ما لا يمكن استعادته!

 


 

 

 

إزهاق الروح من أكبر الأمور التي جعلها الله مما تهتز له السماوات والأرضين، وقد حصّنت الأديان السماوية والأعراف الوضعية الروح الإنسانية بأسوار من الحماية خلفها أسوار أخرى وحصون شاهقة؛ مما يجعل أرواح البشر (أثمن وأعلى) من أي قيمة دنيوية، و(أعظم وأغلى) من أي إتلاف يصيب عقاراً أو مالاً مهما كانت قيمته حتى ولو كان في حجم (أموال قارون) وحتى لو كان العقار هو مبني (إمباير ستيت) في مانهاتن! لا سبيل إلى إزهاق الروح.. لا سبيل إلي إزهاق الروح.. لا سبيل إلى إزهاق الروح حتى ولو أتلف صاحبها ما أتلف من مؤن و(شوالات) ومراكز حزبية.. وحتى عند القرار بتعطيل شخص ما من أداء أي عمل، فإن الدولة وأجهزتها النظامية لا تقوم بقتله، فهناك (ألف طريقة) لتوقيف حتى المجرم السارق من غير إزهاق روحه.. فما بالك بالمواطن الذي خرج يطالب بحقوقه!

إزهاق الروح يعني ثكلاً ما بعده ثكل، وأسى ما بعد أسى و(حرق حشا) للوطن وللعشيرة وللحي وللأهل وللام والأب والأخ والأخت وللإبن والإبنة والجد والجدة؛ ويتعاظم الألم عندما تكون أجهزة الدولة المُناط بها حراسة الأرواح هي التي تقتنصها، فما ذنب المقتول وهو لم يقتل أحداً حتى يتم قتله بغير محاكمة، ولماذا دائماً تكون الإصابات قاتلة إذا لم يكن الأمر ليس لمجرد توقيف أو تعطيل شخص.. وقد رأينا المُحتجين في فرنسا غير المُسلمة وغير المُتدينة يحرقون السيارات والمواقع فلا تستطيع القوات النظامية غير أن تأخذ بعضهم برفق إلى المخافر ريثما تطلقهم، بل ترى المتظاهرين يقفون أمام الشرطة وهم يتحدثون للأجهزة الإعلامية وهم آمنون من الطلقات العشوائية أو غير العشوائية التي تقتنص الأرواح..!

لا أحد يملك الحق في أن يقرر إنهاء حياة شخص لم يهم بقتله مهما كان الاختلاف أو الاتفاق على سلوكه خلال الاحتجاجات الصاخبة، ومها كان الحديث عن العقار التالف أو المُحترق، فمن يقتل نفساً بغير حق يبوء بغضب الله وبذلة الدهر و(وصمة الأبد) التي لا يمكن أن يرتاح لها ضمير القاتل إلا أن يكون (من غير سلالة البشر)..! والاستهانة بأرواح البشر من أكبر الرذائل التي لا تنمحي من الضمائر ومن الذاكرة، فهل كان القاتل يعلم ما يخبؤه القدر لهذا الطفل أو هذا الصبي أو هذا الشاب أو الرجل أو المرأة في مستقبل حياتهم؟ وما تنطوي عليه أفئدتهم التي كانت تملأ أشرعتها بالآمال؟ وهل فكّر القاتل في ما يحدث بغياب بغياب الإبن الوحيد، أو الأب الرفيق، والأم الحانية، والأخ الراعي، والجدة الملجأ، والزوجة الساهرة، والزوج الحامي..؟! لماذا لم تفيد العبرة التي جرت في سبتمبر 2013 خلال (المقتلة العشوائية) التي تمت بسيارات مسرعة (أنكرت لوحاتها).. وتركت خلفها سحابات من الحزن والأسى لن تزول، ومن حينها افتقد أهاليهم طعم الحياة الطبيعية، وأصيبت آمال وطنهم فيهم بمقتل آخر! ...لماذا هذا الخيط الممتد من الدم؟! ولماذا كل هذه الاستهانة بأرواح الناس!

murtadamore@yahoo.com

 

آراء