مع دكتور أحمد علي سالم “الطير المهاجر”

 


 

 

drabdelmoneim@yahoo.com
(1) الإحباطات الحياتية اليومية تتجدد كل يوم وليلة , ليس فقط فى السودان وحده بل فى كل أقطار العالم خاصة بعد وقوع جائحة الكورونا عالميا ً. أما إحباطات أهلنا داخل الوطن ، بالذات خلال هذه الأيام وإن تفاقمت، فهى قديمة ومزمنة منذ عقود مضت عجافا كانت وناراً إكتوت بها فقط الشريحة "الفاضلة" الكبيرة من معظم المواطنين الشرفاء، تمثلهم تلك الصور التى تدمي القلوب ونراها كل يوم مثلاً " أطفال الدرداقات وستات الشاي والفلاحون فأدواتهم بدائية هي ونحن فى القرن الحادي والعشرين"السلوكةوالمنجل والطورية"
، وغيرهم الكثيرون من المهمشين ( البدو والحضر لا فرق) الذين لم يتذوقوا رحمة راعي الرعية أو الحصول على زكاة أموال أقاربهم لأن كل شيء كان يتحكم به " فى الميزان" النظام المسيطر " على كيفه " وساد فى دواوين الحكم من ينطبق عليهم " ويلٌ للمطففين" وواقع الخلاصة الحتمية للغافل منهم عن قصّر أيام الحياة يبقى هو "خسران الطالب والمطلوب". فالذي يجري اليوم فى السودان هو نتيجة تراكمات الخراب الذي جعل من ذلك البيت الذي كان غنياً قوياً ومضيافاً أن يتحول إلى خراب تنعق فيه البوم ، يصعب بوصفة سحرية إصلاح جدرانه التي صارت " شُرَّاماً" خلال يوم وليلة !. السودان رغم عدد ما يتمتع به من بروفيسورات ودكاترة وخبراء فى الداخل والخارج فى الإقتصاد وغيره من التخصصات الهامة نجده يقع ويقوم أثناء مسيرته التصحيحية نحو سودان جديد معافى . كلنا نريد الحرية، لكن لا نريدها فقط هكذا مطلقة بدن ضوابط إنسانية ومقبولة (صارت للأسف فوضوية) بل نريده حقيقةً أن ينعم بالرخاء والازدهار المرجو المثالي المنافس ومن ثم سيعم الإستقرار وراحة النفس وعندئذ ستكون حرية التعبير المنشودة حضارية ليس فى الشارع فقط بل حتى على منابر عديدة تجمع الناس مع بعضهم ( فى الجامعات والجوامع أو المحاكم أو الندوات السياسية وداخل المجالس البرلمانية أو حتى فى الشارع العام والأسواق). الخروج من حال البلد المتأزم لا يكون بإنتظار ما يتفضل به علينا آخرون من هبات دول لها ما بعدها ، ولا بالتهور بوضع المتاريس فى شوارع العاصمة وتعطيل حركة الحياة اليومية التى أصلها قد تحددت مسافاتها نتيجة الغلاء الفاحش بسبب التضخم وغلاء المحروقات وصعوبة الحصول على الأكل والشرب. ولا يكون الحل بإستخدام الفظ من القول وشتم الغير على منابر الجوامع أو قنوات معارضة أو فى الشارع بغير أساس وموضوعية. لكن ما هو سبب التضخم؟ هو معروف فى جملة خبرة لا تحتاج إلى شهادة تخرج فى علم الإقتصاد . كلنا نحسه يومياً " قلة فى الإنتاج والصادرات وتضخم حجم الواردات المكلفة " وفقر مدقع فى البنية التحتية وورثة مثقلة من البطالة وسط الشباب خاصة الخريجين من الجامعات" . إذاً الحل في ما أراه توظيف كل الإمكانيات التى يتمتع بها السودان فى نفرة جامعة للنهوض بالإنتاج الوطني خاصة فى مجال الزراعة ( وأكرر الزراعة ) والثروة الحيوانية ومعالجة ما نصدره "صناعيًا محلياً" وبمواصفات عالمية منافسة للإستفادة من أي قيمة مضافة. هذا الكلام قد كتب عنه وتحدث فيه الكثيرون من ذوي الاختصاص خاصة الإقتصادية والسياسية . نحن نشتري هنا فى أروبا منتجات السودان بأسعار خيالية ( مثلا
الكركديه والسمسم وزيته ). الكركديه يخلطونه مع أعشاب أو فواكه مجففة ويباع كشاي أعشاب صحي داخل عبوات قنينات بلاستيكية جذابة المظهر والتصميم وكذلك زيت السمسم يباع فى زجاجات صغيرة ويكتبون على مصدر المنتج ( المصدر ؛ دول متعددة ) . أعرف شخصاً بحث عن مصدر هذه الدول فقيل له "إنها السودان " وإن كان المكتوب على القنينة " الصين" فهو زيت من سمسم سوداني خالص. الفواكه والخضروات السودانية لا تجد طريقها للتسويق عالميا ً نتيجة سوء البنية التحتية ووسائل النقل والتصنيع المحلي وحتى النظام الجمركي القابض ( واسباب أخرى كثيرة). مساء الأمس شاهدت صدفة مقابلة مع شيخ من أعيان مدينة طوكر ( توكر) على قناة شرق السودان ، مهنته ترحيل الخضروات والفاكهة من توكر إلى بورتسودان. قال زمن الستينات يعيش ملكاً آخر يومه عندما تكون حاصلة دخله خمسة وعشرين جنيهاً. يندب حظه اليوم الذي يكلف حياته صرف الملايين فى كل صباح!

(2) عودة مع العنوان أعلاه:
فى هذا الصباح وصلتني رسالة بريد الكتروني خففت عليّ ثقلاً من الإحباط يكمن داخل الفؤاد وانا اليوم أعيش نفس إحباط الشارع السوداني المستمر منذ عقود وأيضاً كغيري من كل تلك الطيور المهاجرة فهمنا يكمن فى خوفنا على الوطن من الضياع ، فالسودانيون كلهم يمثلون جسدا ً واحداً وإحساسهم واحد وإن فرقتهم الغربة أو حتى الأقاليم داخل الوطن فتظل المشاركة فى هموم الوطن واجب بل فرض عين، وإن لم يكن ذلك هو الحل السليم او المنقذ من الضلال فهو على الاقل يكون جبراً للخاطر ومحاولة إسعاف ما يمكن إسعافه خاصة عندما يداهم بعضهم المرض . الرسالة كانت من أحد الطيور. المهاجرة " زميلي وصديقي الدكتور أحمد علي سالم ، إستشاري الأطفال بالإمارات العربية المتحدة، حفظه الله. فهو ذو ذائقة فنية وثقافة عالية ويحب وطنه السودان . كانت الرسالة عبارة عن تحميل عبر هذا الرابط على اليوتيوب https://youtu.be/wyieY3dyb8k . رديت عليه بالآتي:
صباحكم خير وبركة وعافية ومعافاة وتحقيق كل السعادة وأجمل ما تتمنون.
"الطير المهاجر" ، عنوان يتكون من كلمتين لا غير لكنه لكبير !. العنوان يحمل حملًا ثقيلًا "ملحمة رحلة أبدية " تحملها ملايين الطيور أثناء رحلتها الموسمية وتبقى الرسالة " الجوهرة " شعلة مضيئة خالدة تطوف فى أجواء الفضاء إلى أن تقوم الساعة. هي ايقونة شاعر فنان " اجمل اشعار صلاح " وعصارة أحاسيس قلب رقيق وصادق ينبض بحب الوطن وأيضاً أيقونة لحن وأداء فنان كان أستاذاً ووطنياً روعة ، نوعه لن يتكرر " محمد وردي" . رحمة الله عليهما. شكراً أخي العزيز دكتور أحمد على الإهداء وحسن الإختيار ( مليونين ونصف مشاهدة قليلة فى حقها وحقهما).أما صحبتي لتلك الطيور بانواعها فقد كانت وظلت منذ صباي بل بداية الطفولة، صحبة محبة صديقة ، أحلق معها فى الأجواء بلا نهاية ، وموعدي معك أنت يا نيل ويا الشباك الصغير لم يحن بعد ، وحتى ينكسر الظلام بشروق صباح جديد يبقى الليل الطويل والسفر الطويل نستمتع به بحرية مطلقة عبر محطات لا تحتاج توقيف او سؤال عن تذاكر أو جوازات سفر. ويبقى لكل مواطن شريف ونظيف السودان هناك "فهو نعم الوطن" يتنظر المنقذ الحقيقي الجاد الواعد بسودان جداً جديد ينعم فيه "الجيب" إقتصادياً وعافية فى السلوك العام وتحقيق الأمن والرفاهية من تعليم وصحة ونهوض بمستوى المواطن لتمثل الصورة مجملة نوعاً حضارياً من الحياة ونظام الحكم يحتذى فى مناخ كله" حرية، وسلام وعدالة". أعتقد أن الشاعر صلاح كان يقصد ذلك وهو يردد صادقاً السلام "من بابه من شباكه سلام"
ياحكامنا التركة ثقيلة، شمروا، شاوروا وأصدقوا وفقكم الله

(3) من القلب للشباب الواعد:
عليك السلام ياوطن وعليكم السلام يا شباب الوطن ومستقبله المنتظر، رجاءاً تعقلوا واسمعوا النصيحة: أتركوا سياسة المتاريس هذه التى قد أدت دورها يوماً كان مشهوداً ، رحمة الله على من استشهد فيه وربنا يجبر كسر من تعوق فيه و" عليكم عوضاً " إتخاذ التعبير الراقي والمطالب المستحقة بالمسيرات السلمية ، وليكن طرحكم لقضاياكم ومشاكل الوطن "حتى وإن كان لديكم سابق رأي" هو البحث الجاد عن حلول جذرية لها بالندوات وورش العمل الهادفة وأن لا تنسون الإستفادة ( إستشارة وقولاً ودراسة وفعلاً) بالتنسيق مع كباركم ومعلمين درسوكم ومن أصحاب خبرة تراكم السنين والإختصاص داخل وخارج الوطن. لا راحة ولا إستقرار ولا رفاهية ستتحقق من دون إجتهاد ودراسة بحثية وسعي وعمل.
د. أحمد اشكرك
عبدالمنعم

 

آراء