لمن الفوز؟ للفلول أم للثوار؟

 


 

 

في مواجهة كل ثورة صادقة وهادفة هنالك ثورة أخرى كاذبة ومضادة، تأخذ لون الحرباء الخادعة المخادعة فيكون ظاهرها المناصرة الجهيرة لشعار (حرية - سلام - عدالة)، أما باطنها يطفح بالشوق لعصر الظلام الباطش القاهر، والنكوص والتوق لشعار العهد القديم (جهاد - نصر شهادة)، فما زالت الفلول تؤمن بأن العلماني كافر يجب إعلان الحرب ضده واستلال السيف وضرب عنقه، وعندما سحقت كتائب الظل الظالمة المتعطشة لدماء المعتصمين بساحة باب بيت الجيش، كان الدافع تطهير الأرض من الفاسدين والسكارى والمنحرفين والمتفسخين اخلاقياً بحسب الزعم الباطل للاسلامويين، مثل هؤلاء العقائديين لا يؤمنون بحرية الرأي ولا بالديمقراطية، لذا على الثوار توخي الحذر والاحتياط لأنفسهم وتأمين مسيراتهم السلمية، هؤلاء الفلول لا يحركهم وازع الضمير الانساني ولا يردعهم حياء الدين الرباني، وكفى بالناس منذراً ونذيرا الفتوى الباطلة لإمام الضلال الباطل (النيء)، الفتوى المانحة للدكتاتور البائد الحق الإلهي في إزهاق أرواح ثلث مواطنيه العزل الذين افترشوا سجّادات الصلاة والتحفوا السماء المزينة ببروج الأمل والخلاص الوطني، الذين منّوا الأنفس بانبلاج صبح يوم عيد ثوري مجيد.
كل معركة في حد ذاتها تجمع بين صفين وتندلع بين فريقين وتدور رحاها بين طائفتين، وحتماً ان احدى هاتين الطائفتين تستند على الحق الأبلج المبين وتنساق الأخرى وراء الدعاوى الباطلة والاسانيد الكاذبة، وليس بالضرورة أن ينتصر في هذه المعركة من كان سلاحه التشدق بآيات الله الكريمات، فبين أيدينا النتائج الكارثية للحرب اللعينة المكتسية بثوب المشروع الجهادي الاسلاموي النافق المنافق، فسمعنا بمن رشح عبق العود والعنبر من بين طيّات أكفانهم، ممن زفّتهم كرنفالات الدجل الاخواني عرساناً سماويين لنكاح حسان الحور العين، وكانت العاقبة أن لا دين قد أقيم ولا فتح مبين قد فُتِح، فعادت توريت (ارض الفداء) التي لهج باهزوجتها الشباب (المجاهد) المغرر به ابّان سطوة الكاهن الهالك الكبير، فثبت بحكم التجربة الماثلة أن الفئة الباغية قد دُحرت ثلاث مرات، مرة حين خضعت لأن يكون قرنق (الكافر) والياً عليها في إمارة المسلمين، وثانية عندما تنازلت عن أرض الفداء بمدنها وانهرها وذهبها الأسود والأصفر، وثالثة حينما هزمها الشباب الوطني الغيور في ديسمبر المجيدة بعدما سخرت منه ونعتته بالهوان وارتداء السروايل المتدلية.
يقول ماوتسي تونغ مؤسس الصين الشعبية (من يقوم بنصف ثورة كمن يحفر قبره بيده)، فبعدما قال ثوار ديسمبر كلمتهم واسقطوا اعتى دكتاتوريات افريقيا والشرق الاوسط، اسلموا مفاتيح القصر لمن هم دون قامة الثورة المجيدة، فقضوا سنتين دون أن ينظفوا جهاز الدولة من الفلول، تركوهم يعملوا براحة للبال مريحة وبمزاج طمأنيني كبير، تخاذلوا عن تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، وصرفوا النظر عن القصاص والوفاء لأسر وذوي الشهداء المغدورين بميدان اعتصام باب القيادة العامة للجيش، وافسحوا المجال لتمكين سلطوي متسلط متجبر جديد، حصروه بين اربعة احزاب وخمس حركات مسلحة تقودها القبيلة، واحدة منها حاضنة للفلول وقائدها ومستشاروه ووزراءه عملوا على تمكين الاسلامويين في العشرية الأولى من دولة حسن الترابي، مثل هذا القائد الفلولي البائد ما كان يجب أن يتسنم سنام المال العام لأنه كان رمزاً اسلاموياً جهبذاً في العقد الأول من عمر دولة الأشرار، لكنها نصف الثورة التي حذّر منها الزعيم الصيني والتي اوشكت على أن ترمي بروّادها في السجون يوم امس، عندما اغلقت ابواب المطار في وجوههم.
الوحش الاسلاموي البغيض الذي هزمه الثوار قبل عامين، يلملم جراحه لينهض مدعوماً بسلطة الثوار التي يستمسك بها المدنيون المتذبذبون لينقض على الثورة وثوارها، فالمعركة الفاصلة هذه المرة سوف تنهمر على حواف طرقاتها الدماء الطاهرة الغزيرة، وتحالف العسكرتاريا مع الطبقات الطفيلية المتعفنة من لاعقي احذية الجنرالات، سيكون امام تحد المُقسمين على شرف الميثاق المناهض لجميع اشكال الحكم العسكري، الواقفين سداً منيعاً أمام مناصري الجهل المؤيدين لعودة انماط الحكم المدني الخائب المتواري خلف البيوتات الطائفية والأيدلوجيات الوافدة، فالثورة ثورة الشعب التلقائي الذي لا يرضى أن يكون هناتلك وصي عليه غير نفسه، ولا يقبل بأي مدّعٍ من الانتهازيين وصناع الخراب بشقيهم المدني الخائب والعسكري الخائن المطلق لعنان ماسورة بندقيته الصدئة الراشقة للناس ببارودها القاتل أن يتحدث باسمه، فجميعهم لا يستحقون تبنيها ولا يستطيعون القفز فوق مطالبها الأساسية، التي أولها اقتلاع النظام البائد من جذوره دون رحمة ورجم القتلة والمفسدين والسفاحين بلا هوادة، فيا أيها الثوار الاحرار اكملوا المشوار ولا تجعلوا من ثورتكم نصف ثورة.

اسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
16 اكتوبر 2021

 

آراء