مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل

 


 

 

 

أجد نفسي متبايناً فكرياً مع الحركة الإسلامية، وبسبب هذا التباين خرجتُ منها لأن ما أتبناه الآن من فكرٍ لا يتفق وكامل شروط الإنتماء، ولكني سأحفظ لها حقها وفضلها أن علمتني أن أكون رجلاً. ورغم خروجي منها وما يقال عنهم كأفراد، الّا أني أشهد وأجزم أن فيهم رجالاً ونساءً يَتَحلّونَ بقدرٍ عالٍ من مكارم الاخلاق، ويكفيها فخراً أنها أنجبت أمثال محمود شريف وعلي عبد الفتاح رحمة الله عليهما، اللذان شهد لهما الأعداء قبل الأصدقاء بقوتهم في الحق وغيرتهم عليه. الّا أني قد صُدمت وأنا أري بعضاً من إخوان محمود شريف قبل يومين ومن خلال التلفاز في الجلسة الإفتتاحية لهيئة شوري الموتمر الوطني وكأني أنظر لقوم آخرين، يختلفون تماماً عما كانوا عليه فقد رأيتهم بلا روح.

هاتفني أحد الأصدقاء من الذين كانوا علي خلاف مع الإسلاميين بعد جلسة شوري المؤتمر الوطني مباشرةً قائلاً: كنّا نحترمكم ونهابكم جداً أخي الكوده رغم اختلافنا معكم كإسلاميين ولكن يبدو أنكم فقدتم هذه الخواص، فقلت في نفسي صدق رسولنا الكريم وهو يقول: (ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت). لقد لفتت نظري تماماً هذا المهاتفة وأنا استرجع ذاكرتي مستحضراً صورةً ذهنية للحضور، مما يجعلني أسائل نفسي لماذا كل هذا الخنوع؟ ولماذا يصل بهم الحال لِيُعدِلوا نظام حزبهم الأساس لكي يترشحالرئيس مرة أخري، مع احترامي له، ولتصبح بذلك سنوات حكمه ستةً وثلاثون عاماً، ولا أظنهم في حاجة لذلك فالخيارات أمامهم مفتوحة ومتاحة بصورة أفضل، ولا ينبغي لهم أن يحتقروا أنفسهم بهذه الصورة مما يجعل الإتهامات التي نأباها لهم تفرض نفسها علينا، خاصة وان الجلسة الأولي تحدثت بلسان حالهم بأكثر من لسان مقالهم المضطرب والمهزوز ، فلم أري تلكم الأذهان المتقدة والأفكار الثاقبة والعيون المليئة بالتفاؤل والأمل والشجاعة في الحق عندما كنّا تنظيماً، بل رايت وجوهاً وآجمة محبطة منهزمة وكأنهم قد أحيط بهم. وما لفت نظري أيضاً أن المرأة في القاعة لم تك تلكم المرأة الحديدية التي تجسدت فيها مقولة (التقلة صنعة) بل كانت مسخاً مشوهاً لأخوات نسيبة.

ولا أعتقد أن هنالك أدلة مقنعة لترشيح الرئيس لدورة أخري، بل الواقع والأدلة يقتضيان وبقوة ان تُضخ دماءً جديدة في مؤسسة الرئاسة لتجاوز هذا التكلس وهذا الجمود.

إخوتي الكرام في الحركة الإسلامية، لماذا والي متي كل هذا الانكسار وهذا الضيم وأنتم أعلم من غيركم بما يجري بينكم، وبما يجري حولكم في الحزب والوطن ؟ أترضون أن يكون كل ذلك خصماً علي تاريخ ومستقبل الحركة الاسلامية التي وئدت ولا تدري بأي ذنبٍ قتلت، والتي كان بامكانها أن تجدد نفسها وتطورها كما فعلت تونس، وقد كنا رواداً للتجديد في العالم الاسلامي، كما كان بإمكانها أن تعترف بأخطائها وتصحح مسارها، وفي تقديري لازال الوقت متوفراً للمراجعة، وعلينا أن نقتدي برسالة سيدنا عمر بن الخطاب في القضاء التي بعث بها لأبي موسي الأشعري (.... ولا يمنعك قضاء قضيته أمس فراجعت اليوم فيه عقلك وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق، فإن الحق قديم لا يبطله شئ ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، الفهم فيما تلجلج في صدرك ما ليس في كتاب الله تعالى ولا سنة نبيه ثم اعرف الأمثال والأشباه وقس الأمور بنظائرها....).

التحية لكل من عبر عن موقف واضح ضد تعديل الدستور ونسأله سبحانه وتعالى ان يوفقنا لصَوابِ العمل إنه نِعم المولى ونِعم النصير. اللهم اهدنا صراطك المستقيم.

مبارك الكوده، أمدرمان الثورة الحارة (20)، 10 أغسطس 2018

//////////////////////

 

آراء