من يسأل فخامة الرئيس..؟

 


 

 


Hashimh640@gmail.com

العرف السياسي الدولي "هو مجموعة القواعد التي إستقر العمل بها باستمرار وشاع الاعتقاد بالزامها من قبل الدول".. والقواعد التي نقصدها في هذا المقال هي القواعد الاخلاقية في إدارة الدول ومصالح الناس، الضعفاء فيهم، والفقراء فيهم، والجوعي فيهم، والمرضى فيهم، وذوي الحاجة فيهم.
دول أفريقية عديدة رغم ما إعتري طريقها من ظروف إستطاعت الإنفكاك من سلبيات ماضيها ورسم طريقها في صخر الحياة، عبّدته بعزمها وإخلاص حكامها لتنطلق الى آفاق التقدم كغيرها من أمم. فقد أوضح تحليل حديث (للآلفية الحالية) أجراه بنك باركليز "البريطاني الشهير" أن منطقة شرق أفريقيا تظهر كمركز تجارى منافس لاكبر دولتين فى منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، هما جنوب أفريقيا ونيجيريا.
حدد البنك البريطانى خمس عمالقة خامدة تقدم فرصاً ضخمة للشركات الأجنبية في مقدمتهم أثيوبيا الى جانب كل من الكونغو الديمقراطية،وموزمبيق، وتنزانيا،وغانا. وقال بنك "باركليز" فى مؤشر التجارة الأفريقية إن الدول الخمس التى تعمل على اللحاق بالركب بعد إضطرابات سياسية واقتصادية هائلة باتت أكثر جاذبية للشركات الأجنبية والمؤسسات الاستثمارية، كما سيؤدى أي تكرار لنمؤها الاقتصادى السنوى المركب الذى بلغ 7.3% خلال الخمس سنوات الماضية إلى إرتفاع كبير فى إنفاق الأسر(رفاهية الشعب).
يقول تقرير أخر لبنك التنمية الافريقي أسماه "الركض العظيم" عن واحدة من هذه الدول الجارة، كان المحرك الرئيسي للنمؤ على مدى العقد الماضي إستثمارات القطاع العام على نطاق واسع. فمنذ عام 2010 إلى عام 2013، وصل إجمالي الإنفاق على القطاعات الموجهة نحو النمؤ لصالح الفقراء من التعليم، والزراعة، والأمن الغذائي، والمياه، والصرف الصحي، والصحة، والطرق إلى 12.7 مليار دولار. وفي عام 2012 / 2013 وحده بلغت نسبة الإنفاق على هذه القطاعات أكثر من 70 في المائة من الإنفاق الحكومي العام. وتسارع النمؤ الإقتصادي ليسجل متوسط 10.9 في المائة بين عامي 2004 و2014، وهو مما رفع هذه الدولة من ثاني أفقر البلدان في العالم في عام 2000 لتصبح دولة متوسطة الدخل بحلول عام 2025. من جهته يتوقع تقرير لـ"إرنست آند يونغ" (اختصارا E&Y- هو إحدى أكبر الشركات المهنية الاقتصادية والمحاسبية في العالم مقرها لندن)، ولديها مكتب في عاصمة هذه الدولة الافريقية الجارة أن الاستثمار الأجنبي المباشر سيسجل متوسط 1.5 مليار دولار سنويًا على مدى السنوات الثلاث المقبلة، ارتفاعًا من 1.2 مليار دولار في العام الماضي، متوقعا ان تحتل مرتبة بين أكبر أربعة مراكز للتصنيع في أفريقيا بحلول عام 2025.
الدول من حولنا ترصف طريق نهضتها بعزم قادتها،ونحن لا نزال في عتبة إختيار مسئولينا. ومن هو أخر ساقطي مسئولينا هو وزير رئاسة الجمهورية ومدير مكاتب رئيس الجمهورية الذي يُؤتمن على أموالنا وأسرار دولتنا، وتخرج عبره كل يوم "أم" قرارت بلادنا ورتق حالنا. لا يتوقف الامر على فشل الحكومة في حل مشاكل السودان وأهله من حروب اهلية،وعدم استقرار،وسياسات فاشلة، وخدمات متعطلة، وأوساخ متراكمة، وكوليرا متفشية تتستر عليها الحكومة (بدلا من إعلانها)، ليعطي كل يوم خيبة جديدة. بالامس ضرب الفساد ضربته في أراضي الخرطوم عندما كان واليها السابق عبد الرحمن الخضر خرجت الفضائح من مكتبه الذي يشرف على عاصمة بلادنا واراضي ومقتنيات الخرطوم، لم يُعاقب السارق حتى ذهب الى ربه، ولم يُسأل او يُعاقب الوالي وقد تفرغ لإدارة بيزنسه. فساد حقيقي تتحدث عنه الصحف في وزارات ومؤسسات وإدارات، وفساد اشتهر على مستوىً دولي تُعلنه منظمة الشفافية الدولية التي تضع السودان كل عام في مؤخرة الدول الى جانب دولتي الصومال وأفغانستان كأكثر بلدان العالم فسادا.
يقولون لك – انه ينبغي ان نُحافظ على الفساد المتمثل في القيادة الفاسدة التي لها كل يوم ( لون وشأن) وإلا فسوف يهجم علينا النمر الاسود الذي يتربص بنا على أطراف العاصمة الخرطوم.. ومن هو النمر الاسود الذي يُخيروننا بينه وبين فساد أصبح ديدنا لا فكاك ولا أمل لمعالجته ؟
حادثة الجنرال الضابط الاداري المواطن السعودي طه عثمان احمد الحسين لم يكن لها أن تبلغ ما بلغته من خاتمة مؤسفة لقصر الرئيس لو إستمر الامر في إستغلال السلطة والمال العام ، وإدارة الونسات والهموم الساذجة..حادثة وزير دولة رئاسة الجمهورية مدير مكاتب الرئيس الذي طفح كالنبت الشيطاني شهرة،وحركة،وريبة حملتها الاسافير وفضاءات الواتساب التي كانت ترصد تطوراته منذ اول يوم تنصبه الي يوم إصدار رئيس جمهوريتنا مؤخراً إعلان فصله بعد ان ملئت شهرته وسائط التواصل الاجتماعي، وبعد أن طفح كيل الفساد وإتخذ مناحى ومراقي اخرى لا نفقه حقيقة ما يدور في كواليسها ضمن تنافس وأساليب مراكز القوى.
هناك تضارباً بين مصلحة المؤتمر الوطني الحزب الحاكم ومصلحة الشعب السوداني حينما يختار لرئيسنا عنصرا فاسدا ليضمه الى بطانته مقدما على مصلحة البلاد والعباد..واذا كان عدم المبالاة في الإختيار في أهم منصب (راعي وأمين امانات دولتنا) مدير مكاتب رئيسنا فما بالك بغيرها من مسؤليات يرجو المواطن من ورائها ما يتطلع إليه من رفعة لبلاده.
الرئيس الاسبق جعفر نميري طيب الله ثراه ورفع مقامه في عليين رغم ما نُمسك عليه من أخطاء الا انه كان ذو عزم صادق في إختيار مستشاريه ومدراء مكاتبه يختارهم من صفوة الاكاديميين النزهاء والعلماء الموهوبين، وما اكثر النزهاء الموهوبين في بلادنا، حيث يظل مثال الدكتور بهاء الدين محمد ادريس حاضرا في أمثلة السياسة السودانية لشرف الوطنية وفعالية العطاء ونزاهة النفس. كان وزيراً لرئاسة الجمهورية اقرب المناصب للرئيس بمثابة مدير مكاتبه، ومساعدا للرئيس نميري، مات في لندن فقيرا مدقعا ودفن في الخرطوم وتحدث رفاقه واقاربه عن شرفه وأمانته وعفته.
السودان لا يزال في عتبة إختيار المسئولين والدول من حولنا تنهض بحكوماتها وشعوبها، ترقي كل ساعة الى هموم جديدة،وقدعالجت الفساد بعزم المسؤلية وقانون الدولة وحسم المفسدين.
من يسأل فخامة الرئيس.. ليس يسأله عمّا ضاع من عمر البلاد والزمن هو أهم عنصر في تقدم الامم، ولا يسأله فيما ضاعت من فرص كان ينبغي ان يتربع فيها السودان موقع نهضة حققتها دول جارة هي الان مهرولة بشعوبها الى رحاب الرفاهية. وليس يسأله عن إنفصال جزء عزيز من لحمة بلادنا -جنوب السودان منقو واهله في يامبيو ومريدي وجوبا وجونقلي ..ولا يسأله عن رهن تراب بلادنا في دارفور وكردفان وأبيي.. لقوات أجنبية أصبحت خبيرة بأسرار جغرافية بلادنا اكثر من العلماء الجغرافيين عندنا.. بل من يسأل فخامة الرئيس عن إختياره لمعاونية في رئاسة الجمهورية المؤتمنين على أسرار الدولة، وما يترتب على فشل ذلك الاختيار من ضياع لهيبة الدولة وزمن الشعب وأموال المواطن. بل من يسأل الرئيس عما هرب به الفريق طه عثمان احمد الحسين من أسرار سافرت معه لدول وجهات أجنبية يقبض بها، ويُساوم بها حكومته التي تتردد حتى في إحتجازه خوفا وفشلا.. من يحاسب المؤتمر الوطني على ضياع أمانتة..؟

 

آراء