لن أكون عربياً في المرة القادمة

 


 

 

 

(مراوحة على تشفع توتسي لمن نووا على قتله خلال المحنة في رواندا: "لن أكون توتسياً في المرة القادمة" ) سماني الأستاذ شوقي بدري (اذا كان هو الذي علق من تحت مقالة لي سبقت بالراكوبة) مفكراً  كثير النشاط مخدوعاً. ولا تجتمع مثل هذه الصفات إلا في ما يطلق عليه الخواجات oxymoron(أوكسيمورن) أي تحالف النقائض أو تساكنها. وأفضل مثل على هذه النقيضة ما قاله الكاتب الأمريكي جورج ويل. فسمى "الحكومة اللبنانية" خلال حروب لبنان الأهلية "أوكسيمورن" لأنها عبارة تلغي نفسها بنفسها. فوصف المفكر النشط، لو انطبق عليّ، لما وقاني من الخطأ بل ولا الشطط بل كان حماني من الخديعة التي  هي غفلة وكسل وهوان. قال شوقي إنني من الشماليين المخدوعين بعروبتهم الخالصة بدرجة الترفع عن بقية الزنج مع أنني زنجي في نظر العالم والعرب والأمريكان. ونقول عرضاً إنه يبدو أن شوقي لا يمانع أن تكون العروبة غير خالصة. وودت من مثل شوقي، وهو من دوري إلا قليلا، إلا يطلق القول على عواهنه في مثل مسألة الترفع هذه على الزنج إلا إن كان يروج  لما يروج له . فما دليله؟ ما برهانه؟ مما أكتب وأحاضر في حمى نشاطي الفكري الذي ميزه. ولو أرادني أن أسمع قول العرب والأمريكان في هويتي فلن يجدها عندي. فليسوا حكماً ترضى حكومته في مسائل وجودية بالنسبة لي أعرفها بلا وسيط . ولو سمعت منهم لما توقفت عن السمع لهم في سائر أمري. ولصرت إمعة أتكفف الناس مغازيّ ومعانيّ. ووجدت كثيراً خلعوا عروبتهم سقماً من عرب الكفيل في الخليج الذين أفتوا بزنجيتهم. ولذا  استحسنت قول إلينوار رزفلت "لا يمكن لأحد أن يخذيك بغير إذنك" (No one can make you feel inferior without your consent.). وخلي الناس يقولو. ولما لم ينصفني شوقي، وهو المرتجى، وبهتني بهتاناً رأيت أن ألقي الضوء على بعض حقائق عروبتي بكلمات مختارة:     لن يخلو منبر أكون فيه ممن يؤأخذني على عزتي بانتمائي للثقافة العربية الإسلامية في بلد متعدد الثقافات. ووجدت بندوتي بالقضارف خلال حملتي الإنتخابية في 2010 من أثار هذا المسألة ولوح بأن من ينتمون إلى ثقافات أخرى لن يقبلوا بي رئيساً على البلاد. وأنا فاهم لمخاوف من يري أن مثل هذه العزة بثقافتي مفسدة للتعدد الثقافي الذي يميز وطننا. فقد تعاورت علينا نظم مستبدة جعلت من مثل هذه العزة (التي هي ذوق ووجد وإنسانية) سياسة للدولة يكون بها حملة الثقافة غير العربية الإسلامية موضوعاً للتبشير أو الإرغام على هجر تقاليدهم. ولكني فاهم  أيضاً أن مبدأ التنوع الثقافي يعني طلاقة انتماء المرء لثقافته وتحييد الدولة بالكلية في الشأن الثقافي. فهي جهاز لا دين له ولا ثقافة. ولا يعني ذلك أن تتطهر الدولة من نازع الثقافة فتصبح بلا طعم ولا رائحة. فالدولة تتثقف حين تكفل لحملة الثقافات قاطبة وبغير فرز أن يعتزوا بها ويروجوا للمعاني الخيرة فيها. استصحبت في عزتي بالثقافة العربية الإسلامية وعي يقظ بحقوق الثقافات الأخرى من لدن كتابي "الماركسية ومسالة اللغة في السودان" (1976) و"الثقافة والديمقراطية في السودان" (1996). فحذرت في ندوة بمؤتمر الإعلام والثقافة انعقد بمبادرة من دولة الإنقاذ في 1990 أو نحوه من الاستخفاف بالثقافات غير العربية. وووصفت هذا الاستخفاف بأنه ثمرة من ثمرات نظرية "الخلاء لثقافي". ومعنى ذلك أن الذي يريد فرض ثقافة ما لابد أنه انتهي إلى رأي سلبي في ثقافة القوم فجردهم منها فأصبحوا خلاء ثقافياً يغري بتبشيرهم بالثقافة الغالبة وجذبهم لصفها. وبلغ بي الأمر في كتاب "الثقافة والديمقراطية" أن عرفت التنوع الثقافي بأنه "غَبن" لا ثراء أو وفرة ثقافات. وقصدت بذلك أن حملة الثقافات غير العربية لا يحسون بأن ثقافتهم مما يلعب دوراً كبيراً في  حياتهم. فهي ليست مفردة معتبرة في التنوع ينعم بها أهلها بل مفردة مطرودة من موكب ذلك التنوع. فإذا كان ثمة تنوع ثقافي فهم لا يشعرون به إلا كغبن مصدره أن حياتهم مفرغة من ثقافتهم. ونبهت من أخذوا عليّ عزتي بثقافتي العربية إلى أنها عزة بشرها. وشرها هو ولاء منقطع النظير إلى حقوق الثقافات السودانية قاطبة في أن يعتز بها أهلها فرحي بثقافتي العربية. فسهرت في خلوتي بالحزب الشيوعي على إذاعة هذا المعني فصدر لي "الماركسية ومسألة اللغة في السودان" (بالرونيو  1976، ومن دار عزة في 2004)جددت فيه موقف حزبنا الشيوعي الساطع من حقوق القوميات السودانية على ضوء اتفاقية أديس ابابا في 1972. ثمواليت المعني في أعمدتي على الصحف أميز بين عزة الإنسان بثقافته القائمة على قدم المساواة مع الثقافات الأخري وبين الاستعلاء بها.

ونواصل.

IbrahimA@missouri.edu

 

آراء