مصطفى عبد العزيز البطل

غربا باتجاه الشرق
مفكرة القاهرة (3)
مصطفي عبدالعزيز البطل
 mustafabatal@msn.com

 
 كنت فى مطار القاهرة حين حطت على مدرجها الطائرة التى أقلت كل من مستشار رئيس الجمهورية الدكتور غازى صلاح الدين، والأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان باقان أموم. و كان  السياسيان القياديان قد وصلا القاهرة فى طريقهما الى الإسكندرية، تلبية لدعوة مؤسسة مو إبراهيم لحضور الاحتفال بتسليم رئيس بوتسوانا السابق فستوس موغاى جائزة القيادة الإفريقية الرشيدة لهذا العام. إرتفع حاجباى من الدهشة و أنا أشاهد الحفاوة التى اُستقبل بها باقان. كبار الرسميين المصريين يتلقونه بالأحضان ثم ينقلونه فى سيارة ليموزين الى قاعة كبار الزوار، بينما إتجه غازى، مع بقية خلق الله، ليستقل الحافلة العملاقة، المتعددة القاطرات، وقد إصطف داخلها المئات من الركاب فى طريقهم الى صالة الوصول. مصدر الدهشة أن غازى يشغل منصبا دستوريا رفيعا فى جهازالدولة، بينما لا يحمل باقان أى صفة رسمية.  وهنا أبادر، أيها العزيز الأكرم، فأقول لك أن باقان و ليموزينه، وحفاوة بنى بمبة الظاهرة به، ليسوا من أغراضى. بل أن المشهد كله ربما لم يكن فى واقع الأمر مستوعبا أو مُعبرا عن المدلول الذى قد توحى به كلماتى، فمن أدرانى أن غازى لم يختر طوعا أن تحمل زيارته طابعا غير رسمى، أو أنه أغفل عن عمد إخطار السلطات المصرية بزيارته،  فهذا كله وارد و معتاد فى ممارسات كثير من شاغلى المناصب الدستورية!

  ثم أن المشهد فى مجمله كان قد غاب تماما عن ذهنى، حتى وجدت نفسى أطالع قطعة نثرية رائعة خطها بنان المستشار الرئاسى، فى رثاء المغفور له الدكتور عبد النبى على أحمد، الأمين العام الراحل لحزب الأمة. و من الحق الذى لا مرية فيه أن الله سبحانه و تعالى أفاء على غازى – ضمن ما أفاء عليه من فيوض نعمائه – قلما مطواعا و لسانا ذربا. و لا أذكر قط أننى قرأت غازى كاتبا أو سمعته متحدثا الا وقع منى كلامه –  وافق قناعاتى أو تجافاها – أحسن الوقع.  لفتت نظرى – و أنا أطالع المرثية التى تداعت خيوطها فى صورة تأملات حرة –  كلمات عن صديقنا الاستاذ حسين خوجلى، و إشارات للحظر الذى فرضته السلطات على صحيفته ( ألوان ). عبّر مستشار الرئيس عن حزن مُمض لذلك الحظر، و تمنى على السلطات أن تخلى بين حسين و قلمه، و أن تفك عن صحيفته قيد الأسر. كتب المستشارالرئاسى: ( أحزنني أن ذلك القلم المبدع قد انتزع منه لوحه، والقلم لا يغني شيئاً بغير لوح، فدعوت في سري بأن يُعاد له لوحه، وها أنذا أدعو له علناً. حضرني في تلك اللحظة شقيقه الشهيد عبد الإله، الذي كان من أعبد وأفضل من رأيت من الناس. ثم تذكرت جده الشريف أحمد طه، شهيد المهدية الأول، فقلت في نفسي إن لم يشفع شهيدان لحسين فمن يشفع له؟ ).

 هل ترانى قرأت إسم غازى صلاح الدين حقا على صدر ذلك المقال-المرثية؟ أم هى محض عوارض من تهيؤات عرضت لنا، إحتطبها عقل كليل عليل، إختلطت عليه الأسماء و الأشياء، فلقد والله إختلط علينا أمر الإنقاذ و المنقذون، فصرنا نرى الليل نهارا والديك حمارا. أولم يكن الدكتور غازى صلاح الدين من العصبة أولى العزم الذين جاءت الانقاذ على أيديهم وإستقام بناؤها على أكتافهم؟ ألم يكن الرجل فى الطليعة من منظرى النظام و مهندسى سياساته و صناع قراراته؟ ألم يكن من رجال الصف الأول، له الصدر دون العالمين، فى تنظيمه السياسى الحاكم؟ ثم ليقوّمنى أهل النهى إن كنت أهرف بما لا أعرف: أليس الدكتور غازى صلاح الدين من يشغل غداة يومنا هذا منصب مستشار رئيس الجمهورية، و يمارس مسئولياته الدستورية من مكتبه فى القصر الجمهورى، على مرمى حجر من مكتب رئيس الدولة؟! إذن فمن  يكون هذا – الغازى الآخر – الذى يعتصره الحزن على مصاب حسين المبدع بعد أن أنتزع منه لوحه؟ من يكون هذا الغازى الآخر، الذى يشكو ضعف حيلته و هوانه على أهل السلطان، فلا يملك إلا أن يدعو الله في سره أن يُعاد اللوح الى حسين.  ثم يُعالن بالدعاء بعد إسرار، فيناشد أولئك الذين نزعوا اللوح أن يتقبلوا فى الرجل شفاعة أخيه، الذى بذل روحه قربانا على مذبح الحركة الإسلامية، و جده، شهيد المهدية الأول، الشريف أحمد ود طه؟

 سبحان الله، لماذا يدعو غازى ربه – فى السر و العلن – أن يرفع الضُر عن مظلوم؟ لماذا لا يشير، وهو المشير، فيُتّبع، و يأمر، وهو الآمر، فيطاع، فإذا الضُر قد إنزاح و إذا العدل سيد الموقف؟ أم ترانا إنطبقت علينا ووافتنا نذارة الفيتورى: ( الغافل من ظن الأشياء هى الأشياء ). فالأشياء إذن ليست هى الأشياء، و المناصب والمواقع والمسميات ليست هى المناصب والمواقع والمسميات. و من كنا نظن أن الأقلام بأيديهم، فلا يكتبون أنفسهم أشقياء، و يشاؤون فى شئون الدولة ما يشاؤون، يقولون لها كونى فتكون، ليست فى أيديهم أقلام و لا يحزنون.  بل هم أشقياء، و مثل الأشقياء من سواد الناس، لا يملكون الى مُراد نفوسهم سبيلا غير شفاعة الموتى و الدعاء الى الله – فى السر والعلن – أن يُقيل العثرات و أن يلطف فى القضاء!

 بإسم غمار الناس من أبناء هذا الوطن الطيب المعطاء، المرابطين فى الداخل، والمهاجرين فى أصقاع الأرض، أرحب بالدكتور غازى صلاح الدين بين ظهرانينا. أخ كريم و إبن أخ كريم. و لأنك كذلك فإننا نريد أن نصادقك فنصدقك الخبر، ونناصحك فنمحضك النصح.  لو دعوت الله – يا أخانا – فى سرك و جهرك، أن يرفع سيف الحظر عن قلم الحسين ولوحه،  فانظر حولك، ستجدنا، إن شاء الله، عن يمينك و عن يسارك و بمحاذاتك، القدم بالقدم والكتف بالكتف، نصلى و نسلم، و ندعو بدعائك، ثم نمسح الوجوه براحاتنا.  و لكننا عندما نفعل ذلك، لا نفعله لأن الحسين شقيق أصغر للشهيد عبد الإله خوجلى، و لا لأن جده الشريف أحمد ود طه، و لكن لأن حرية الفكر والتعبير، إنما هى هبة الله – خالق الشعوب وواهب الحريات – الى الخلق، و نداء العصر و شعاره، و ركن ركين من من الحقوق الأساسية التى تواضعت عليها الأنسانية، وإستمسكت بعروتها الوثقى الشعوب الحرة، التى نطمح الى أن نكون فى فسطاطها.

 عن صحيفة ( الاحداث )

  مقالات سابقة:

 مفكرة القاهرة ( 2 )

  http://sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=4506

 مفكرة القاهرة ( 1 )

http://sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=4419

سباحة حرة فى نهر عطبرة (4)

http://sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=4395

 

مطالعة في طروس كبير العسس و البصاصين ( 2 )

 http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=4354

مطالعة فى طروس كبير العسس و البصّاصين (1)

http://sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=4319

 

 متابعات و مراجعات: سنسر، يُسنسر، سنسرة

http://sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=4285

الوثائق الأمريكية دخلت الحوش!

http://sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=4251

 أولاد الاُسر .. و أولاد الكلب!

 http://sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=4191

 

بصراحة أكثر .. عن المنظمات و الأموال و الشفافية!

 http://sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=4158

دافعوا عن حقوق الإنسان .. ولكن بالأصول!

http://sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=4124

ملحمة أونغ تسوشي و ملهاة الميرغني!

http://sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=4092

كلام لا يصلح للنشر!

http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=4055

 وطنية .. أم إستبداد بالرأي؟

http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=4018

يسألونك عن تحقيقات الأوبزيرفر!

http://sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=3987

أبوبكر عثمان في بلاط الدبلوماسية والسلطة ( 3 )

http://sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=3941

أبوبكر عثمان في بلاط الدبلوماسية والسلطة ( 2 )

http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=3904

أبوبكر عثمان في بلاط الدبلوماسية والسلطة   (  1 )

http://sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=3877

عودة الي الرجل الذي في بيتنا !

http://sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=3848

أنصروا أخاكم فاروق حسني!

http://sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=3794

في بيتنا رجل .. مصري!

http://sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=3752

ساحرات .. في حضرة الرئيس!

http://sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=3728&PN=1

 سباحة حرة في نهر عطبرة ( 3)

http://sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=3673

سباحة حرة في نهر عطبرة ( 2 )

http://sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=3626

سباحة حرة في نهر عطبرة ( 1 )

http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=3585

ميثاق التراضي مع بني عبس!

http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=3546

كل القوة .. خرطوم جوّه !

http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=3486

منيسوتا: صور سودانية امريكية!

http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=3410

مقالات الاستخباريين!

http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=3360

ل (سعاد) قصة تروي !

http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=3305

الثورة والانقلاب: اشكالية التوثيق وتصفية الحسابات

http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=3265

 قالوا لفرعون مين فرعنك قال: حسن ساتي!

http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=3211

الأنبياء الكذبة : الوجه الجديد لعبدالعزيز خالد!

http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=3155

عبدالله جلاب وجمهورية الإسلامويين ( 3 – 3 )

http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=3100

عبدالله جلاب وجمهورية الإسلامويين ( 2 – 3 )

http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=3047

عبدالله جلاب وجمهورية الإسلامويين ( 1 – 3)

http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=2984

عبدالوهاب الافندي و الدولة الاسلامية  (   2 -2 )

http://wwww.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=2912

عبدالوهاب الافندي و الدولة الاسلامية  ( 1 – 2 )

http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=2838

صاحب الربابة و ابتلاءات الكتابة!

http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=2782

انتخابات صلاح قوش!

http://wwww.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=2723

رجال حول حرف الدال!

http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=2673

أحزاب الهرولة!

http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=2603

د. كمال ابوسن: استثناء ام قاعدة؟

http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=2541

تجليات النخبة و خيبات العوام

http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=2497

المفترون علي الصادق المهدي

http://wwww.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=2458

مِحن سودانية امريكية!

http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=2368

اسماء حقيقية واسماء مستعارة!

http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=2326

ثمانية ايام في مصر المحروسة – الجزء الثالث

http://wwww.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=2260

ثمانية ايام في مصر المحروسة – الجزء الثاني

http://wwww.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=2217

ثمانية ايام في مصر المحروسة – الجزء الاول

http://wwww.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=2172

المستشار خالد المبارك و الملياردير محمد فتحي

http://wwww.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=2088

وقائع الايام الاخيرة في حياة عبد الخالق محجوب

http://wwww.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=2048

يا امة ضحكت من كذبها الامم!

http://wwww.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=2003

حسب و نسب توت عنخ آمون: ملحمة امريكية لتحرير التاريخ

http://wwww.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=1981

أسواق عكاظ ام منابر لتنمية الديمقراطية؟

http://wwww.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=1968&PN=1

تأملات في فقه التمكين

http://wwww.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=1967&PN=1

صحة الرئيس “زي الفل”!

http://wwww.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=1966&PN=1

اوكازيون الشهرة

http://wwww.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=2124

انتهازيون بلا حدود!

http://wwww.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=1965&PN=1

في سيرة الأحساب و الأنساب .. والاعصاب!

http://wwww.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=1964&PN=1

امريكا: الهجرة اليها افضل من “ضرابها”!

http://wwww.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=1963&PN=1
 
 

شاهد أيضاً

السودان بين أنياب المحاور: هل تُعيد الرباعية إنتاج الفوضى الإقليمية؟

انضمام مصر إلى الرباعية المعنية بالملف السوداني (الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات) لا يمثل مجرّد توسعة …