مستقبل السودان ونظرية الكيكة التي لا تنتهي

 


 

د. أحمد هاشم
31 December, 2020

 

 

ماذا أخذ السودان من التطور العلمي والتقدم الحضاري الذي عمَّ البشرية على مدى الخمسة قرون الماضية؟

بُنيت نظرية التقدم الحضاري على أنَّنا لو اعترفنا بجهلنا ودعمنا بقوة البحث العلمي سوف يقودنا إلى زيادة الإنتاج والتقدم والرخاء. هذه النظرية تمَّت ترجمتها إلى مناهج اقتصادية قادت إلى استحداث نظم إنتاج جديدة، وزادت من كمية الإنتاج الكُلي للبشرية والتجارة والثروة. وقاد هذا إلى فتح طرق تجارة جديدة عبر المحيط الأطلسي دون التأثير على تجارة المحيط الهندي، أدى هذا التقدم إلى استحداث منتجات وتقنيات جديدة دون تأثير وتقليل من قيمة المنتجات القديمة الحرفية واليدوية. على سبيل المثال قد يفتح شخص مخبزاً جديداً في السوق متخصصاً في صناعة الباسطة والكيك والكروسانت دون منافسة المخبز الذي ينتج الخبز وإيقافه من العمل، لأنَّ أفراد المجتمع سوف تتعود أذواقهم على المُنتج الجديد ويشترون أكثر وأكثر، وببساطة يمكن أن يصبح الشخص ثرياً، وليس على حساب أن يكون الآخر فقيراً.
خلال القرون الماضية؛ طبَّقت الدول المتطورة هذه النظرية، وجعلت البشر يضعون آمالهم في المستقبل الأفضل وليس على الزمن الجميل، مثلما يدعي بعض الساذجين من السودانيين. هذه الثقة في المستقبل أدَّت إلى دخول مُنتجات جديدة للسوق مع بزوغ فجر جديد، وارتكزت في الأساس على الاقتراض من المؤسسات المالية. وقاد الاقتراض إلى زيادة رؤوس المال والنمو الاقتصادي المتواصل والثراء والثقة أكثر وأكثر في المستقبل الزاهر، وفتح أيضاً الأبواب لمجموعات رواد الأعمال وأصحاب المبادرات والأفكار الجديدة في الحصول على رؤوس الأموال لزيادة الإنتاج وتقليل البطالة. بالطبع لم يحدث كل هذا بين عشية وضحاها بل تطور على مدى قرون, ببطء مثل السباق في حلبة السلاحف، ولكنَّه فتح الأبواب المُغلقة أمام الملايين، بل البلايين كما في الصين للتقدم والازدهار وتوزيع الثروة بين أفراد المجتمع.
الآن عمَّ الاقتراض الحكومات والمؤسسات الاقتصادية والشركات العابرة للحدود والقارات، وعلى المستوى الشخصي يستطيع الفرد الاقتراض لشراء المسكن والسيارة وريادة أعمال تجارية جديدة. وبمرور الزمن انخفضت نسبة الفائدة على القروض على المدى الطويل لدرجة تقل كثيراً عن الدخل اليومي. في هذا المجال لا بد من الإشارة للاقتصادي الأسكتلندي، آدم سميث، الذي أوضح التالي: “لو أنَّ صانع الأحذية زاد دخله أكثر من حاجة عائلته سوف ينفق بعض فائض المال في تشغيل عامل إضافي لكي يزداد ربحه، وكلما زادت أرباحه زاد عدد العمال في مشغله, وبهذه العملية يزداد ثراء التاجر وثراء أفراد المجتمع على حد سواء”.
قد يتساءل القارئ: هل شملت خُطة النهوض بالسودان التطور في البحث العلمي والتقنية، في ظل هذه الحكومة التي يقودها الاقتصاديون ويحكمها العسكر بسيطرتهم على الثروة؟! وهل وضعت خطة لاستقطاب رواد الأعمال وأصحاب المبادرات والأفكار الجديدة من الداخل والخارج بامتيازات مشجعة دون الاعتماد فقط على الاستثمار الخارجي احتذاءً بتجارب رواندا وإثيوبيا؟! وأخيراً, هل نضع أملاً أكثر في المستقبل الواعد ونطبق نظرية التطور العلمي والتقدم الحضاري التي عبرت بدول شرق آسيا وبعض في أفريقيا إلى بر الأمان؟! أم سنظل نحكي بطولات الزمن الجميل لأطفالنا الذين يعيشون بين الكيبورد وعصر الخوارزميات؟
*أكاديمي وباحث ومهتم بالتنمية الريفية وفكر المستقبل
www.drahmedhashim.com
a.hashim@hotmail.co.uk

 

آراء