من صنع الطوطم؟

 


 

 

د. أحمد جمعة صديق
لعب الطوطم دوراً مهماً في هوية الشعوب البدائية اذ كان يعزز لديهم شعوراً بالتقارب والاتصال ومعرفة تراثهم الثقافي وأصولهم المشتركة من خلال انتمائهم العشائري كما كان الحال لدى عشائر الجاهلية في الجزيرة العربية. وورد في تعريفه ووظيفته أن الطوطم يُعتبر مقدساً في بعض الثقافات لأسباب تتعلق بتمثيله للقيم المحورية في حياة الجماعة، وليس فقط لمشاعر الإجلال والإكبار التي يحملها أفراد الجماعة تجاهه. يعتبر الطوطم رمزاً يجسد القيم والمفاهيم التي يتمسك بها المجتمع، وتتضمن هذه القيم الأخلاقية والاجتماعية والثقافية التي تشكل أساس التفاعلات والعلاقات بين الافراد العديد مثل قيم الوفاء والتضحية والشجاعة والإخلاص والتعاون والتسامح وغيرها والتي تشكل أساس التعايش السلمي والتفاهم بين أفراد المجتمع. فعلى سبيل المثال، في الثقافة اليابانية، يُعتبر الطوطم رمزاً للولاء والشرف والوفاء، حيث يرمز إلى الفروسية والإخلاص في خدمة الإمبراطور والوطن. وتظهر هذه القيم المحورية في الطوطم في القصص الشعبية فالأساطير والروايات والأفلام والفنون البصرية الأخرى غالباً ما تصوره (كشخصية خارقة أو بطل) يمثل الخير والشرف، ويقدم الدروس الأخلاقية والقيمية للمجتمع. هذا الفهم لصناعة الطوطم-كشخصية خارقة أو بطل يمثل الخير والشرف - يكون مقبولاً عند العقل الرعوي أو البدوي ويتمحور حوله الصراع الانساني للمجتمع الطوطمي تقديساً واجلالاً له.
• فهل تجسدت هذه القيم لتعطي (محمد حمدان دقلو) هذه الصفات الطوطمية من الحب والاجلال؟
• من صنع هذه السمات التمجيدية في هذا الرجل وتاريخه البسيط؛ الذي لم يكن ليؤهله لاكثر من أن يرتقي به من (راعي) ابل الى (تاجر) ابل، في افضل الاحوال، بين السودان ومصر ومالي والنيجر وليبيا.
ان موقفي من (حميدتي) هو موقف مبدئي من ان الرجل ليس الا قائد ميليشيا صنعت منه الاقدار ان يلعب فصلاً سيئاً في تاريخ السودان الحديث. فالرجل شريك لنظام الانقاذ منذ 2003 حين نال الشرعية بتكوين تلك المليشيات وتبعيتها المباشرة للفاسد عمر البشير لحمايته الشخصية، كما سمي الرجل ب (حمايتي) وللجيش الذي اعطاه صلاحيات التوأمة في خروجهم من رحم واحد كما قال البرهان، وليس لدوره في تنفيذ أجندة على المستوى القومي للسودان مدافعا ومنافحاً عن الارض والعرض.
ثم انقلب السحر على الساحر فكانت ثورة ديسمبر 2018 حيث لعب (حميدتي) دوراً غير منكور. وكان لهذا الدور ان يتجسد فيه (الكثير من الخير) لولا أن ساهمت هذه القوات نفسها في فض اعتصام القيادة في رمضان في 3-6-2019 وأزهقت الارواح ورمت باجساد الشهداء في النيل. ثم تاتي الطامة الأخري فيكون الدعم السريع شريكاً في انقلاب 25 -10-2023 وثالثة الأثافي هي اعلانه الحرب على الجيش في 15-4-2023 وبغض النظر عن شرعية هذا القتال دفاعاً عن النفس كما يدعي الدعم السريع أو حرباً ذات أهداف غير معلنة ؛ فان الدعم السريع قد واجه الرفض التام وعدم الرض حينما وجه آلته العسكرية الي صدر المواطن - نفسه - قتلاً ونهباً وسلباً واغتصاباً واحتلالاً لمساكنهم وفوق ذلك اتخاذ المدنيين دروعا بشرية في كل مدن السودان التي طالتها قواته.
وقد أدرك السودانيون ان الروح القتالية العالية للدعم السريع، ليس لعقيدة قتالية يؤمن بها الدعم السريع، أو قوانين وقواعد اشتباك تتميز بها الجيوش المنضبطة ويلتزم بها الدعم السريع، بل تعود الى تلك الروح والتركيبة النفسية لمقاتل الدعم السريع كفرد ميلشيا اقرب ما يكون الى المرتزق – وهذا ما ثبت في دور الدعم السريع في اليمن – منه الى جندي ذو عقيدة قتاليةيلتزم بقوانين عسكرية، أو فيما يسمى في العسكرية بقواعد االاشتباك. فلا غرابة اذن لتلك الممارسات المشينة التي طالت حتى القرى خارج العواصم الكبيرة لممارسة اغتنام الغنائم ولو اقتضى الامر القتل بلا رحمة. وطبعاً هذا الممارسة تستمد شرعيتها من أن الذين أسسوا لهذا الجيش غير النظامي اوعزوا اليه في ان لا يتحرج، بل من حقه أخذ الغنائم من (أعدائهم) وهو مفهموم بسيط تربت عليه هذه العقول البدوية في استحلال أموال الناس. كل هذا ولم نسمع ادانة واحدة من قيادات الدعم السريع بادانة هذه المماراسات لافراده بل تمجيد مستمر لقيادته المتمثلة في آل دقلو وحاشيىتها من العسكريين والمستشارين حول هذا الرجل. وفي ظني ان الرجل قد وصل الى ما وصل اليه عن طريق:
1. التعميد من الفاسد البشير لتكليفه المباشر بدور الحماية وقبلها مقاتلة كل من لا ينتمي لمن يتسمى بالقبائل العربية في دارفور.
2. احتلاله مناجم الذهب وأخذها عنوة من حليفه هلال مما جعل من قائد الدعم السريع من أكبر اغنياء العالم بمساعدة الروس في انتاج الخام والامارات كمشتري لهذه السلعة وتمويل الدعم السريع كحليف في اليمن وربما في ليبيا.
3. الافادة من هذا الريع المالي في شراء أفضل العناصر من الجيش السوداني كضباط في الدعم السريع.
4. الافادة من ريع الذهب في شراء مجموعة معتبرة من المثقفين والقبليين والانتهازيين للعمل كمستشارين في كافة المواقع.
5. لعب هؤلاء المستشارون الدور الاكبر في صناعة الطوطم ولاشك قد قدموا له امثلة كثيرة لحكام في مثل وضعه أو أدني. وظني - وان بعض الظن أثم - انهم قد حدثوه عن (بوكاسا) بانه لم يكن سوى عريفاً في الجيش الفرنسي عام 1940، حكم أفريقيا الوسطى ونصب نفسه امبراطوراً وشبه اله. ثم (عيدي امين دادا) لم يكن هو الآخر سوى عسكرياً في جيش جلالة ملكة بريطانيا، و(سلفا كير) نموذج آخر قريب منا، لم ينل قدراً عال من التعليم أو تدريب في وست بوينت، و(علي عبدالله صالح) كان يحلو للرئيس المصري ان يطلق عليه لقب الشاويش على. والامثلة مع الفارق كثيرة ودونك الملك فهد واخوته لم يتخرجوا من اوكسفورد او سانت هيرست ولكن تركوا بعض البصمات الايجابية في بلدانهم. كانت المملكة العربية السعودية اكبر مانح في تاريخ البشرية كما شهد بذلك وزير خاجية السودان حينها (جمال محمد أحمد) وامثلة كثيرة ولا ينسى دور الملك فيصل حكيم العرب ونصير القضية الفلسطينية. ظني ان الرجل قد طرح عليه هذا التاريخ فحاك في نفسه ان يلعب هذا الدور ليكون حاكما للسودان. لاشك ان هذه هي الصورة الطوطمية التي طرحها مستشارو (حميدتي) ليستوعبها عقله الطامع في السلطة بأسرع ما يكون ويعمل نحوها بانتهاز أية فرصة تؤدي لذلك حتى ولو كان الامر بتفريغ العاصمة من سكانها كما صرح هو بذلك يوماً بأن تلك العمارات ستحتلها القطط والكلاب.
وكل ما فعله حميدتي في ان يتطلع للحكم والثروة والجاه أمر طبيعي ومشروع، لولا أن السياق الذي حدث فيه غير مقبول بل والنهاية المحتومة، طال الزمن او قصر، سيحاكم الشعب السوداني كل من تسبب في أذيته سواء اكان من جنود الدعم السريع وقياداته ومستشاريه أو من الجيش السوداني الذي فشل تماماً في الايفاء بعهده في حماية الانسان السوداني أرضه وعرضه اذ تلك هي مهمته التي كات تستهلك ما لايقل عن 80% من ميزانية السودان لنكتشف ان تلك كانت مجرد فزاعة أو فقاعة أهدرت ارواح أبناء شعبنا وحكمت بالحديد والنار وأضاعت على السودان نصف قرن على الاقل من التنمية والتقدم. وهذا طوطم آخر من صنعه؟


aahmedgumaa@yahoo.com

 

آراء