لمفصولي الشرطه نقول ماذا تعني الترقيات إلى رُتَب ظلّ يلبسُها كلّ من كان قادراً على صُنعِها

 


 

 

خلال تأريخِنا لم نذكُر الشرطه بسوء. كُنّا دائماً نُغَطّي سوآتَها إن وُجِدَت ونُعالج الأخطاء وما كان ذلك إلّا للحفاظِ على ثقةِ الشعب فيها. إذا قُيّضَ لنا أن نختار بين الشرطةِ والوطن فإنّ الوطن لا يُعلى عليه. الآن الشرطه تحت واقعه بالكامل تحت سطوة الإنقلابيين وهي أصلًا لم تخرج عن هذه السطوه منذ بداية الانتقال ولكنها الان قد إزدادت بؤسًا وليس أقلّ من آلةِ قتلِها التي ظلّت تُعمِلها في أبناءِ شعبِها بهذه الصورةِ البشعه.
عندما تنادينا ، كضباط شرطه ، ضد الانقاذ في العام ١٩٨٩ لم يخطر ببالنا اشياءً من بينها كم سيكون اجرنا ومن هو الذي سيدفع لنا وفي أيّ عامٍ سيحدث ذلك؟لم يخطُر ببالنا ، حينها ، من سيقوم بتعويضنا وما هي مواصفات هذا المُعَوِّض وما مقدار التعويض؟ ولكن كان واضحاً لنا بصورةٍ لا تقبل الجدل أننا نعمل من أجل الوطن الكبير وإن إرتبطَ ذلك بالشرطه او ان العمل جاء من خلال المنابر الشرطيه بحسَبِ إنتمائنا.
تسارعت الاعوامُ آخِذةً بتلابيب بعضِها حتى بلغت الثلاثه وثلاثين إذ أن الإنقاذ لم تذهب عقب ثورة ديسمبر وتم التلاعب ممن لا ضمائرَ لهم فتمّت عملية تجميد لكلّ كوادر الإنقاذ بالأجهزه الأمنيه وحتى الكوادر القياديه التي تم تعيينها أثناء حكومة الإنتقال اتت صارخة التوجّه والانتماء للكوادر الاسلاميه وكان غض الطرف من مدنيي الانتقال مُدمِني السلطه.
في الأثناء وقفَ الجميع مدنيين وعسكريين حجر عثره أمام تغيير القيادات في الأجهزه الأمنيه لقيادات من قوى الثوره الحيه ورفض الجميع عودة المفصولين رغم أن جرائم النهب والقتل كانت في أوجِها وآخذةً في الإرتفاع بوتيرةٍ مُخيفه.
في أقسى ظروف السيوله الأمنيّه لم يكن للسلطه الانتقاليه من هَمٍّ سوى خلق الظروف المواتيه لمزيد من الإختراقات السالبه للقوى الأمنيّه وعلى رأسها الشرطه. تأكّد ذلك بالحصص التي ظلت قيد البحث لإعطاء الحركات المسلحه والدعم السريع والحريّه والتغيير الحاكِمَه أنصبتَهُم في المواقع القياديه للشرطه والأمن. وشكّل السماح لقوات الحركات المسلحه بدخول العاصمه ضربةً قاضيه لما تبقّى من أملٍ في جَوٍّ آمِنٍ يمكن أن يَلُف المدن السودانيه التي انهكها الترويع.
خرجت قوة مفصولي الشرطه بعد الثوره موحّده وقويه ومُعافاه. هذه القوه هي التي كان من المفترض لها ان تصنع الفرق الأمني لمجتمع سودان ما بعد الثوره. وكما في جميع المجتمعات بدأت الاختراقات ( والإستجابات ) من بعض ذوي النفوس الضعيفه وساهَمَ هذا في كل الإنهيار الحادث الان.
عندما تحدّثنا عن إعادة المفصولين كان همنا دعم الثوره في احد أعمدتها الرئيسيه وهي الشرطه وجهاز الأمن الداخلي ثم يأتي بعد ذلك جبر الأضرار الماديه والمعنويه والأدبيه وفي يقيننا أن ذلك لن يتم إلّا على أيدٍ ثوريه حقيقيه وهذا ما يعنيه جبر الضرر. أمّا أن يتم اي جبر للضرر بواسطة نفس ( الزول ) الظلمك ونفس الزول الذي يقوم بقتل أبناءك في الشارع ونفس الزول الذي قتل كل الآمال في وطنٍ كما يريدُ لهُ أبناؤهُ أن يكون فأن ذلك لا يُشيرُ إلّا لإستهدافِ قوةِ المفصولين وإعمال يد الفرقةِ بين مُكَوّنِها وتغييبِها عن مركز النضال لتبقى مكسورة العين أمام ولي نعمَةٍ جديد ويبقى ذلك ، للأسف ، بعلم مَن يسعون في ذلك مع السلطه.

إننا نُنَبّه إلى أننا واقفون مع شعبنا في خندَقِه. ليس شأنُنا او هدفنا أن يتم تعويضنا. لم نضع ثمن لنضالنا ولن نموت لأننا لم نُعَوّض. نحنُ لا نُشترى بالمال ولا نُشترى بالترقيات. لن نتوقّف ولن نركع. سنناضل مع شعبنا حتى ينجلي هذا الليل ويعود الوطن لحضن بنيه وحتى نُقَدّم لشعبنا وبلادنا الشرطه التي هي قَدر أحلامِه.
الى الشرفاء من مفصولي الشرطه أقول فلنُسوّي صفوفَنا ولنسأل أنفسنا مِمّن ننتظر التعويض او الترقّي. ماذا تعني هذه الرُتَب التي بات يحمِلُها على كتفيهِ كُلّ من كان قادراً على صُنعِها.

melsayigh@gmail.com

 

آراء