معادلة النصر وحفظ الأرواح

 


 

محمد عتيق
20 March, 2019

 

خارج المتاهة

( ١ )
كلمة سابقة في هذا الباب بعنوان (نحو مزيد من التعافي)،٤ مارس ٢٠١٩ ، جاء في ختامها "هيا نتخلص من عيوب الانطباعية في المفاهيم والمواقف ، ومن التكرار والترديد لها دون تبصر" ، "هيا نستعيد - تحت ظلال الثورة - قيمة الكبير وتوقيره ، ان نختلف لكننا نحترم" .. لأن العيوب التي رجونا أن نتخلص منها ، والقيمة التي اردنا استعادتها أو الحفاظ عليها هي الصراط لوحدة قوي التغيير والمستقبل ، في نداء السودان وقوي الاجماع ، وتماسكها بقوة وحب مع تجمع المهنيين دون التفات .. تجمع المهنيين هو مهندس الحركة الصاعدة للثورة وقائدها ، وعضوية الاحزاب مع بقية ابناء الشعب هم وقودها وشعلتها ، وهم الذين مهروها بأكثر من خمسين شهيداً ، شهاباً ، نيزكاً ، عطروا ساحات المدن والقري في بلادنا وفاح عطرهم ارجاء المعمورة أينما تواجد سودانيون ليدفعهم نحو التنادي والوقوف امام السفارات ومؤسسات العالم البارزة بالهتاف والشعار والمذكرات التي تشرح ثورة السودان وتنثر عبقها .. اما الدور الرئيسي للأحزاب وقياداتها فهو السعي لنجاح الثورة وظفرها وتفادي الخسائر قدر طاقتهم وقدرتهم ، والخسائر الأهم في التوفير هي أرواح شبابنا ودمائهم ، أن تطرق كل الأبواب وتسلك كل السبل الشريفة في سبيل ذلك ، فالشهيد هو سيد الجميع الأكثر صدقاً ووطنيةً والأنبل عطاءاً ، وبالتالي فان شباب الثورة من (مشاريع الاستشهاد) هم الذين سيعطون أجود العطاء للدولة وللمجتمع بعد الانتصار ، وعليه هم الأجدر بالصيانة والمحافظة ، ولا سبيل الي ذلك غير البحث عن حلول سياسية لا هدف لها سوي نجاح الثورة وانتصار شعاراتها وأهدافها التي تم تلخيصها بإبداع شعبي في "تسقط بس" ، نعم ، هدف إسقاط النظام وإقامة البديل الوطني الديمقراطي ، ولا هدف سواه ، صحيح يمكن تحقيقه بالمثابرة في التظاهر والثبات أمام اجهزة القمع ورصاص المليشيات وتقديم المزيد من الشهداء وصولاً الي العصيان المدني الشامل الناجح ليركع النظام وينهار ، وبنفس القدر ، او نفس الوقت يمكن تفكيكه : تجمع المهنيين يضغط بتصعيد الثورة ، وقيادات الأحزاب تبحث وتساهم في ايجاد حل سياسي سلمي يوفر لنا تلك الأنفس العزيزة الغالية ، علي ان تسود بين الجميع (في كل الأحوال) مشاعر الثقة والمحبة ؛ لا تخوين ولا إدانات مجانية مسبقة ، خطهم الأحمر الوحيد هو انتصار الثورة وتحقق شعارها "تسقط بس" طريقاً للتحول الديمقراطي الكامل واستعادة الوطن وتطبيبه ..

( ٢ )
الاضطراب الذي يضرب الطاهر حسن التوم ويلفه ، والهياج المثير للعنصرية والطائفية (وللشفقة) في احاديث حسين خوجلي المبثوثة ، والجفاف الضارب أفواه بعض رؤساء التحرير وكتبة النظام المتلعثمين الذين تستضيفهم الفضائيات ، وقد أرعبتهم العبارة التي ترد في هتافات الشباب : (أي كوز ، ندوسو دوس ، ما بنخاف ...) أرعبتهم ، يتلمسون حالة كونهم (كيزان) سيطروا علي البلاد ورقاب العباد ثلاثين عاماً يحسبون فيها الأنفاس ، يعبون من الدنيا ونعيمها عبا ، كل أشكال النعم ، ويصيبون الناس رهقاً في رهق ، لا يعرفون حقاً لآخر ، والآن ، لاحت أمامهم علامات السقوط والمغادرة ، ساعة الحقيقة ، ممزوجةً بالهتاف (اي كوز ندوسو دوس) ؛ نود ان نقول لهم انها مجرد عبارة للحماس ، لكنها ايضاً رسالة مفادها "القصاص" ، ليس القصاص بالمعني الجديد الذي أتت به الرئاسة بأنه "القتل" ولكن بمعني استعادة حقوق الوطن والمواطنين المادية والمعنوية .. ثم نقول لهم بوضوح أن ثورة السودانيين ترفع "السلمية" شعاراً لها ، وظل شبابها يمارسها بإبداع وحس انساني مرهف حتي في سلوكهم مع من يتعثر من الجلادين (أفراد الأمن والشرطة) ، وأن قلبها - قلب الثورة - حتي بعد الانتصار - لا يحمل حقداً ولا يحتمل ، ولكنها ستعمل بمسؤولية صارمة علي استعادة الحقوق ، حقوق الوطن والمواطنين ، وإبراء الجروح بالكيفية التي يتم الاتفاق عليها وأمام المحاكم الطبيعية تحت ظلال عدالة شاملة ، وأن كل المطلوب منكم ومن غيركم الخضوع للحساب العادل : استعادة حقوق الشعب والوطن المادية المنهوبة ، أية عقوبات اخري يقررها القضاء (المستقل) سواء بالسجن او الغرامة ....الخ في هذا الخضوع للمحاسبة تظهر معادن الناس الأسوياء وإيمانهم بالعدالة ، وفي هذا الخضوع للعدالة تظهر قيم (الحق والخير والجمال) التي تتحدثون بها علي أوراق الصحف وشاشات الفضائيات فقط من باب "التفلسف" واستعراض المهارات اللغوية ..

 

آراء