معالم في طريق الثورة

 


 

 

 

الثورة مشروع معاناة طويل ضد الظلم والطغيان ، تتخلق وتكتمل في رحم الشعب كما يتخلق الجنين ويكتمل نموه البنيوي في رحم أمه ، نطفة ثم علقة ثم مضغة و قوةً وعقلاً وعاطفةً ، عندها تُولد سوية ومعافاة بديلاً واعياً بواقعه مكاناً وزماناً ، أما إذا خرجت دون أن تُكمل مراحلها وتُشذبها فلن تحقق أهدافها كاملةً ، كما أنها ليست مشروعاً غاضباً وجاهلاً و منتقماً لإزالة النظام ، إنما هي غضبة الحكيم النبيل الواعي والمصلح ، فقد أزلنا من قبل الفريق عبود والمشير نميري وأزال الليبيون معمر القذافي واليمنيون علي عبد الله صالح فكل هذه الثورات لم تؤتي أكلها لانها لم تكن مؤهلة ومحصنة بقيم التغيير فخرجت مشوهة بسبب نقصان الوعي والتكوين ( فاعتبروا يأولي الأبصار ) ٠

ما يجري في السودان اليوم ثورة حقيقية اكتملت في دواخل الشباب الواثق من نفسه العارف بقضاياه ولكنها تحتاج ابتداءً أن تُهذب نفسها وتنقي ثوبها من الدنس الذي عَلُقَ بها وتنفي عنها خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد ، ودنسها وخبثها لمسته في هيجان كثير ممن يدّعونها من العجائز الذين لا يتحلون بأدبها ولا أخلاقها واليكم فقط ومن باب المثال ما قاله ممن يُسمي بخالد محي الدين وهو يخاطبني شخصياً في تسجيلٍ له ( ٠٠٠ يا سيد الكوده انا حا اقولها ليك بوضوح شديد جداً تصدق بالله نحن في هذه الثورة ندعو لقبول الهاربين من سفينة الإنقاذ لموقف تكتيكي ما مبدئي !! موقف تكتيكي عديل !! وذي ما قالها ليكم صلاح قوش والله وبالله بعد سقوط هذا النظام دا حا تتم تصفيتكم بمعني الكلمة ، والله يا الكوده ما أتصور انو انت أو غيرك حا تفلت من العقاب ٠٠٠ فبالله عليك يا الكوده حاول كف عن التلاعب وعن المسخرة ٠٠٠ نوع من السخف ونوع من الاستعباط باسم الاسلام ٠٠ كوده وما ادراك بالكوده مالي الفضاء بالتسجيلات والمناقشات والحلول ٠٠ ها دول مجموعة من الجبناء ٠٠ جاك الموت يا تارك الصلاة والشعب دا فاهم اللعبة كويس والله نحن قاعدين نضغط علي الشباب وعلي الثوار ديل في قبول الهاربين من سفينة الإنقاذ لكن الشباب ما بيقبلوكم ٠٠ فيا السيد مبارك الكوده أرجو انك تستحي وتخجل وتصمت وتحمد الله انك لا تزال بخير وحي ترزق والله أوعدك بالاستهداف الشخصي مني انا خالد محي الدين ٠٠٠ الخ )

ذات المعاني والألفاظ خرجت من البروفسير النقرابي وغيره ، ولا أريد تعقيبا عليهم فإنه هراء جاهل ، وكان ينبغي لأهل العلم والتجربة والخبرة ان يساهموا بما يُعبّدون به الطريق لحلم وتطلعات هذا الشباب الجميل الواعي من الجنسين ونعينهم بخطاب المرحلة وضمير الثورة الواعي بدلاً من هذا السخف ، وللأسف فقد طغى نوع هذا الخطاب الساذج والمتخلف ، ورغم أني أعلم علم اليقين أن المدعو خالد وأمثاله من المتسلقين لا علاقة لهم بالثورة ولا بشبابها الذين يتحدثون بلسانهم بهتاناً وزوراً ، ولكن نصيحتي للشباب أن يعي أن هذا التدافع السالب سُنة اجتماعية من سنن الله تلازم سنة التغيير ، فالحق الذي يريد أن يزيل الباطل لا يسلم من باطلٍ يعتريه ( فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض ) الزبد في هذه الآيه هو الباطل والماء هو الحق وكلاهما يجري مجرىً واحداً ، وللأسف لم نقرأ أو نسمع في هذه المرحلة من كُتّاب الوعي من أهل العلم والتجربة والخبرة ما يُعبّد الطريق أمام ثورة هؤلاء الشباب ، فهم لا حاجة لهم منا بهذا الغثاء الذي أمتلأت به الاسافير أنما حاجتهم لصوت الحكمة والعقل ٠

ثورتي ضد هذا النظام ثورة فكرية من خلال تجربة طويلة لا علاقة لها بفساد الحواس إنما تستهدف فساد الفكرة التي أنتجت فساد الحواس وقد اعترف النظام ورئيسه قبل الآخرين بفساد التجربة التنفيذية والسياسية ٠

ختاماً أنصح أخوتي ( العجائز ) والذين تجاوزوا الستين عاماً أن يساهموا بتعبيد الطريق أمام الثورة ، والذين يظنون أن الذي أساهم به في هذا الحراك خوفاً من محاسبة آتية أو طمعاً في موقع دستوري فهولاء يطعنون في رجولتي ووطنيتي فأنا الحمد لله أكبر من ذلك فإن كانت لي حياة ووافيت التغيير فسأذهب للمحكمة بنفسي لتقول كلمتها ، كما انه ليس في خاطري مجرد أن أتبوأ موقعاً ليس زهداً مني ولا خوفاً من تاريخ وطني ، فقط لان العدل يقتضي الّا أُكلف مرة أخري بمنصب دستوري أو تنفيذي بعد هذه التجربة وهذه السن ، فالحق لمن هم أقوي مني ومنكم عوداً وأعلم مني ومنكم بزمانهم فليت العجائز يلتزمون بما التزمت به٠
اهدي هذا المقال لتلك الكنداكة التي رأيتها في أحد الفيديوهات وهي ترد البمبان بجسدها الرشيق وبيديها الرقيقتين للذين قذفوها به أولاً ( البادي أظلم ) برغم صياح أخوانها المانع من الشباب وأتمني لها كأب من كل قلبي أن تهنأ بسودانٍ جميل وأن تخضب يديها الرقيقتين بحناء الرفاه والبنين في القريب العاجل ٠٠ آمييين يارب العالمين ٠

مبارك الكوده
امدرمان الثورة الحارة ( ٢٠ )
١٧ / مارس / ٢٠١٩

 

آراء