مدن السودان تنتفض في الذكرى الأولى للانقلاب… ومقتل متظاهر دهسا

 


 

 

ميعاد مبارك: الخرطوم ـ «القدس العربي»: شارك عشرات الآلاف من السودانيين في تظاهرات «مليونية إسقاط الانقلاب» في أنحاء واسعة من البلاد، رفضا للحكم العسكري، وبالتزامن مع الذكرى الأولى للانقلاب الذي نفذه القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مطالبين بإسقاط الانقلاب وتسليم السلطة للمدنيين، وهو ما واجهته قوات الأمن بالقمع، ما أسفر عن سقوط قتيل.


وحسب لجنة أطباء السودان المركزية «قتل متظاهر إثر دهسه بواسطة عربة (دفار) تتبع لقوات الانقلاب بعد مشاركته في المليونية في مدينة أمدرمان».
وزادت أنه «ما زالت السلطة الانقلابية تعيث فساداً وتسفك دماءً حُرّمت منذ بداية الأرض، وبهذا يبلغ العدد الكلي لشهدائنا بعد انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر (119) شهيداً، إنهم ليسو أرقاماً بل حياة وارتباطات انقطعت عنا وأهدت قلوبنا الثبات، أنارت لنا دجى الطريق وذللت عقباته للعبور إلى مرافئ الحرية والمجد».
ووصلت التظاهرات في العاصمة الخرطوم، إلى مشارف شارع القصر المؤدي إلى مباني القصر الرئاسي، حيث تعالت الهتافات بعودة العسكر للثكنات وحل ميليشيات «الجنجويد» وتحقيق العدالة للضحايا وتأسيس سلطة الشعب.
وفي محطة 7، تجمع المتظاهرون القادمون من أحياء جنوب الخرطوم، حيث تعالى هتاف المحتجين «يا عيسى حالفين نجيب الثأر»، بينما حمل العديد من الشبان الذين يتقدمون التظاهرات لافتات كتب فيها «أخوان عيسى»، (في إشارة إلى عضو لجان المقاومة عيسى عمر الذي قتل برصاص الأمن الأحد في تظاهرات دعائية لمليونية ذكرى الانقلاب). ثم اجتمعوا بالتظاهرات القادمة من مناطق عديدة في محطة باشدار وسط الخرطوم، للتوجه نحو القصر الرئاسي.
وحمل المحتجون العلم السوداني ورايات لجان المقاومة وأخرى طبعت فيها صور ضحايا الانقلاب، ولافتات أخرى طالبت بإسقاط البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو «حميدتي» وعموم المجلس العسكري.
وبينما كانت التظاهرات تتقدم نحو القصر الرئاسي، شرع عدد من المحتجين في بناء المتاريس لعرقلة مدرعات الأمن خلال محاولتها الانقضاض على الموكب، بينما أحرق آخرون إطارات السيارات تعبيرا عن غضبهم. وواجهت السلطات المتظاهرين بإطلاق الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية بكثافة، مما تسبب في العشرات من حالات الاختناق والتي تم إسعافها إلى العيادات الميدانية، بينما نقلت الإصابات الأخرى إلى المستشفيات القريبة.
وفي مدينة بحري شرق الخرطوم، وصلت التظاهرات إلى مدخل جسر المك نمر والذي أغلقته السلطات بالحاويات، بينما انتشرت قوات الأمن بكثافة في محيط الجسر.
وتواصلت محاولات المحتجين ما بين كر وفر، لكسر الطوق الأمني، والالتحام مع تظاهرات الخرطوم، التي توجهت نحو القصر الرئاسي. وكذلك فعل المحتجون في مدينة أمدرمان غربي الخرطوم، حيث أغلقت السلطات الجسور أيضا. وخرجت بقية المدن السودانية في التظاهرات سيما مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، وعطبرة والدامر وسط السودان وولايتي البحر الأحمر وكسلا في الشرق، بالإضافة إلى الأبيض والفاشر ونيالا غرب السودان.

مطالبات بعودة العسكر للثكنات وحل مليشيات «الجنجويد» وتحقيق العدالة للضحايا

وجاء ذلك استجابة لدعوات تنسيقيات لجان المقاومة للسودانيين في جميع أنحاء البلاد للمشاركة في مليونية «إسقاط الانقلاب»، مؤكدة أن حكم العسكر إلى زوال وأن الشعب قادر على هزيمة الانقلاب.
وتتمسك اللجان بشعار اللاءات الثلاث « لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية» لقادة الانقلاب، كما تطالب بعودة العسكر للثكنات وتسليم الحكم للمدنيين.
ومنذ مساء الإثنين، أشعل المحتجون إطارات السيارات في شوارع العاصمة الخرطوم، في إعلان مبكر لانطلاق مليونية «إسقاط الانقلاب»، بينما تواصلت التظاهرات الدعائية داخل الأحياء منذ السبت.
والأحد، قتل عضو لجان المقاومة عيسى عمر برصاص الأمن خلال التظاهرات الدعائية في منطقة الخرطوم جنوب. وحسب تقرير الطب الشرعي أدت الإصابة إلى تهتك القلب والرئتين.
وكانت لجنة أطباء السودان المركزية قد نددت في بيان نشرته بالتزامن مع تظاهرات الجمعة، بعودة القوات النظامية لاستخدام الأعيرة النارية في قمع التظاهرات الأخيرة.
وحذرت من التمادي في قمع المحتجين السلميين، مؤكدة أن العدالة لن تفلت أيا من مرتكبي الانتهاكات.
وقالت «إن السلمية ستظل سلاح السودانيين في مواجهة حكومة الانقلاب»، متهمة القوات النظامية المنوط بها حماية المدنيين بالتورط في قمع المتظاهرين. ومنذ انقلاب العسكر على الحكومة الانتقالية، قتل 118 متظاهرا خلال قمع الأجهزة الأمنية للتظاهرات، معظمهم بالرصاص، حسب لجنة أطباء السودان المركزية، بينما تجاوز عدد المصابين 7000 وفق منظمة حاضرين الناشطة في علاج مصابي الثورة السودانية.
ومنذ منتصف ليل الإثنين أغلقت السلطات محيط القيادة العامة للقوات المسلحة والقصر الرئاسي بالحواجز الإسمنتية، كما شهد عدد من الطرق الرئيسية في العاصمة الخرطوم انتشارا واسعا لقوات الأمن.
كما قامت بقفل مداخل الجسور النيلية الرابطة بين مدن العاصمة السودانية الثلاث ـ الخرطوم، بحري وأمدرمان ـ ما عدا جسري سوبا والحلفايا.

حماية المشاركين

وقالت وكالة السودان للأنباء إن السلطات المختصة أكدت حرصها على حماية المشاركين في المواكب والمسيرات السلمية التي تعبر عن إرادة الشباب، مؤكدة ان الأجهزة الأمنية تعمل من أجل حفظ أرواح وممتلكات المواطنين، وأمنت على حق كافة الشرائح المشاركة في المواكب بممارسة التعبير السلمي الذي كفله القانون.
وأشارت إلى أن السلطات تهيب بعدم المساس بالممتلكات العامة والمرافق الحكومية والسيادية وتدعو المشاركين للالتزام بالسلمية وتبليغ الجهات المختصة عن أي ممارسات خارجة عن القانون في أوساط المشاركين حتى لا تخرج المواكب عن سلميتها تفاديا لوقوع أي خسائر في الأرواح والممتلكات.

 

في وقت قطعت فيه السلطات شبكات الإنترنت في جميع أنحاء البلاد إبتداء من التاسعة والنصف صباحا وحتى السادسة مساء، حذرت مجموعة الأجسام المطلبية «تام» من مغبة استغلال حالة عدم التواصل بسبب هذا القرار، الذي وصفته بـ«الإجرامي»، في ارتكاب انتهاكات ضد الشعب السوداني تحت غطاء قطع الإنترنت.
المتظاهر سيد أحمد)30 عاما ( والذي شارك في تظاهرات الخرطوم التي توجهت نحو القصر الرئاسي، أشار إلى أن الانقلاب خلال عام ملأ السودانيين بالأحزان والغضب والغبن، مؤكدا أن «الكثيرين كانوا يؤمنون بأن الحكومة الانتقالية ستفضي في النهاية إلى انتخابات حرة ونزيهة يختار فيها السودانيون من يرأسهم بعد 30 عاما من سلطة الفرد والحكم الشمولي، إلى أن قطع البرهان طريق انتقال الشعب إلى الحكم المدني الديمقراطي».
وقال إن «وحدة القوى المناهضة للانقلاب تعني بالتأكيد سقوط العسكر والتأسيس للحكم المدني الديمقراطي في البلاد».
أما مهيد أحمد، موظف (24 عاما) والذي فقد إحدى ذراعيه جراء إصابته في تظاهرة سابقة، فقال لـ«القدس العربي» وهو يعيد الكرة ويشارك في التظاهرات مرة أخرى، «ربما استمر الانقلاب لعام ولكن العسكر لم يدركوا بعد أننا الجيل الذي سيكسر الحلقة الشريرة للانقلابات»، مشيرا إلى إيمانهم بأنه «لا طريق للعودة إلى الوراء، وأن أي تراجع أو تنازل للعسكر يعني المزيد من القمع والقتل وتقييد الحريات وغلاء المعيشة».

تصاعد الإضرابات المطلبية

كذلك قالت المتظاهرة مرام محمد، طالبة (23 عاما) والتي كانت تهتف مطالبة بإسقاط الانقلاب بينما تحمل صورة أحد ضحايا الانقلاب، لـ«القدس العربي» إنها تشعر بحزن كبير لأن العسكر على الرغم من انقلابهم الضعيف لا يزالون في السلطة، مشيرة إلى ضرورة تصاعد الإضرابات المطلبية ودخول البلاد في عصيان مدني شامل لإسقاط الانقلاب، فضلا عن تواصل التأسيس لبناء سلطة الشعب والتنظيم القاعدي.
وفي السياق ذاته، أوضح محمد عبد الكريم (23 عاما) طالب جامعي، لـ«القدس العربي»، أن السودانيين «ظلوا لعام كامل يؤكدون رفضهم لحكم العسكر بالتظاهرات السلمية»، مؤكدا أن «موقف الشارع أصبح واضحا تماما والذي يرفض الشراكة والتفاوض ومنح الشرعية للعسكر»، مؤكدا على «ضرورة تواصل الإضرابات المطلبية ودفع وتنشيط النقابات المهنية والتي ستعطل دولاب الدولة بشكل كامل وتسقط الانقلاب من الداخل».
واعتبر السياسات الاقتصادية التي تنتهجها السلطات في البلاد والضرائب الباهظة مؤشرا واضحا على قرب سقوط الانقلاب.
إلى ذلك، رأت ملاذ حسن (25 عاما) موظفة، في حديثها لـ«القدس العربي» أن «الشعب قام بدوره كاملا منذ انطلاق الثورة السودانية وطوال عام من الانقلاب العسكري»، مشيرة إلى أن «مواقف القوى السياسية المناهضة للانقلاب في أغلبها أصبحت لا تتوافق مع مطالب الشارع الرافض للانخراط في أي عملية سياسية مع العسكر».
////////////////////////

 

آراء