من حمدوك إلي البرهان وانحدار الخطاب السياسي
محمد الربيع
29 May, 2023
29 May, 2023
أن يحكم الجهل أرضاً كيف ينقذها - خيطٌ من النور وسط الليل ينحسرُ
قد كان يمشي علي الأشلاء منتشياً - وحوله عصبة الجرذان تأتمرُ
من أين تأتي لوجه القبحِ مكرمةٌ - وأنهر الملح هل ينمو بها الشجرُ
،،، فاروق جويدة ،،،،
✍️لقد ذُكِرَ في سيرة الشاعر العباسي علي بن الجهم عندما جاء إلي بغداد لأول مرة قادماً من البادية حيث الغلظة والجفاء وحياة الشظف والخشونة، إستقبله الخليفة المتوكل بالله فمدحه بقصيدته المعروفة :
أنت كالكلب في حفظك للود وكالتيس في قرّاع الخطوب
فإستهجن الحاضرون تشبيهه للخليفة بالكلب وبالتيس وكاد بعضهم أن يبطش به، إلّا أن الخليفة كان حليماً فطناً وأدرك براءة مقصده ورقة إحساسه وصدق مشاعره لأن الإنسان إبن بيئته والشاعر قادمٌ من بيئة بدوية صحراوية وهذا ما عايشه في بيئته الخشنة وأمر له بقصرٍ علي ضفاف نهر دجلة محاطٌ بالحدائق والبساتين وأتيحت له فرص التعرف علي حياة الدعة والنعيم والمدنية في بغداد ومنتدياتها ومجالسة أدبائها وبعد بضع شهور جاء في مناسبة أخري ومدح الخليفة بقصيدة تُعَدُ من عيون الشعر حيث قال في مطلعها :
عيونُ المها بين الرصافة والجسرِ - جلبن الهـوي من حيث أدري ولا أدري
فطرُب له الخليفة وصاح : أنظروا كيف تغيرت به الحال! والله خشيتُ أن يذوب رقة ولطافة،،،،
🔥عندما وصل الدكتور عبدالله حمدوك بعد سقوط نظام المخلوع، كانت الساحة السياحية تمور بخطاب سياسي غاية في الرداءة والإنحطاط جراء ثلاث عقودٍ من ساقط القول والعبارات النابية والعنتريات التي ما قتلت ذبابة أفسدت الذوق العام وسممت عقول الناشئة مثل "ألحس كوعك وشذاذ الآفاق وصرف البركاوي وأمسح أكسح قشو ما تجيبوا حي والزارعنا غير الله اللي يجي يقلعنا" وغيرها من ترهات اللمبي التي لا تعدّ ولا تحصي،،،، حتي جاء الدكتور عبدالله حمدوك - الرجل المهذب الهاديء بخطاب سياسي أكثر هدوءاً ورقة ودبلوماسية لم يعهده الشعب المنكوب من "دعاة المشروع الحضاري" لثلاثة عقودٍ، فتأثرت بخطابه الجماهير وجرت عباراته الرقيقة علي ألسن الشباب مجري الدم من العروق …. "نحن نعمل في تناغم ودي فكرة جميلة ،،، نستطيع أن نجلس مع بعض ونحل المشكلةسوياً" وغيرها من رقيق الكلام ونقاء العبارة المصحوبة بإبتسامة عريضة وهدوء رجل الدولة الرزين حتي أصبح موديل جديد في فن التخاطب وكان يدور في أثناء فترته نقاشات سياسية وإقتصادية عميقة وأصبح الحديث عن التنمية، إستقرار سعر الصرف وعن ضرورة إنشاء مصانع ضخمة لتصنيع المواد الخام محلياً للإستفادة من فائض القيمة وتوفير فرص العمل للخريجين والنهوض بالناتج القومي وهناك إتفاقيات ضخمة مع شركات عالمية لبناء البني التحتية الحقيقية وأنشاء شبكات كهرباء ومياه وطرق و و و الخ
☀️ثم فجأة وصلنا إلي ٢٥ أكتوبر (وحدث ما حدث) وأختفي الرجل الأنيق الشفيف بإبتسامته وعباراته الرقيقة ثم ظهروا لنا خفافيش الظلام بالخطاب الهابط وعبارات التهديد والوعيد من ناس زعيط ومعيط أمثال (مافي زول أرجل من الحركة الإسلامية ، ومافي زول أعرف منها وألبس قدر جلابيتك ومقاسك …. حتي أنتهي بنا المطاف إلي دانة وسوخوي وأنتينوف وبلّوه وجغموه وغيرها من الإنحطاط والعبط والإنحدار في الكلمات والعبارات والجمل " وكل هذا وسط آلاف الجثث والأشلاء والركام وتحولت الخرطوم إلي شبح تسكنها القطط والبوم كأننا أمةٌ في مزاد الموت تنتحر…. مثل هذا التدهور والإنحدار والجنون في الأفعال والأقوال لا يأتي إلا عندما يحكمك عسكر لا يعرفون الدبلوماسية وفن الخطاب لأنها ليست من ضمن مواد الكلية الحربية أو مناهجها حيث تسود لغة الدوشكا وقانون البوت والتفكير بالعضلات عوضاً عن العقل!،،،،،
والذي نفسه بغير جمالٍ - لا يري في الوجود شيئاً جميلاً !
قبل الختام
لا للحرب ،،، نعم للسلام
ولابد من الديمقراطية والمدنية وإن طال السفر
m_elrabea@yahoo.com
قد كان يمشي علي الأشلاء منتشياً - وحوله عصبة الجرذان تأتمرُ
من أين تأتي لوجه القبحِ مكرمةٌ - وأنهر الملح هل ينمو بها الشجرُ
،،، فاروق جويدة ،،،،
✍️لقد ذُكِرَ في سيرة الشاعر العباسي علي بن الجهم عندما جاء إلي بغداد لأول مرة قادماً من البادية حيث الغلظة والجفاء وحياة الشظف والخشونة، إستقبله الخليفة المتوكل بالله فمدحه بقصيدته المعروفة :
أنت كالكلب في حفظك للود وكالتيس في قرّاع الخطوب
فإستهجن الحاضرون تشبيهه للخليفة بالكلب وبالتيس وكاد بعضهم أن يبطش به، إلّا أن الخليفة كان حليماً فطناً وأدرك براءة مقصده ورقة إحساسه وصدق مشاعره لأن الإنسان إبن بيئته والشاعر قادمٌ من بيئة بدوية صحراوية وهذا ما عايشه في بيئته الخشنة وأمر له بقصرٍ علي ضفاف نهر دجلة محاطٌ بالحدائق والبساتين وأتيحت له فرص التعرف علي حياة الدعة والنعيم والمدنية في بغداد ومنتدياتها ومجالسة أدبائها وبعد بضع شهور جاء في مناسبة أخري ومدح الخليفة بقصيدة تُعَدُ من عيون الشعر حيث قال في مطلعها :
عيونُ المها بين الرصافة والجسرِ - جلبن الهـوي من حيث أدري ولا أدري
فطرُب له الخليفة وصاح : أنظروا كيف تغيرت به الحال! والله خشيتُ أن يذوب رقة ولطافة،،،،
🔥عندما وصل الدكتور عبدالله حمدوك بعد سقوط نظام المخلوع، كانت الساحة السياحية تمور بخطاب سياسي غاية في الرداءة والإنحطاط جراء ثلاث عقودٍ من ساقط القول والعبارات النابية والعنتريات التي ما قتلت ذبابة أفسدت الذوق العام وسممت عقول الناشئة مثل "ألحس كوعك وشذاذ الآفاق وصرف البركاوي وأمسح أكسح قشو ما تجيبوا حي والزارعنا غير الله اللي يجي يقلعنا" وغيرها من ترهات اللمبي التي لا تعدّ ولا تحصي،،،، حتي جاء الدكتور عبدالله حمدوك - الرجل المهذب الهاديء بخطاب سياسي أكثر هدوءاً ورقة ودبلوماسية لم يعهده الشعب المنكوب من "دعاة المشروع الحضاري" لثلاثة عقودٍ، فتأثرت بخطابه الجماهير وجرت عباراته الرقيقة علي ألسن الشباب مجري الدم من العروق …. "نحن نعمل في تناغم ودي فكرة جميلة ،،، نستطيع أن نجلس مع بعض ونحل المشكلةسوياً" وغيرها من رقيق الكلام ونقاء العبارة المصحوبة بإبتسامة عريضة وهدوء رجل الدولة الرزين حتي أصبح موديل جديد في فن التخاطب وكان يدور في أثناء فترته نقاشات سياسية وإقتصادية عميقة وأصبح الحديث عن التنمية، إستقرار سعر الصرف وعن ضرورة إنشاء مصانع ضخمة لتصنيع المواد الخام محلياً للإستفادة من فائض القيمة وتوفير فرص العمل للخريجين والنهوض بالناتج القومي وهناك إتفاقيات ضخمة مع شركات عالمية لبناء البني التحتية الحقيقية وأنشاء شبكات كهرباء ومياه وطرق و و و الخ
☀️ثم فجأة وصلنا إلي ٢٥ أكتوبر (وحدث ما حدث) وأختفي الرجل الأنيق الشفيف بإبتسامته وعباراته الرقيقة ثم ظهروا لنا خفافيش الظلام بالخطاب الهابط وعبارات التهديد والوعيد من ناس زعيط ومعيط أمثال (مافي زول أرجل من الحركة الإسلامية ، ومافي زول أعرف منها وألبس قدر جلابيتك ومقاسك …. حتي أنتهي بنا المطاف إلي دانة وسوخوي وأنتينوف وبلّوه وجغموه وغيرها من الإنحطاط والعبط والإنحدار في الكلمات والعبارات والجمل " وكل هذا وسط آلاف الجثث والأشلاء والركام وتحولت الخرطوم إلي شبح تسكنها القطط والبوم كأننا أمةٌ في مزاد الموت تنتحر…. مثل هذا التدهور والإنحدار والجنون في الأفعال والأقوال لا يأتي إلا عندما يحكمك عسكر لا يعرفون الدبلوماسية وفن الخطاب لأنها ليست من ضمن مواد الكلية الحربية أو مناهجها حيث تسود لغة الدوشكا وقانون البوت والتفكير بالعضلات عوضاً عن العقل!،،،،،
والذي نفسه بغير جمالٍ - لا يري في الوجود شيئاً جميلاً !
قبل الختام
لا للحرب ،،، نعم للسلام
ولابد من الديمقراطية والمدنية وإن طال السفر
m_elrabea@yahoo.com