مسودة وثيقة تَجمّع المثقفين السودانيين .. البيان التأسيسي

 


 

 



في ظل: واقع التخلف والفقر والمرض الذي يرزح تحت وطئته الشعب السوداني. وتمزّق النسيج الاجتماعي. وتصاعد الحروب الأهلية. ونمو التطرف الديني الملازم للتراجع المريع للحريات. والانهيار شبه الكامل للدولة السودانية، بكافة مقوماتها. وافتقاد المشروع الوطني. وتجدد سؤال الهوية على نحو أحَدّ، وبتراجع فكري، مما كان عليه في الستينات. وبعدما فشلت القوى السياسية والحكومات المتعاقبة، في تثبيت دعائم دولة مدنية ديمقراطية يسودها الحرية والسلام والعدالة؛ كما فشلت في الحفاظ على وحدة البلاد وعلى أمنها واستقرارها. ذلك؛ في الوقت الراهن، تحت حكم نظام يمارس الإرهاب بمختلف أنواعه وأشكاله ودرجاته.
يجدر بنا كمثقفين أن نخرج عن انحسارنا ونعلن حضورنا العمومي بالتأسيس والانخراط في الجهد العام الساعي للتحرّر والتقدم. أن نخرج عن صمت العزلة والهامشية إلى ساحة الفعل المؤدي للتغيير؛ عبر مستوى متقدم من الفعل، بما يضمن مقاومة المثقف للسطحي والجاهز، لعدم استسهاله لاتخاذ المضاد المباشر للواقع، فالتناقض مع الواقع ليس تناقضاً شكلياً بل رهين بمدى استجابة الواقع للتغيير إذ يجب على حركة الثقافة ألا تخضع لقانون رد الفعل؛ فالثقافة هي الفعل نفسه، وإن أرادت أن تتعاطى مع فعل مقابل، فستجابهه أو تجعله يتمحور حولها، بفعل يشتغل على حركة المجتمع ويستصحب طموحاته المستقبلية، وفق معالجة قد يفرضها الفعل المقابل للفعل الثقافي لكن تظل الرؤية نابعة من العمق المجرّد للمعرفة. وبذلك يكون الفعل الثقافي أقوى منطقا وأكبر حجما من الفعل التخريبي.
إن تحولاً مفاهيمياً هاماً بأن الثقافة هي المدخل الحيوي للتنمية الشاملة، مما يستوجب تثبيت مكانة المثقف داخل المؤسسات المجتمعية المختلفة – والسياسية منها - وضمن نخبة اتخاذ القرار داخل هذه المؤسسات، بما يضمن الترقّي وتجاوز المطبّات التاريخية. إلا أن ذلك لن يتم قبل بناء وتفعيل تكويناتنا الثقافية، وفق نظرة مختلفة عما هو غالب الآن، وأعمق تجاه الهم الفكري والإبداعي، بحيث تنقل الفعل الثقافي إلى مستويات الإنتاج النوعي. الأمر الذي لن يتحقق ما لم يتم تجاوز دائرة العلاقات البسيطة والاعتيادية بين المثقفين إلى المؤسسية والموضوعية.
خاصة أن العديد من المؤثرين في حركة الثقافة في السودان، أو المتسلّطين عليها أو المتشبثّين بها والمتطفّلين عليها، لم يتجاوبوا مع التطورات التي حدثت في مجرى الفكر الإنساني ولم يستوعبوا تغيّرات الواقع السوداني، وظلوا يعيدون إنتاج الخطاب الرسمي المحافظ وفق شروطه وغاياته. في المقابل فإن الخطاب الرسمي نفسه - وعبر آليات تصريفه - قد عزّز من مكانة وسلطة هذا النمط من المثقف، ألا وهو الحارس الدوغمائي للتراث، بما يصب باستمرار، في اتجاه تكريس منطق القوى الاجتماعية المتخلفة، صاحبة المصلحة في الحفاظ على ما هو قائم؛ وإن اختلفت في ظاهر الأمر الرؤى والمصالح القريبة، لهذا النمط من المثقف، مع الخطاب الرسمي المحافظ.
وهو ما يتضافر مع عدم تحديد حركة الثقافة في السودان، موقفها، من مختلف التحديات والقضايا التي تطرحها الساحة العالمية، بل لم تحدد موقفها من الخطابات الفكرية الشاملة؛ الأمر الذي يشكك في الماهية المعرفية لجُل ما يصدر عن تيارات الحركة الثقافية في السودان. إذ إن عليها تجاوز المغالطات الأولية ومراجعة مواقفها ثم تعميقها من أجل أن تكون الاختلافات بينها تمايزات معرفية يمكن التأسيس بها وعليها.
وحتى ذلك، وفي سبيل امتلاك استراتيجية ثقافية، وكي لا نجد أنفسنا، في لحظة ضرورية وحاسمة، نفتقد إلى ما يلهمنا الطريق أو حتى ينظم جهودنا وينسق مبادراتنا؛ فإننا نتحالف كجبهة موحدة، من أجل نقر هامش الوعي وردم فجواته؛ لتحقيق الثورة على منظومة الفساد القائم، عبر إسقاط أقنعتها وتفكيك هياكلها. فالوعي الجمعي لن ينتقل من مرحلة التمرد إلى مرحلة بناء الثورة إذا لم يضع جميع القوى المخرّبة (التي تواجهه بشكل مباشر والتي تتجنى عليه)، في الخط المقابل للمواجهة.
وعلى ضوء الرؤية أعلاه، نعلن تشكيل تحالف إستراتيجي للمثقفين السودانيين باسم (........)، يقف بعيدا عن الاستقطابات السياسية بجميع توجهاتها، ويسمو - بالمقدار ذاته - عن مرجعياتنا الإثنية وعن معتقداتنا وأفكارنا. ويعمل التحالف بشكل ومضمون ديمقراطي مستقل ولا مركزي وبمبادرة جميع أفراده وعناصره.
الهدف الجوهري لهذا التحالف هو بناء وطن، وتقديم إنسان سوداني جديد إلى الحياة.
وتتحدد الآليات والوسائل والأهداف المرحلية لهذا التحالف، توجيهاً بما مدون أعلاه.

 

آراء