مؤتمر تقدم – هل يأتي بما مضى أم بأمر فيه تجديد؟

 


 

 

ما أكثر التكتلات السياسية والتحالفات الحزبية والتنظيمية التي شهدتها ساحات العمل العام، تكتل الجبهة الوطنية في سبعينيات القرن الماضي، والتجمع الوطني الديمقراطي في تسعينياته، وتحالف الجبهة الثورية فيما بعد بزوغ فجر الألفية الثالثة، والذي انعقد بيوغندا وخرج بميثاق الفجر الجديد الذي وردت به كل صغيرة وكبيرة حول تعقيدات المشكل السوداني، لكن تحطم مشروع الجبهة الوطنية المنطلقة من ليبيا على تخوم أم درمان، وانهار التجمع الوطني الديمقراطي بعد دخول الراحل الصادق المهدي إليه، وتشتتت مجهودات الجبهة الثورية بعد أن ثبت أنها مجرد محاولة يائسة لجمع الأضداد، فهل تسير تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية على نفس النهج؟، أم أن الحدث سيواكب المرحلة المفصلية والمحورية من تاريخ البلاد بعد اندلاع حرب أبريل؟، مع الأخذ في الاعتبار انقسام القوى السياسية إلى ثلاث فرق بعد الكارثة، فريقين كل منهما مناصر لطرف من طرفي الحرب، وفريق ثالث اتخذ من الحياد طريقاً، مع استصحاب التكهنات التي تزعم بأن تقدم منحازة لأحد الجيشين المتحاربين، والسؤال الجوهري هو: هل انعقاد هذه الفعالية في ظل اشتعال الحرب أمر إيجابي يصب في المصلحة الكلية الموصلة للسلام؟، إنّه من الضروري طرح هذه الاستفهامات حتى لا يقع المؤسسون الجدد في أخطاء المؤسسين القدامى، وحتى لا يحمل جنين تقدم المحتمل أسباب فنائه لابد للمؤتمرين من أن يستدعوا ذاكرة التحالفات السابقة، ليضعوا بصمة جديدة مختلفة ومتجاوزة لإخفاق الوثائق والمسودات المنقوصة، التي لم تقدم للوطن غير التشرذم والتباعد والتنافر، فتحدي الوصول لتأسيس جديد لقوى سياسية وثورية آلت على نفسها مواجهة الواقع الماثل بكل تقاطعاته، يتطلب الإبداع والابتكار وتجاوز القديم.
التكالب السياسي كان وما يزال يعتبر واحداً من أهم أسباب فشل التحالفات السياسية والتجمعات الثورية، هذا الداء العضال واكب جميع مراحل تطور الحراك الجماهيري، وألقى بظلاله على مسيرة الدولة السودانية عبر حكوماتها المختلفة ابتداءً من العام الأول للاستقلال، ومن الأخطاء البنيوية لإخفاق التكتلات السياسية، هي المركزية القابضة التي تأسست عليها الأحزاب والتنظيمات السياسية، فانطلاق هذه الكيانات الحزبية من المنطلقات الصفوية هو سبب توارث الأزمات، فأحزاب اليمين واليسار تحكمت عليها النخبة المركزية، فلم تستطع تحقيق الشمول في تمثيل كل أجزاء الوطن، ومن تم تمثيلهم من أفندية هامش السودان في أحزاب المركز لا يعدو عن كونه ترميز تضليلي، كما يقول بذلك المفكر الدكتور أبكر آدم إسماعيل، فالمركزية لا تأتي إلّا بمركزية قابضة، حتى ولو تزينت بزي الديمقراطية والتقدم، فعلى المؤتمرين بحسناء إفريقيا (أديس أبابا) أن يجدوا مصلاً جديداً لمكافحة فايروس التمركز والتمحور حول المنهج القديم، الذي انتج حرباً ضروساً أكلت الأخضر واليابس، وحصدت الأرواح البريئة في جميع بقاع الوطن الجريح، فالحرب قد فضحت البنيان الكاذب للدولة القديمة، وحفرت عميقاً فأخرجت جذور شجرة الدولة التي نهشها سوس التمركز والانكفاء، وفت عضدها الإصرار على الاعتماد على اللون الواحد لرسم لوحة الوطن الفسيح، فالحوار يجب أن يكون فدرالياً في تعاطيه مع أزمات البلاد، وإلّا فلن يجني زيد السوداني من هذه الفعالية التي حُشدت لها الحشود غير تكرار الفشل، فلو مر المحتشدون بتحديات الراهن السياسي والاجتماعي والاقتصادي، مسحاً رأسياً وأفقياً شاملاً لجغرافيا وفسيفساء المجتمعات، لأتوا بما يمكن أن يُسمى منجز وطني جديد ومبتكر وخالٍ من شوائب التجارب الماضية.
تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية عليها فتح الباب واسعاً، لإشراك أكبر طيف وطني يرسم ملامح العهد الجديد، وحينما ندعوا للانفتاح لا نعني احتواء الوجوه الصارخة التي وقفت ضد التقدم الذي أحرزه رئيس وزراء الانتقال في الماضي القريب، والتي لعبت دوراً سلبياً كان سبباً مباشراً لاندلاع الحرب، فعبارة (مشاركة الجميع ما عدا المؤتمر الوطني) الواردة في أدبيات خطاب ما بعد إسقاط رأس النظام البائد، يجب أن تظل قائمة وحاضرة بين أضابير المؤتمر التأسيسي، فاستثناء كادر الحزب البائد من الإطلال على خشبة مسرح اليوم واجب وطني لا مناص منه، وما بدر من غزل مفضوح لغندور – وزير خارجية المنظومة البائدة تجاه التقدميين، ما هو إلّا محاولة سمجة وعديمة الحياء، من منسوب الجماعة الحزبية التي لم تسع يوماً من أجل حوار حقيقي يخرج البلاد إلى بر آمن، بل كان هذا الوزير الحزبي البائد رمزاً من رموز تمكين جماعته بضرب أساس البنيان النقابي، فالقوى الحديثة الواجب احتواءها هي التنظيمات الشبابية والكتل الثورية المنحازة لمشروع الدولة الديمقراطية المدنية الفدرالية القادمة، وتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية عليها أن تلعب دوراً مختلفاً في تشريحها وتفسيرها وتعريفها بالمشروع التأسيسي الجديد، الذي يجب أن يكون معزوفة مبتكرة يرقص على أنغامها كل السودانيات وجميع السودانيين، ويقف مؤسسوها على مسافة واحدة من فئات وشرائح المجتمعات السودانية المتنوعة والمتعددة، فالخروج من عباءة التقوقع المركزي ضرورة وطنية، وواجب ثوري ملح في هذه اللحظات التاريخية لهذا المخاض العسير، الذي تمر به بلادنا الحبيبة، لذا أمسى لزاماً على من حمل لواء التأسيس أن يكون وطنياً خالصاً، وعاملاً مجداً ومجتهداً لعكس وجوه كل الناس على مرآة الوطن الكبير.

إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com

 

آراء