تبدو مبادرة نائب رئيس مجلس السيادة، مالك عقار، كأنها محاولة متأخرة لإعادة تلميع وجه السلطة العسكرية تحت رماد الحرب الغبية. فالمبادرة التي حملت عنوان “نحو سودان موحد آمن ومتطور” لم تُقرأ في الداخل إلا بوصفها تشويشاً مقصوداً على جهود الرباعية الدولية الساعية إلى هندسة خطة واقعية لوقف النزاع.
تتحرك واشنطن ومعها شركاؤها في الرباعية لاستضافة اجتماعات حاسمة في الرابع والعشرين من أكتوبر، استناداً إلى مبادرة سابقة تدعو إلى هدنة إنسانية تمتد ستة أشهر، يتبعها حوار بين الجيش والدعم السريع، مع استبعاد رموز النظام القديم. غير أن المؤسسة العسكرية، ومعها حلفاؤها الإسلاميون، واجهت الخطة بالرفض، قبل أن يظهر البرهان بخطاب بدا أكثر ليونة، مدفوعاً – كما يبدو – بضغوط مصرية تطالبه بالانفتاح على المجتمع الدولي والانحناء قدر المستطاع لعواصف دونالد ترامب.
لكن تلك الليونة المعلنة لا تخفي صلابة الموقف الحقيقي ومراوغته. فالمبادرة التي خرج بها عقار بعد أيام ليست سوى وجه آخر للتضليل ذاته: خطاب منمّق يعيد إنتاج وصاية الجيش على الدولة. يتحدث عقار عن لجان قومية للمؤتمر الدستوري والدستور والعدالة، لكنه يجعل من الجيش “الضامن الأساسي للفترة الانتقالية”، أي الحاكم الفعلي تحت ستار الاستقرار.
في خطابه الأخير، قال البرهان إنه منفتح على أي جهد “ينهي الحرب ويعيد للسودان كرامته ووحدته”، ثم أضاف بوضوح أن “السلام لن يُفرض علينا”. وهي العبارة التي تكشف جوهر الأزمة: رغبة في التحكم بالمستقبل، لا في إنهاء الحرب.
يرى مراقبون أن البرهان لا يزال يناور، وأن مبادرة نائبه جاءت لتغطي هذا المأزق بلغة المصالحة والتنمية والعدالة، من دون أن تمس جوهر الصراع. فهي تتحدث عن توحيد القوى المجتمعية بينما تُقمع الأصوات الرافضة للحرب، وتدعو إلى بناء سودان جديد من دون الاعتراف بوجود طرفٍ مسلح يسيطر على شطر واسع من البلاد.
لا تحمل مبادرة عقار وعداً بالخلاص بقدر ما تكرّس الوصاية العسكرية بثوبٍ مدني أنيق. إنها مناورة بلاغية هدفها شراء الوقت، وإرباك المسار الدولي الذي بدأ يضيق ذرعاً بمراوغات سلطة بورتسودان. فحين يصبح الجيش هو الضامن والخصم والحَكم، يغدو السلام مجرد لافتة أخرى فوق أنقاض وطنٍ يبحث عن نفسه في العدم.
سودانايل أول صحيفة سودانية رقمية تصدر من الخرطوم