من كتاب من الانقلابي البشير أم الترابى ؟ -13-
بسم الله الرحمن الرحيم
تكوين حزب الأمة --- النشأة والتأسيس !
بقلم الكاتب الصحفى والباحث الأكاديمى
عثمان الطاهر المجمر طه / باريس
[ ربى زدنى علما ]
{ ربى أشرح لى صدرى ويسر لى أمرى وأحلل عقدة من لسانى يفقه قولى } .
السودان بلد قارى شاسع واسع متعدد الأعراق ، والديانات
والثقافات ، والعادات ، واللهجات ، والمناخات بدءا من المناخ الإستوائى ، ومناخ السافنا ، والمناخ الصحراوى والبحرى ، وإنتهاءا برحلة الشتاء ، والصيف . وهكذا أحزابه فهو متعدد الأحزاب حزب الأمة ،والوطنى الإتحادى ، والإتحادى الديمقراطى ، والحزب الشيوعى والأخوان المسلمون إلخ .
ونحن هنا نتناول حزب الأمة النشأة والتأسيس فحزب الأمة هو الجناح السياسى لطائفة الأنصار التى تدين بالولاء والإنتماء العقائدى لأحفاد الإمام محمد أحمد المهدى الثائر الذى قاد حركة التحرر الوطنى ضد الإستعمار التركى البريطانى ، وقد نجحت قيادة المهدى فى توحيد أهل السودان ونبذ القبلية ، والعشائرية ، والمذهبية ,وقد توحد السودانيون برغم تباين سحناتهم ، ولهجاتهم ، وألوانهم جمعهم شئ واحد حب المهدى ، وحب السودان حرا مستقلا ، وبدأ المهدى فى تحقيق إنتصاراته على جيش الإمبراطورية التى لا تغرب شمسها بدأ بقدير ، وشيكان ، وهزم هيكس باشا الذى كان يقول معتزا بقوته لو أن السماء سقطت لثبتها بالسونكى
و { السونكى هو المدية التى تضع فى رأس البندقية } .
ثم زحفت جيوش المهدى إلى الخرطوم حيث مقر الحاكم الإنجليزى العام ، وكان يومها الجنرال غردون باشا الذى كان قائدا فى الهند ثم صار حاكما فى الصين فقتل الألاف من الصينيين زحفت قوات الأنصار صوب العاصمة للإطاحة بغردون ، وكان المهدى يريده حيا ليفديه بالزعيم المصرى أحمد عرابى ، ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن ما كل ما يتمنى المرء يدركه إنها سنة الحياة فقد قتل الأنصار غردون باشا عندما إقتحموا القصر دق أحدهم عنقه فقد إستفزاه منظر غردون الذى كان لا يبالى بما يجرى حوله وكان يحتسى الخمر فى برود إنجليزى عجيب فقطع رأسه ثم أخذه إلى الإمام محمد أحمد المهدى .
سقطت الخرطوم فى يد الأنصار ، ونقل الإمام الثائر محمد أحمد المهدى العاصمة من الخرطوم إلى أم درمان ، وبعد ستة أشهر من إنتصاره توفى المهدى ، وإنتقل إلى الرفيق الأعلى ، وخلفه خليفته الخليفة عبد الله التعايشى ، وحافظ على نظام الحكم ، وعلى السلطة لمدة 12 سنة ثم تحركت جيوش الأمبراطورية البريطانية بعددها ، وعتادها بغضها وغضيضها ، وبأحدث أسلحتها من آلات الحرب بينما كانت جيوش الأنصار لا تملك إلا السيوف ، والحراب وسلاح الإيمان ، ودارت معركة حامية الوطيس فى كررى وكانت المعادلة صعبة ، وشاقة ، وغير عادلة جيش بأسلحة حديثة للغاية ضد جيش بأسلحة بدائية للغاية طبيعى أن ترجح كفة الجيش الغازى ، وإنهزم الأنصار ، وطاردت جيوش الجيش الغازى الخليفة عبد الله التعايشى الذى لم يجد بد" غير أن يستسلم لقضاء الله ، وقدره فى رجولة وبطولة نادرة ورباطة جأش عجيبة ، والشجر الكبير يموت واقفا فصلى الخليفة ركعتين ، وبقى فى سجادته إلى أن قتلوه.
فإنطوت صفحة المهدية بهزيمة خليفة المهدى ، وتوغل الغزاة إلى أكبر معاقل المهدية الجزيرة أبا ، وهناك عملوا أسلحتهم فى آل المهدى تقتيلا ، وتعذيبا ، ولم ينج إلا إبنه السيد عبد الرحمن محمد أحمد المهدى ، وعندما صار رجلا تبناه الإنجليز ، وحاولوا أن يشغلوه بالمال ، والدنيا ، وأغدقوا عليه العطاء فعمل بالزراعة ، وتوسعت مشاريعه التجارية وإستخدم الأنصار فى كل أعماله سواء كانت زراعية أو تجارية ، وكان رجلا كريما للغاية ، وفطن لخطة الإنجليز فرفع شعار السودان للسودانيين ‘ وكان يتبنى المتعلمين والمثقفين من أبناء السودان فى نادى الخريجين أمثال الأستاذ محمد أحمد محجوب رئيس وزراء السودان الأسبق المحامى والشاعر ، والمهندس القاضى الأديب الأريب .
كما كان يرسل السيد عبد الرحمن المهدى بعض أبناء السودان للتعلم فى الخارج ، وبناءا عليه أنشأ حزب الأمة الذى كان شعاره إستقلال السودان دون ربطه بمصر وعبد الرحمن المهدى شخصية وطنية إحترمها السودانيون بكل الوانهم ، وأحزابهم ، وبمختلف أعمارهم فسيرته نقية أبية سيرة السودانى الأصيل كشجر النخيل الذى لم يكل ، ولم يمل من التضحية بماله ، ووقته من أجل إستقلال السودان ،ولم يهدأ باله إلا عندما ذرفت عيناه دموع الفرح ، وهو يرى الزعيمين إسماعيل الأزهرى ، ومحمد أحمد محجوب ينزلان العلم البريطانى ، ويرفعان محله العلم السودانى لأول مرة بألوانه الثلاث الأبيض ، والأخضر ، والأزرق يرفرف فوق الساريه إيذانا بالحريه والإستقلال ، وكما قال الشاعر :
أعطنى حريتى ، وأطلق يديا إننى أعطيت ما إستبقيت شيئا
وكما قال أبو القاسم الشابى :
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلى ولابد للقيد أن ينكسر
بعد الإستقلال كانت لحزب الأمة صولات ، وجولات فى السلطة ، والحكم ، وكثير من السياسيين ، والمحللين والصحفيين ، وقادة الأحزاب يحملون حزب الأمة مسؤولية وئد الديمقراطية بمسرحية تسليم ، وتسلم للحكم إذ دعا الجنرال عبد الله خليل رئيس هيئة الأركان فى الجيش الفريق إبراهيم عبود لتسلم السلطة فى إنقلاب عسكرى أبيض أطاح بالديمقراطية الأولى .
ولم يعد حزب الأمة إلى السلطة إلا بعد قيام ، وإندلاع ثورة إكتوبر ، وسقوط العسكر بقيادة الجنرال عبود ، وبعد إستقالة حكومة سر الختم الخليفة ، وتشكيل حكومة بديلة ثم سقوط الديمقراطية الثانية التى كتب شهادة وفاتها العقيد جعفر نميرى ن وحكم البلاد ، والعباد لمدة ستة عشر عاما فأطاحت به ثورة رجب أبريل فى 1985م .
وبعد قيام الحكومة الإنتقالية برئاسة المشير عبد الرحمن سوار الذهب الذى أصر على إجراء إنتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة تسلم السلطة لحكومة مدنية ، وقد أوفى بعهده حيث تلألأ نجم حزب الأمة الذى حصد زعيمه الصادق المهدى أعلى الأصوات على الإطلاق فى الجزيرة أبا كما حصد حزبه أكثر الدوائر "99" دائرة فجاء فى المرتبة الأولى ، وشكل حزب الأمة برئاسة زعيمه الصادق المهدى الحكومة حيث صار هو رئيسا للوزراء فى حكومة الديمقراطية الثالثة التى إستمرت { ثلاث سنوات } 1986 -1989م ثم أطاح بها العميد/ عمر حسن أحمد البشير فى أسوأ إنقلاب على الديمقراطية تم إغتيال الديمقراطية الثالثة لمصلحة حزب الجبهة الإسلامية القومية .
بقلم الكاتب الصحفى والباحث الأكاديمى
عثمان الطاهر المجمر / باريس
osman osman [elmugamar1@hotmail.com]