من التهميش الي التهميش

 


 

عمر العمر
24 August, 2011

 


aloomar@gmail.com

تواصل الأزمة في سوريا وتصاعدها على مدى ستة شهور قضية تثير قلق جميع السوريين بلا استثناء. انتشار الجنود في المدن في مهمات وحشية ضد المدنيين يكفي لإثارة القلق. مشهد الدبابات تجوس الشوارع وتقصف المساكن يشعل قلقاً يتجاوز القطر إلى الوطن بأسره بل يطال مفاصل صنع القرار الدولي.
محاولة صب الماء على المشهد الساخن تشكل قفزة فوق الواقع نحو المجهول. وضع الحل الأمني أمام الحل السياسي مفاصلة وليس معادلة منطقية. المعالجة الأمنية كما هي على الأرض تعقد الأزمة وتضاعفها وتؤجل الحل السياسي. الحسم السياسي ينفي اللجوء إلى المعالجة الأمنية. أي عمل عسكري مهما كانت شراسته مصيره إلى الطاولة بغية بلورة نتائجه. الحل الأمني يمثل خيار إملاء الشروط. الحوار بين الدولة والشعب لا يستقيم على فوهات البنادق والمدافع.
ربما لا تكمن الأزمة في بنود الحل السياسي غير أنه ما من حل سياسي يمكن تسويقه على ظهور الدبابات. المعضلة الحقيقية تتجسد في بلورة الحل السياسي. من غير الممكن تغييب الأطراف القائمة في المعادلة الوطنية عند إنجاز الحل السياسي. عندئذ لا يعدو أي حال من جانب واحد أن يكون برنامج عمل من طرف واحد.
من أبرز خصائص العمل السياسي الناجح استثمار اللحظة التاريخية على الوجه الأكمل. إجهاض مثل هذه الفرصة ينهش من مخزون السياسي ويستهلك من رصيد الوطن.
التجربة تثبت فشل جميع محاولات دفع الشعوب باتجاه يناهض طموحاتها. الربيع العربي منح شعوب المنطقة جرأة غير محدودة لرفض تغييبها عن صناعة مستقبلها.
الحديث عن تعديل دستور يرفضه الشعب يصبح مراوغة للواقع. امتداح حزب أو فصيل باعتباره صانع النظام بينما تضج ساحات المدن بجموع تنادى بإزالة النظام يكون مجافياً للحقائق. حينما تخفق القيادات السياسية في إلهام الشارع أو إقناعه تتفتح الأزمات أكثر على المجهول. عندما لا تجد الجموع المائجة ستة شهور في الشوارع والساحات إجابات شافية على أسئلتها الوطنية الملحة تفقد الثقة في الخطابات الرسمية.
المواطن استرد في صحوة الربيع العربي إحساسه بقيمة كرامته. كل الممارسات المناهضة لهذا الشعور الوطني تزيد النغمة الشعبية. حينما يتعرض المواطن للإذلال اليومي بكعوب البنادق الصقيلة وأحذية الجنود الغليظة فإن ذلك مشهد لا يحتمل التجاهل. من شأن إغفال مثل هذه الممارسات حمل رسائل تكفي لتصعيد الغضب.
الحديث عن الاهتمام بالشباب وتفجير طاقاته يصبح ضرباً من العبث عندما لا يصبح الشباب عرضة فقط للتهميش بل التهشيم كذلك.
الظهور التلفزيوني استثمار حداثي لمن لا يدأب عليه. النتائج تصبح كارثية حال الإخفاق في الاستثمار الحداثي على نحو عقلاني. التداعيات تأتي أبعد عمقاً لمن لا يدرك النقلة النوعية في العمل السياسي مع انتشار وسائط الاتصال والتواصل الأكثر حداثة ووفرة.
الوعود تفقد خاصية بث الاطمئنان مهما جاء بريقها إذا لم تلامس القضايا الحيوية. ربما يمكن أي نظام من تجاهل حقوق شعبه وطموحاته لكن التاريخ يثبت أن ذلك لن يستمر طويلاً. من الممكن تغييب شعب مؤقتاً ولكن من غير الممكن إلغاؤه.

 

آراء