ملائكة الرحمة , علموهم كيف يبتسموا في وجوه الأخرين

 


 

 

بحكم مروري اليومي بشارع ميز الاطباء في( بورسودان) تتملكني الدهشة ,وانا اري حالة من البؤس تخيم علي هذا المبني ,لا تتناسب مع اللافتة التي تحمل اسمه, وتنعدم فيه اهم مقومات الحياة الكريمة لملائكة الرحمة, فتخيلوا معي لو كان هذا سكنا لظباط من القوات النظامية فكيف سيكون حاله....؟ فواهن من يعتقد ان امريكا قد تفوقت علينا بفضل ترسانتها النووية وقوتها العسكرية, فتقديس الاستاذ والعالم والمفكر والمبدع في تلك الاوطان لا يعادلها عندنا الا احترام الضابط والعسكري....! وفي حقبة الوالي السابق ( ايلا) تم تشييد مبني فخيم يسر الناظرين لسكن الاطباء والكوادر الصحية , ولكن السلطات حولته الي شقق فندقية ,وكأن أمر هؤلاء لا يعنيها .....! فالراحة النفسية اذا توفرت للاطباء ستنعكس أيجابا علي ادائهم في العمل,فمساكن الأطباء والكوادر الصحية في هذا الوطن تنوء بالاهمال و تعطي اشارة سالبة مفادها عدم الاهتمام بهذه الشريحة المهمة التي اصبحت تشتكي لطوب الارض و(لكن لا حياة لمن تنادي) فمعاناة الأطباء في هذا الوطن المنكوب هي العنوان الأبرز لوطن أصبح أعزة اهله أذّلة, وأصبح السودان ملطشة للعربان علي مقولة الكاتب الأردني فهد الغيطان ابان أزمة الطلاب الأردنيين الممتحنيين للشهادة السودانية, حتي أحمد منصور المذيع بقناة الجزيرة المحسوب علي جماعة الأخوان المسلمين لم يراعي (خوته) مع اخوان السودان فسخر منا هو الأخر عبر تغريدة نشرها في صفحته الشخصية(حتي السودان قررت منع استيراد الخضر والفواكه من مصر بسبب تلوثها بمياه المجاري والسموم التي يتجرعها الشعب المصري) متهكما فيها من قرار الخرطوم بحظر استيراد الخضر والفواكه المصرية هذا القرار الذي لفت نظر العالم الي فضيحة هذا الوطن الذي كان تنبأ له الخبراء بأن يكون سلة غذاء العالم قبل أكثر من خمسون عاما , فالحركة الاسلامية هي الخطر الحقيقي الذي احال الوطن الي افلام للرعب ,ولا وجود لأي خطر علي السودان الا بقدر ما احدثه هذا النظام تمزيقا لقيمنا الأجتماعية وتصدعا في تركيبتنا القومية.

معاناة الأطباء روتها الأحداث الدراماتيكية المؤسفة التي شهدتها مستشفي ام درمان قبل ايام ،وأثر هذه الأحداث تواصلت ردود الأفعال واعلنت لجنة الاطباء المركزية في بيان بحسب "صحيفة الجريدة 25/9/2016 الاضراب العام عن العمل في عدد من مستشفيات العاصمة الخرطوم تضامنا مع أطباء مستشفى ام درمان على خلفية الاعتداء الذي تم عليهم أثناء تأدية مهامهم، مطالبة في بيانها بتوفير الحماية للأطباء من الاعتداءات المتكررة والقبض علي المعتدين وردعهم لمنع تكرار مثل هذه الاعتداءات مستقبلا ,وفي ذات السياق اصدرت لجنة الاطباء بيانا اعلنت فيه الاضراب العام في حوادث مستشفى بحري وطالبت اللجنة ايضا بضرورة توفير شرطة لحماية الاطباء من الاعتداءات وسن قانون لحماية الاطباء وتحسين بيئة العمل وتوفير المعينات التي تمكن الاطباء من القيام بمهامهم على الوجه الأكمل". والمؤسف أن في هذه الظاهرة التي اصبحت متكررة عدم وجود قوانين تردع المتفلتين وبالتالي ساعدت في ازديادها بصورة كبيرة، وبحسب رأي أحد الأطباء أشار الي أن نقابة المهن الطبية واتحاد الأطباء ووزارة الصحة هي الجهات المسؤولة عن سن هذه القوانين, يفترض أن تطالب بتشريع قانون لحماية الطبيب، وهو مسؤولية الأفراد القانونيين داخل الوزارة. ومع حتى الآن لا يوجد تحرك منهم....! ولكن ربما اتفق في الكثير مما قاله الطبيب , ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هل القانون الرادع وحده يكفي لأجتثاث الظاهرة .....؟


مع بروز كل أزمة أعتداء علي العاملين بالحقل الصحي تتجه غالبية السهام نحو طرف واحد وهم الذين قاموا بالأعتداء دون أن ينظر الي الأزمة من جذورها التي تذهب بعلاج شامل في ثلاثة أتجاهات , الأول يتعلق بسن القوانين الرادعة , والثاني يتعلق بتحسين بيئة العمل من اهتمام الدولة بالقطاع الصحي, والثالث تجويد اداء العاملين بالحقل الصحي تجاه الاخرين وهي مشكلة تعانيها الشخصية السودانية كثقافة متجذرة في وعينا الجمعي .
فيما يتعلق بسن القوانين الرادعة نحتاج الي نقابات مهنية حرة وليست مسيسة تساهم بالضغط لصالح أنجازات للعاملين بالحقل الصحي ,علي غرار نقابات الأطباء في مرحلة ما قبل الأنقاذ كانت مشهود لها بالمهنية والتجرد, ليس كحال النقابات في عهد الأنقاذ , وهذه الأجابة لمستها عند عدد من الأطباء بأن المسؤليين لا يتحركون الا بما يتوافق مع مصالحهم الشخصية وهذه من اكبر الأشكاليات التي تواجه عمل النقابات في عهد الأنقاذ,
اما فيما يتعلق بتحسين بيئة الحقل الصحي ,ومن المعلوم أن صحة البيئة والقطاع الصحي شهدا تدهورا مريعا منذ استيلاء نظام الأنقاذ علي سدة الحكم , تم توجيه موارد الدولة المالية في اتجاه الحرب لشراء السلاح وتوفير الكادر البشري , وتضاعفت بالتالي ميزانية التسليح العسكري بصورة كبيرة جدا ولاول مرة في تاريخ السودان, وادي تسخير موارد الدولة المالية لصالح الحرب وتمكين القلة المتنفذة الي هزة أقتصادية بصورة غير مسبوقة, وفي الجانب الاخراهملت موارد الدولة الاقتصادية الكبري ,وخفضت ميزانية الصحة والتعليم اللتان شهدتا تدهورا مريعا انعكس علي المواطن السوداني المغلوب علي امره,مقابل زيادة الدعم العسكري والأمني , ولكن ما يدهش في ان دائرة الحرب توسعت بصورة كبيرة غير مسبوقة , وبالرغم من هذا لم تساهم الزيادة والاهتمام الكبير علي الدعم العسكري والامني في اخماد الحروبات التي انهكت الدولة السودانية بل كانت وبالا وخرابا علي المواطن السوداني.


منذ بداية سبعينيات القرن الماضي ولاول مرة كان عدد الوظائف الشاغرة بميزانية الدولة اقل بكثيرمن عدد الخريجين, ثم بدأت الهوة تتسع وتزيد عاما بعد عام ولكن بطريقة تدرج بطيئة , وبحسب قانون الخدمة المدنية الذي ورثناه من المستعمر وكنا نفاخر به العالم , لا يجوز خلق وظائف بدون اعباء كما يحدث اليوم من فوضي ,لان ذلك يعني تضخم الفصل الاول علي حساب التنمية الشاملة والخدمات, وبالتالي حرمان المواطن من اشياء اساسية بالنسبه له, ولا يساعد ذلك علي تحسين الاجور اكبر الية لمحاربة الفساد , وتجويد وترقية الاداء والخدمات , ولا يتحقق ذ لك الا اذا كانت للوظيفة قيمة مادية ومعنوية واجتماعية, وهذه هي الاشياء التي كانت موجودة سابقا , وقبل مجيءالانقلابيين حتي بداياتهم الاولي كانت وزارة الصحة تنشيْ وظائف جديدة في ميزانيتها كل عام تحوطا لطلاب السنة النهائية بكليات الطب ,بمعني ان كل الاطباء الذين يدرسون في السنة الاخيرة وظائفهم ستكون مضمونة, ولكن الوضع الان للاطباء يختلف, حيث يتخرج الاطباء بأعداد مهولة , و لكن لا توجد المستشفيات و العيادات لممارسة وظائفهم , و بالمقابل يوجد المرضي ولكن لا يوجد يوجد ما يكفي من الاطباء والكوادر الفنية المساعدة انظروا لهذا الوضع المقلوب....! ومن المؤسف اننا اصبحنا نستورد الاطباء والممرضات من الخارج بالعملة الصعبة وكوادرنا تشكو لطرب الارض....! و قديما كان بالمستشفيات القومية مدارس للتمريض , وفي كل قرية داية قانونية , وكان السودان يسير بخطوات علمية و منهجية متدرجة وكنا نفاخر بوضعنا الصحي كل العالم, وكان السودان قبلة لدول الجوار ودول المنطقة العربية والافريقية واقيمت اول عملية زراعة كلي في المنطقة العربية والشرق الاوسط في السودان لمواطن سعودي في سبعينيات القرن الماضي, فمن الطبيعي ان نكون الان قد حققنا خطوات كبيرة في تطوير المجال الطبي في السودان.


في ظل هذه الاوضاع المأساوية التي يعاني فيها الاطباء في السودان تحول ملائكة الرحمة الي تجارجشعين يتاجرون بمعاناة هذا الشعب المغلوب علي امره , وهناك الكثيرين من الاطباء الذين هجروا مهنة الطب وتحولوا الي تجارة المواشي والمحاصيل و السمسرة في العربات والعقارات والتجارة لظروف بعلمها جميع الشعب السوداني المغلوب علي امره,
فمن سيصدق ان خريجين كليات الطب في السودان اصبحوا مثل رصفائهم من الخريجين في بقية التخصصات الاخري ينتظرون دورهم في صفوق الوظيفة ومن قبلها المعاناة من اجل اجتياز مرحلة الامتياز! والاغرب من هذا حال الاطباء الصيادلة الذي اصبح يغني عن السؤال ,فقد كانت الرخصة التجارية في الماضي لفتح الصيدليات تمنح فقط للمؤهلين من ذوي الاختصاص ولكن الان وزارة الصحة الغت هذا النظام وفتحت تراخيص الصيدليات للتجارمن اجل ان يستفيد متنفذوا النظام ومحاسيبهم ,وبالحسابات كم يكلفنا طلاب الكلية الطبية الي ان يتخرجوا....! فمهنة الطب من المهن العملية التي تحتاج الي الممارسة بدون انقطاع بعد التخرج, فالخريج يفقد صلاحيته اذا لم يمارس المهنة لمدة عام او عامين وهذه اكبر المعوقات؟ ومن اكبر المعوقات ان حكومة الانقاذ الان ركزت في مشروعها علي صفوية التعليم , ولكن من اين للاطباء الفقراء بالحصول علي المراجع الطبية ثمن الواحد منها يفوق المائتان جنيها, والحصول وسائل التكنلوجيا الحديثة التي اصبحت مهمة جدا لدارسي كليات الطب كجهاز اللابتوب لمتابعة التطورات المتسارعة في علم الطب.

استبشر الاطباء في الخرطوم خيرا وهللوا لتعيين البروفيسور( مامون حميدة ) وزيرا للصحة علي وزارة ولاية الخرطوم بأعتبار انه من اهل البيت ,وبأعتبار انه من المعروفين بشخصيته القوية والامينة لعلاج ما امكن وتسنده في ذلك الكثير من المواقف المشرفة منها عندما كان مديرا لجامعة الخرطوم في بداية تسعينيات القرن الماضي, حتي انه كان قد تقدم باستقالته من جامعة الخرطوم احتجاجا علي الاوضاع والفوضي التي كانت حاضرة في بدايات العشرية الاولي من عمر النظام, ولكن كانت الدهشة ان اول ما فعله البروف بأن سلط سيفه علي رقاب (بني جلدته) علي نحو بشع لم يحدث من قبل, ,
فالانسان اداة للتنمية ووسيلتها قبل ان يكون غايتها وهدفها بمعني انه رأس المال والبنية التحتية الاولي كما فعلت ماليزيا علي سبيل المثال, والانسان المريض عالة علي المجتمع المجتمع فحكومة المشروع الحضاري هي المتهم الاول والاساسي والجاني مع سبق الاصرار والترصد عن تدهور الاوضاع في المجال الصحي بهذه الطريقة المزرية, وحتي في بداية حكومة الانقاذ , كان للتدريب برامج وميزانيات لكل مؤسسات الخدمة المدنية, وكان الطبيب في في كل بقاع السودان النائية يتفأجأ بأختياره متفرغا للدراسات العليا علي نفقة الحكومة, وكان ذلك كما ذكر لي احد الاطباء الذي عمل في الخدمة المدنية لفترة طويلة ,كان ذلك من المناسبات السعيدة التي يحتفل بها الاطباء مع زملائهم واصدقائهم الموظفين بالاقاليم المختلفة , وكان الاختيار يتم وفقا لضوابط معينة موضوعية , و ليس كما نشاهد اليوم في حكومة التمكين التي تدير الدولة بعشوائية ويتم المنح للكوراسات و للدراسات العليا في الخدمة المدنية لاهل الولاء والانتهازيين من اجل تمكين القلة المتنفذة ومحاسيبها ....؟


أعلنت تضامني كثيرا مع الأطباء والعاملين في الحقل الصحي ,وكانت أخر مقالاتي عنهم بعنوان (مأساة الأطباء في السودان , أنهم يحتاجون الي طبيب ليداوي أوجاعهم) وبالرغم من تضامني مع الأطباء في الا ان هناك ثمة حقائق يجب ان تقال,أن هناك حالات كثيرة من حالات الاعتداءات علي الاطباء سببها التعامل غير الكريم من الاطباء تجاه المرضي وذويهم , وفي معظم حالات الاعتداء علي الاطباء نلاحظ ان هناك دافعا لرد الفعل العنيف تجاه الاطباء, وغالبا ما يكون الاستفزاز او التعامل غير الكريم ,و في احدي المستشفيات السودانية في حادثة مشهورة قبل اعوام دفع احد الاطباء حياته ثمنا لتعامله بالاستهتار وسلوكه الفظ وغير الكريم مع احد الاطفال الذي قضي نحبه فلم يكن من والد الطفل الا ان عاجله بطعنة اودت بحياته....!,


حكي لي (س و) عن مأساته التي حدثت قبل عامان بمدينة بورسودان ,عندما ذهب بطفله المريض الي المستشفي وتم حجز ابنه بقسم الأطفال , وعند منتصف الليل اشتدت الالام بالطفل , فذهب والده لغرفة الاطباء ,ووجد أحد الأشخاص جالسا (رافعا) رجله علي الطربيزة (يلعب) بالموبايل , وسأله اريد الطبيب.... ؟ فرد عليه بأن الطبيب غير موجود....! فاذا بعد فترة يأتي أحد الممرضين وينادي علي الطبيب وهو نفس الشخص الذي يلعب بالموبايل...! فأستشاط (س و)غضبا وقال له لماذا لم تقل لي انك انت الطبيب...؟ فقال له الطبيب بأستهزاء , المفترض تعرف انو انا (دكتور) ....! ولكن لأن (س و) لا يريد الدخول في مجالادت لأنه في أشد الحوجة لهذا الطبيب تيمنا بالمثل المصري القائل( لو عندك عند الكلب حاجة قولو يا سيدي) فتأسف له , وحدثه عن ما يريد , فقال له الطبيب اذهب وسوف أتي بعد دقائق ...! ولم يأتي الا بعد ساعة كاملة ....! ويا ليته لم يأتي ...! اذ نظر في وجه الطفل بأذدراء من دون ان يتحسس جسده ....! وكتب له ذات العلاجات التي كتبها الطبيب السابق كانت سببا في زيادة علته....! وعندما تحدث معه (س و), قال له الطبيب بلهجة حادة (ما عندنا أكتر من كدا) ثم انصرف عائدا وكأن شيئا لم يكن....! ذاك التصرف دفع(س و) لأن يخرج خارج المستشفي , بعد أن ضاقت به الدنيا وهو يري ابنه يعوي من الألم....! ولا يدري ما يفعل..... ! بالصدفة قابل في طريقة احد الذين يعرفهم, لاحظ تكشيرة وجهه وسألة عن السبب....! فحكي له , وقال له فورا اذهب للمستشفي الايطالي للأطفال في حي(شقر) الذي يقع غرب المدينة وسخر له عربته الخاصة ...! فقال ( س و) رجعت فورا للمستشفي , وقمت بحمل طفلي, وهممت بالخروج,حتي ان احدي الممرضات اشارت له لا بد من ان تخطر ادارة المستشفي , فحمل طفله ولم يهتم بالأمر ...! وفي المستشفي الايطالي يقول :وجدت اسر كثيرة بأطفالها وجلست معهم في الاستقبال, ولا ادري ما افعل حتي انتظر دوري وسط هذا الكم الهائل...! ويقول فجاءة خرجت احدي الطبيبات وهي (أيطالية) وهي تتفرس في وجوه المرضي من الأطفال, وما ان نظرت لطفلي حتي جاءت نحوه مسرعة وحملته في حضنها وسط دهشتنا ...! وذهبت به مسرعة الي الداخل,وسط ذهولي وذهول زوجتي...! يقول وبعدها جاءات ألينا , وطلبت من امه ان ترافق طفلها, وقد قامت الطبيبة بغسل الطفلة بنفسها....! والباسها لبس جديد بنفسها أيضا....! واعطت امها ملابس جديدة بحسب لوائح المستشفي وطلبت منها ان تستبدلها في الحمام المخصص, وخلال ثلاثة ايام ظل طفلي بالمستشفي يتعالج وياكل هو وامهو , وانا لا اكاد اصدق,....! وبعد ذلك اعطتني الطبيبة رقمها لأنني أتحدث الأنجليزية بطلاقة,لكي اتواصل معها ,ولأطمئنانها علي طفلي....!


أوردت القصة للأستدلال علي التعامل بين الأثنين والانسانية التي تحملها الطبيبة الأجنبية وهي تحمل الطفل في أحضانها , والأستدلال علي الأنسانية التي تحملها الطبيبة الأجنبية, والأستدلال علي بروز ظواهر سلبية لم تكن موجودة مسبقا , وهي تعامل الاطباء مع المرضي في حقبة الانقاذ خصوصا في المستشفيات الحكومية بطريقة غير كريمة الا من رحم الله, وكلنا نلاحظ كيف يختلف التعامل في مستشفيات القطاع الخاص عن العام , فهذه أصبحت مسألة عامة وسلوك متجذر في الشخصية السودانوية ,فالمصلحة هي من تحكم العلاقة بين الأشخاص , كذلك هو نفس تعامل الاستاذ في المدراس الحكومية عن المدارس الخاصة ,فالتعامل الراقي والكلمة الطيبة هي جوواز المرور الي قلوب الاخرين , فلذلك الاطباء يحتاجون الي تدريسهم مادة أصول فن التعامل مع الاخرين علي اساس قيمتهم الانسانية وليس التي كرمهم بها المولي عز وجل وليس علي أساس قيمتهم الايدلوجية , وهذا التعامل نلحظه بوضوح في تعا مل الطبيب في عيادته الخاصة مقارنة بالمستشفي العام ,وليس الأطباء وحدهم بل يجب أن تدرس كمادة ثابتة كمنهج في المدارس السودانية. بالرغم من تطور حياتنا الأجتماعية واجتياح تيار العولمة وانفتاحنا علي ثقافات اخري أفتراضا أن تؤثر علينا أيجابا , ومع ذلك لا زالت الشخصية السودانية تجهل فن التعامل مع الأخرين كحال الدول الأخري ,ولا زالت الابتسامة تشكل غيابا في قاموس المجتمع السوداني ..... ! لأشكالات متجذرة في وعينا الجمعي ,فاذا كنت تنوي القيام بأي معاملة مع أحد الأشخاص مطلقا ابتسامة صبوحة , فان ردة الفعل الاولي من الأخرين هي الصرامة التي لا تتجاوب ابدا مع اتساع الانشراح الداخلي لديك, وبالمقابل ان(أبتسامتك) سرعان ما تضاعف من حدة (صرامة) الاخرين وكأنهم يفهمون ابتسامتك بأنها (تملق) للحصول علي خدمة ما ...! فالمضيفة السودانية لها ابتسامة مصطنعة ,تختلف عن كل رصيفاتها في العالم اذ تفتقد ميزة أطلاق الوجه الصبوح (كأتكيت) مهم للتعامل مع الأخرين , بالرغم من دراستها لهذا المجال , ولكن التربية هي الأهم ....! اذ نحيا في أتون مجتمع قد يفهم البعض ابتسامة (المرأة) وكانها دعوة للغواية....! وكذلك ضباط الجمارك والجوازات في المطارات والمواني (تنطبق ) عليهم ذات العلة...! ,فالكثيرون يشتكون من تعامل موظفين الجمارك والجوازات في المطار علي غير العادة التي يجدونها من موظفي الجمارك والجوازات في موانئ الدول الاخري.وكذلك هو ذات السبب الذي يدف بعض الأشخاص (للعراك) مع الأطباء , وبالتالي يجب ان نتعلم كيف نبتسم في وجوه الاخرين, فالأبتسامة هي والكلمة الطيبة هي جواز المرور الي قلوب الأخرين ,والمفترض ان هناك مهن بعينها أفتراضا أ، يتم اختيار اشخاص ذو( معرفة) عالية بجذب قلوب الاخرين لا تنفيرهم ,فبائعات الشاي الأثيوبيات أو الأريتريات لهن مقدرة عالية علي الأبتسامة( تزيد) من محبتهن بحكم تربيتهن تجعلهن افضل من السودانيات, وقد وصف (انتوني غدنز) في مرجعه علم الاجتماع عن شعوب الاسكيمو بانها لا تعرف الابتسامة ....! وفي تحليله ان هذا هو السبب في تخلف السياحة في بلادهم باعتبار ان الابتسامة علي رأس السلوك السياحي لشخص سريع التألف وبمقدوره ان يخدمك, فقد لا نختلف في أن الشخصية السودانية معروفة بكرمها و عفويتها وطيبتها, ولكن هذه الصفات مجتمعة لا تضاهي قيمة ابتسامة ,أو قيمة اطلاق الوجه الصبوح.

لا يسعني الا أن أوجه تحية أجلال الي اخصائي العظام البروف ريتشارد حسن ,ذلك الأنسان الذي يقابلك بكل بشاشة وترحاب,قمة التواضع والتهذيب ,رمز للشخصية السودانوية الأصيلة ,تلك السمات التي أصبحت عملة نادرة في هذا الزمان الأغبر ,وبأختصار هو الأنسانية التي تمشي بيننا ,عندما تتعامل معه تدرك فعلا أن الوطن لا زال بخير , من السهل ان نجد العشرات بل المئات وربما الألاف من الأطباء المتميزين في مجالهم , ولكن من الصعب أن نجد العشرات من الشخصيات التي تحمل صفات نبيلة لمهنة يفترض انها انسانية في المقام الأول ,قصدته مع أحد أصدقائي قبل أكثر من عشرة سنوات,ومن حينها أزوره كلما سنحت لي الفرصة فقط من اجل التحية, كان , كان وقتها قيمة الكشف 30 جنيها بينما كان قيمة كشف كبار الاخصائيين بين مائة وعشرون الي مائة وخمسون جنيها ,تفاجأت حينما قرأت في احدي المقالات أن د ريتشارد لا زال موجودا بعيادته المتواضعة بشارع المك نمر ليس كحال الكثيرين من ابناء الجنوب المتميزين الذين غادروا وطنهم مجبرين,ولكني لم اندهش عندما علمت ان قيمة الكشف لا زالت نفس القيمة 30 جنيها بينما كبار الأخصائيين اليوم تتراوح قيمة كشوفاتهم ما بين 250 و500 جنيه ,فقد أصبحو مصاصي دماء لا فرق بينهم وبين النظام الحاكم, لأن هناك من الأخصائيين إضافة الى أجرة الكشف الباهظة يطلب من المريض إجراء تصوير أشعة أو رنين لا حاجة للمريض لها ، ليتقاسم نسبة معلومة مع طبيب الأشعة ..لا رحمة ولا حياء ولا خوف من الله تعالى .. لا أملك ألا أن انحني احتراما لهذا الرجل النبيل الذي يمثل جيله وكل الذين تربوا في حقبة كان الوطن في قمة نقائة . فهل بمقدور حواء السودانية في هذا الزمان الأغبر , أن تنجب رجالا في نبل البروفيسور ريتشارد حسن.


elmuthanabaher@gmail.com

 

آراء