيادة أجور العمال في السودان ، يجب أن تصدر الحكومة قراراً سياسياً يقضي بسريان الزيادات على تسوية معاشات من نزلوا المعاش في أواخر 2012 ولم يستلموا مستحقاتهم حتى تاريخ بدء سريان الزيادات في الأجور وهو الأول من يناير من عام 2013، قد يقول قائل إن القانون واضح ولا يسري بأثر رجعي وأن الزيادة في الأجور يجب أن تسري بنص القانون اعتباراً من أول يناير 2013 وليس قبل ذلك التاريخ بأي حال من الأحوال ، وأن المستحقين للزيادة قانوناً هم العمال الذين ما زالوا على رأس عملهم في تاريخ 1/1/2013 ولا ينطبق قانون الزيادات على العمال المحالين للمعاش قبل ذلك التاريخ حتى لو لم تُصرف لهم مستحقاتهم حتى تاريخ اليوم ، هذا قول قانوني صحيح لكن الرحمة تأتي قبل القانون، والأولى إصدار قرار سياسي يقضي بزيادات المعاشات واحتساب الزيادة في مستحقات المعاشيين الذين أحيلوا للمعاش في أواخر عام 2012 ولم يستلموا مستحقاتهم النهائية بعد ومن المؤكد أن مثل هذا القرار ، إذا صدر ، سيجد ترحيباً كبيراً وسط العمال المحالين حديثاً إلى المعاش أو التقاعد والذين لم يستلموا مستحقاتهم النهائية بعد وسيكون القرار مبرراً لسببين قويين:

السبب الأول هو أن الهدف الأساسي من قرار زيادة الأجور هو التخفيف من وطأة الغلاء الذي ضرب شريحة العمال باعتبارهم الفئة الأكثر تضرراً، والمحالون للمعاش حديثاً والذين لم يصرفوا مستحقاتهم بعد هم قطعاً طائفة من أولئك العمال بل أنهم أصبحوا الآن الطائفة الأكثر تضرراً بسبب فقدانهم لمصدر دخلهم الوحيد بحكم الاحالة إلى المعاش كما أنهم أولى بآخر تكريم رسمي بعد أن بذلوا عصارة عمرهم في العمل الحكومي.

السببب الثاني هو: أن عدم زيادة المعاشات وعدم سريان الزيادات على تسوية مستحقات المحالين حديثاً للمعاش ، سيؤدي إلى تمييز غير عادل بين من نزل المعاش في آخر يوم من عام 2012 ولم يقبض مستحقاته حتى الآن وبين من نزل المعاش في أول يوم من عام عام 2013 ، حيث سيتم حرمان الأول من الزيادات وتمتع الثاني بها رغم أن الإثنين هما عملياً في مركب واحد تكاد تغرقه أمواج الغلاء!

خلاصة القول إن للعمال المحالين للمعاش في أواخر عام 2013 ولم يقبضوا مستحقاتهم بعد قضية عادلة جداً وعلى الحكومة السودانية أن تنظر لهم بعين العطف والاعتبار والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

sara abdulla [fsuliman1@gmail.com]

 

آراء