لماذا تريد حركات الجبهة الثورية الاحتفاظ بسلاحها وقواتها
رشح عن مفاوضات السلام التي انطلقت في جوبا واستمرت في الخرطوم، قبل العودة إلى جوبا مجددا، ان أحد مطالبات الجبهة الثورية الكثيرة، هي الاحتفاظ بقواتها وسلاحها.
قبل الدخول في تفكيك ومعرفة الأهداف الأساسية من هذا الطلب، علينا مراجعة كل مطالب الجبهة الثورية مثل:
مطالبتها بنسبة كبيرة من التمثيل في مجلسي الوزراء والسيادي، وتعطيل تعيين الولاة، ومطالبتها بتمثيل كل ولايات دارفور والنيل الأزرق والشرق.
كذلك مطالبتها بإعفاء من يمثلونها في كل المناصب الدستورية من المادة 20 في الوثيقة الدستورية التي تمنع ترشيح كل من تقلد أي منصب دستوري في الفترة الانتقالية، من الترشح في الانتخابات القادمة، بل ذهبوا أكثر من ذلك بأن تكون لهم نفس نسبة المشاركة حتى في وجود حكومة منتخبة.
الواضح ان قيادات الجبهة الثورية تعمل على تكريس وجودها في هذه المناصب لأطول فترة ممكنة، وأن جوهر المفاوضات وتأخيرها يكمن في نقطة واحدة وهي ضمان تواجدهم في أجهزة الحكم في الدولة حيث يمثل هذا العنصر كامل رؤيتهم لعملية السلام والتي اختزلوها في نسبة وجودهم واستمرارهم في السلطة (مقايضة ترك العمل المسلح بالسلطة).
هذا المنهج يفسر طلبهم الخاص بالاحتفاظ بقواتهم لفترة طويلة نسبيا، وصفها عرمان بأن عملية الدمج والتسريح ربما تستغرق 10 سنوات.
لذلك الاحتفاظ بالقوات يمثل لهم ضمانة لتواجدهم في السلطة من جهة وايضا حصانة من اي محاسبة او فشل في ايا من مهامهم كوزراء او غيره وذلك بالتهديد للرجوع لمربع الحرب.
ايضا يمثل استمرار قواتهم عملية استقطاب قبلية وانتهازية كبيرة، خاصة في تحول مخاطر الحرب لامتيازات، متناسين ان هذا يؤدي بالضرورة إلى تسابق مليشياوي يعصف بكل نضالات الثوار وطموحاتهم في دولة مدنية حديثة.
كذلك وجود القوات يعني تدفق امتيازات ومخصصات مادية ضخمة، ونعلم جميعا مدى أهمية هذه النقطة عند قادة الحركات.
وحسب الأخبار الرائجة حول الصراع الليبي، ان هناك قوات من الحركات مشاركة ضمن هذا الصراع، لذلك الاحتفاظ بهذه القوات يشكل أهمية إقليمية لهذه الحركات مما يجعل قادتها جزء من أي مساومة في المنطقة.
المنطق الذي طرحته الجبهة الثورية في مفاوضات السلام لاعلاقة له البته بانتاج السلام، وانما في بعض جوانبه يضرب عملية السلام والاستقرار في مقتل، وخاصة الشرط الخاص باحتفاظهم بقواتهم أطول فترة ممكنة، رغم احتجاجهم بأن يعاملوا معاملة الدعم السريع، وهذا يطرح السؤال المهم، هل يبرر الوضع الشاذ للدعم السريع لكي يصبح قاعدة ونحن في اتجاه تكوين جيش وطني واحد؟
وأين العناوين الثورية التي كانت تطرح في السابق كمبررات للحرب؟
وهل يعتقد أي واهم أن هذا الوضع لقوات الدعم السريع سيستمر؟
بالتأكيد سوف لن يستمر، لأن هدف الثورة هو تكوين دولة المؤسسات وليس دولة المليشيات، وسوف تستمر الثورة في تحقيق هذا الشعار بوجود جيش واحد يمثل كل الوطن ولايمثل قبيلة أو حزب أو منطقة.
شرط احتفاظ الحركات في الجبهة الثورية بقواتها ورؤيتها المناصبية للسلام يفرض علينا أن نتحدث عن مفهوم السلام.
السلام لايكون بقسمة ثروة او سلطة مع حملة السلاح، وانما جوهر عملية السلام هو في اتباع إجراءات وسياسيات تصحح الخلل التاريخي الذي صاحب عملية التطور الوطني على المستوى السياسي والاقتصادى والتنموي والاجتماعي وووالخ.
تصحيح هذا الخلل بالإضافة للسياسات يحتاج إلى اكبر قاعدة اجتماعية وسياسية تسانده وتدعمه حتى تضمن له الاستمرارية والتجذر والفاعلية.
ولذلك نقول ان عملية السلام تحتاج إلى مرحلتين:
مرحلة أولى: وهي خاصة بإيقاف الحرب ومايستلزمه ذلك من ترتيبات أمنية ومشاركة في السلطة ومعالجة الأوضاع الإنسانية الملحة وووالخ، وهذا يستلزم مفاوضات بين الحركات المسلحة والسلطة الانتقالية.
المرحلة التانية: وهي الخاصة بتصميم عملية السلام ووضع آليات تنفيذها من سياسات وأي روافع أخرى تحتاجها.
وسبق بأن حددنا ان أحد شروط عملية السلام هو استنادها لأكبر قاعدة اجتماعية وسياسية، من منطلق انها قضية وطنية تهم جميع السودانيين، وليست قضية فئوية تمثلها حركات او مؤسسات جهوية او مناطقية، مما يستلزم مشاركة الجميع، لذلك نقترح عقد موتمر للسلام يشارك فيه الجميع حركات مسلحة، أحزاب، منظمات مجتمع مدني، ممثلين لمعسكرات النزوح واللجؤ.
لذلك اختزال عملية السلام في مجرد مساومة مع قادة هذه الحركات، سيكون خطرا على السلام نفسه، لأنه سيكون مجرد معالجات فوقية مما قد تغري آخرين بأن الطريق لكراسي السلطة يمر عبر السلاح.
من جرب المجرب حاقت به الندامة.
kazincrop@hotmail.com
//////////////////////////