مأساة قيسان..هل هذا ما يريده البرهان

 


 

 

بشفافية -
لست هنا في وارد التعليق على الحديث العنصري القبلي البغيض الذي صدر من البرهان المفترض أنه يرأس بوضع اليد كل السودان، فقد أوفى غيري الكيل ولم يتركوا زيادة لمستزيد، غير أني أضيف هنا فقط تعليق لأحد الساخرين، قال هذا الساخر يبدو أن البرهان (تقل في الشربوت) فثقل رأسه وغاب عقله الظاهر فناب عنه عقله الباطن فقال ما قال بلا تدبر ولا تفكر، وخطورة حديث البرهان القبلي العنصري تجلت وتجسدت عمليا في الأحداث القبلية المؤسفة التي وقعت بمحلية قيسان من أعمال اقليم النيل الأزرق، والتي حصدت أكثر من 31 شخصاً، في قيسان والروصيرص واصابة العشرات، فضلا عن حرق ونهب الأسواق، واتلاف عدد من المحلات التجارية في عدد من المناطق، بل ان بعضها جرى امام أعين قوات الشرطة التي وقفت متفرجة دون ان تتصدى للمخربين، وسجلت السلطات الأمنية غيابا تاما رغم ان نذر هذه الأحداث بدأت منذ حوالي شهر، بسبب ظهور خطاب عنصري بين المكونات المجتمعية،كما لم تحرك حكومة الاقليم ساكنا لاحتواء الموقف، ولم تتخذ أيا من الإجراءات الكفيلة بحفظ الأمن وملاحقة الجناة والقبض عليهم، سوى اعلانها حظر التجول..
لقد بدا واضحا أن الصراعات القبلية الدامية التي لا تنتهي والحروب الأهلية التي لا تنقضي، قد جعلتنا نتطبع مع هذه الاحداث المؤسفة وتتبلد أحاسيسنا تجاهها، فلا ننهض لوضع حد لها بالمستوى والجهد المطلوبين، وآخر مثال ولا نقول الاخير على ذلك أحداث قيسان المؤسفة والحزينة والتي كان من الممكن تداركها قبل انفجارها، ولكن لمن يوجه هذا الكلام اذا كانت البلاد الان تعيش بلا حكومة وتعمها الفوضى منذ انقلاب اكتوبر وباتت أقرب الى حالة اللادولة، وما يضاعف المأساة أن قيسان ليست الوحيدة التي تكابد مثل هذا الصراع المميت، فالصراعات القبلية الدموية ظلت تتفجر في مناطق مختلفة بدارفور الكبرى وغرب كردفان (منطقة لقاوة) وغيرها، ولم تكن لتهدأ الا لتتجدد مرة أخرى وهكذا دواليك تدور ساقية الموت، بينما الانقلابيون ومواليهم من جماعة اتفاق جوبا لا يفعلون شيئا سوى تصريحات الشجب والاستنكار مثلهم مثلنا..ان تكرر هذه الأحداث المميتة يؤكد أن كل المعالجات التي جرت بشأنها تعاملت فقط مع تداعيات هذه الاحداث ونتائجها الكارثية، ولم تنفذ الى عمق الأزمة وأسبابها الجذرية، وستظل مثل هذه المعالجات على فطارتها وسطحيتها ولن تجدي شيئا، فالانفلاتات القبلية التي تقع بين الحين والاخر واضح تماما أنها ليست انفلاتات وقتية عابرة، وإنما لها جذورها وأسبابها وابعادها التي لابد من تعريفها بدقة، ومن ثم العمل على معالجتها دفعة واحدة، وليس بمعالجات آنية مجتزأة ومسكنات وقتية بلا مفعول يستأصل الداء من جذوره، فمثل هذه المعالجات السطحية وإن قدر لها النجاح في عقد مصالحات بالطبطبة وجهد الأجاويد والمجاملات كما يفعل حميدتي الان، فإن الصراع سيتجدد لا محالة في أقرب وقت، وليس من المستبعد بل المتوقع جدا ان ينفجر نزاع قبلي في موقع آخر اذا ما تم احتواء مشكلة قيسان، ولعل هذا ما يفرض ان تكون المعالجة الجذرية شاملة لكل بؤر النزاع القبلي ولكل أسباب وجذور هذه النزاعات، فمن خطورة هذه النزاعات أنها تهدد أمن الوطن كله وتنذر بعواقب وخيمة على وحدة السودان وأمنه واستقراره، والأخطر من ذلك ان يكون من يفترض أنه رئيس لكل السودان هو من يدشن على رؤوس الاشهاد دولة المشيخات والقبائل..
الجريدة

 

آراء