من يطلق حنجرة محمد وردي من قيد التاريخ؟

 


 

 

 

اعجم بين يدي الأسبوع كنانة الأيام وانجّمها عبر القصص والحكاوي والأحداث. الأحد: من يطلق حنجرة محمد وردي من قيد التاريخ؟

كان النطاسي البارع الدكتور متوكل محمود يخب الخطي بشبابه الفارع في عراصات لوس أنجلوس، ورغم صخب المدينة الكبيرة وهي تحتضن هوليوود ومشاغبات الفن علي شواطئها الجميلة إلا أن عبق أم درمان وحي الموردة وذكريات جده الدرديري محمد عثمان رئيس مجلس السيادة بعد الإستقلال لم تكن تفارق مخيلته وهو غارق في التدريب والدراسة في تخصصه الطبي الدقيق.يكاد يغرق في دموعه عندما يتذكر الأقاصيص تروي عن خاله الأديب معاوية محمد نور وكيف قضي ايامه الأخيرة يصارع داء العبقرية في بيت أسرته الكبير. وعندما جاء الفنان الراحل الضخم محمد وردي الي السواحل الذهبية اشعل في تلك البقعة فرحا عذبا بلون البرتقال ورائحة القرنفل. وتعانق خيال النطاسي الدكتور متوكل مع صاحب الحنجرة الذهبية واتفقا علي توثيق اجمل أعماله الغنائية بأحدث التقنيات التي انتجتها استديوهات الفن في لوس انجلوس مدينة السحر والسينما والجمال.وتداعي الي تلك المدينة الرحيبة بإشراف من الدكتور متوكل امهر العازفين وأفضل الموزعين واندي الأصوات طلاوة لتسجيل أغنيات وردي الخالدة. وبعد أكثر من شهر من البروفات والترتيبات الفنية ازدهي الأستديو بأكبر وأجمل فرقة موسيقية تجتمع خلف فنان سوداني يحفها ألق من التوزيع العبقري وأصوات تذوب حلاوة وهي تشارك وردي عبقرية الغناء. وتداعت الأغنيات،وتناثرت الألحان كأنها نابعة من اصداء جبل البركل وكل جراحات التاريخ .وتدفق صوت محمد وردي مثل الشلال العذب يغمر بفيض اغتباقه وتطريبه وعبقريته المتفردة  اخاديدا من الفرح ويحفر عميقا في قلب التاريخ نهرا جديدا من الشجن الخالد. كانت الدهشة عنوانا لكل شيء، وأجمعت تلك الكوكبة الفنية الرائعة أن ما تم تسجيله من اغنيات وردي سيحدث نقلة في تاريخ الفن السوداني ليس من ناحية جودته الفنية وقيمته التاريخية فحسب بل لأنها تعد توثيقا جماليا بأحدث ما انتجته التكنلوجيا المعاصرة لأحد أبرز عبقريات الفن السوداني في تاريخه الحديث. ولكن رغم هذا النجاح الفني الضخم الذي انتجه تلاقح مبدع بين غنائية محمد وردي وخيال وجهد ومثابرة د. متوكل إلا أن تفاصيل أخري ذات أبعاد قانونية مع الشركة المسجلة حرمت الشعب السوداني من أن يستمتع بأضخم أنتاج فني لأحد أهرمات الفن السوداني وعبقرية فذة في تاريخ الغناء الحديث. يأمل الشعب السوداني صاحب المصلحة الحقيقية أن ينجح الدكتور متوكل وجميع الأطراف الأخري في أن تطلق حنجرة محمد وردي الذهبية من قيد التاريخ.

الأثنين: أستدراكات أمين حسن عمر علي مقاربات التجديد بين الترابي والتيجاني عبدالقادر الدكتور امين حسن عمر مثقف ضخم ورجل وقّاف علي دقائق العلوم والفهوم، بريع في الفنون والمتون اخذته السياسة من ميدان الفكر والأدب والفقه والفلسفة حتي شرب قهوة الدهقان مع كل شراتي دارفور.استدرك علي مقالي السابق عن مقاربات التجديد بين الترابي والتيجاني عبدالقادر أن الأول مفكر وفقيه اصولي يعني بتزيل الأصول الكلية علي الأقضية المتجددة في الحياة لأنه مهموم بأستنزال النموذج العملي لمواجهة تحديات الواقع، أما التيجاني عبدالقادر فهو مشغول بنظريات العلوم الإجتماعية وهي مهما بلغ التجويد النظري لمبناها ومعناها لا تقوم مقام اصول الفقه ولا تقدم حلولا عملية لقضايا التجديد. كما أن دراسات القرآن التي برع فيها الدكتور التيجاني وعمله في استخلاص المفاهيم القرآنية من الحقول المعرفية لا تقوم مقام التجديد المستمد من كليات أصول الفقه. وكان الرأي الذي سقته عن زعم علمي أن البعض حصر التجديد في اصول الفقه بفعل الإنجازات الفكرية المميزة للدكتور الترابي التي بناها علي موافقات الشاطبي، ولكن أستطاع التيجاني عبدالقادر بما قدمه من دراسات ان يهز هذه القناعة وأن يفتح مجري معرفي للتجديد الإسلامي ينبع من استباط مفاهيم كلية من القرآن الكريم. ولكن الدكتور أمين حسن عمر من منظري مدرسة التجديد انطلاقا من اصول الفقه، ويقلل من شأن تأثير أصحاب العلوم والنظريات الإجتماعية في تحرير التجديد من ابواب الأصول الي فصول المفاهيم القرآنية.

الثلاثاء: أسرار التطبيع الأمريكي مع كوبا وأيران

كشف الصحفي الأمريكي بيتر والدمان أن برنامج التطبيع بين واشنطون وطهران هو ثمرة سائغة للدبلوماسية العامة غير الرسمية، لأن فكرة التطبيع بدأته مؤسسة روكفلر الخيرية برئاسة استيفن هينز وهي تتبرع بمبلغ 4.3 مليون دولار لإنشاء مكتب صغير في مانهاتن بنيويورك كان يحمل اسم مشروع إيران تحت مظلة منظمة مدنية تحمل اسم جمعية الأمم المتحدة لأمريكا، وهو البرنامج الذي وضع خلال عشرة سنوات من العمل المتواصل باشراف دبلوماسي متقاعد لبنة التسوية الأولية وهي تجميد البرنامج النووي مقابل سحب العقوبات والتطبيع السياسي والدور الإقليمي، وعندما نضج مشروع التسوية في صورته الأولية تمت احالته الي مسارات الدبلوماسية الرسمية للتفاوض المباشر.

أما قصة التطبيع مع كوبا كما كشفت النيويورك تايمز الصادرة أمس الأول فقد ساهم فيها بابا الفاتيكان بشكل رئيس ومؤثر. وبدأت القصة بمشهد غريب وهو موافقة السلطات الكوبية والأمريكية علي سحب سائل منوي من سجين كوبي في أمريكا وزرعه في رحم زوجته بهافانا لأنها تريد ان تحبل من زوجها السجين قبل أن تفقد خصوبتها. وتمت التجربة بنجاح وسرية واشترطت السلطات الأمريكية علي زوجة السجين التي تحظي بشهرة كبيرة في هافانا ان تتجنب الظهور في الأماكن العامة لان بطنها قد استطالت وبرزت خوفا من ان تفسد الصفقة السرية وهي لا تستطيع ان تكذب انها حبلت من غير زوجها.

صار التطبيع السياسي يبدأ من مكاتب صغيرة للعلاقات العامة بنيويورك بتمويل من منظمة خيرية كما في حالة ايران الي تجميد سائل منوي وتخصيب اصطناعي كما في حالة كوبا؟ هذا من باب التبكيت في السياسة لكن بالطبع تحقيق هذه الأهداف مرتبط بحيثيات موضوعية وخيارات استراتيجية للولايات المتحدة.

الأربعاء: :صلاح قوش والصادق المهدي حظي الحوار الذي اجراه الصحفي النابه دلاي في هذه الصحيفة مع الفريق صلاح قوش مدير جهاز الأمن والمخابرات السابق بمتابعة عالية وتعليق كثيف في أعمدة الصحف ومواقع التواصل الإجتماعي،وقناعتي أن صلاح قوش كبح نفسه من البوح بالأسرار الحقيقية ذات التأثير الواسع والصوت المدوي ، رغم ان البعض اعتقد انه كشف عن الكثير من الاسرار، واشار البعض ان الحوار جاء خصما عليه كاشفا عن شخصيته الحقيقية خاصة وأنه ظل مستترا خلف السلطة وصولجانها مما اكسب شخصيته غموضا وهيبة، فأعاده الحوار الي شخص عادي جدا.وظني أنه حاول أن يقدم نفسه في هذا الحوار بصورة جديدة وهو ان يتخلص من جلده الإصطناعي  كرجل مخابرات وان يتحدث معبرا عن نفسه كمواطن عادي لديه خبرات مقدرة في السياسة والمخابرات بحكم منصبه السابق. كما حرص علي تسويق نفسه كسياسي يهتم بمواطنيه في دائرته يقدم لهم المساعدات وبرامج التنمية كما بدا حريصا علي ارسال رسائل الي الأشخاص والأفراد والقادة السياسيين.. لكني امتعضت علي نحو خاص من اجابة الفريق صلاح قوش وهو يتحدث عن اسلوب الصادق المهدي في الإستجواب حيث وصفه بأنه رجل كثير الكلام واسهل من يعطي المعلومة ولا يفرق بين الجد والهزل.لأنه حصل علي هذه المعلومات اثناء تقلده منصبا رسميا يرتبط بالأمن وبالتالي تظل هذه المعلومات وإن كانت انطباعية في حيزها المهني ولا يمكن استخدامها للإغتيال المعنوي ردا علي ادعاء الصادق المهدي أن قوش اتصل به ليتولي رئاسة الحكومة الجديدة. وصلاح قوش رجل عرفت عنه شجاعة الرأي فليته اكتفي بنبل الخصومة وتلفع بالصمت الجميل واصول المهنية وهو يتحدث عن شخصية عامة بمعلومات حصل عليها من خلال منصبه الرسمي وليس صفته الشخصية.    

الخميس: أمام محمد ماجد والدفاع عن الإدارة الأمريكية في قلب الخرطوم خرج بعض الشباب الذين كانوا يحدوهم الأمل في الإستماع الي من أسمته الصحف السودانية الداعية الأمريكي الإمام محمد ماجد بإحباط كبير وهو يشد قوسه دفاعا عن الإدارة الأمريكية . وهو رجل عزيز عند قومه عبر الأطلنطي في منعة وسؤدد من تهافت مزاعم الصحافة السودانية. إذ تفاجأ رهط من الشباب الإسلامي وهم يتابعون محاضرات إمام ماجد في الخرطوم الإسبوع الماضي بنبرته الواثقة وهو يدافع عن الإدارة الأمريكية وينفي عنها اتهام صنع داعش لأنه لا يعقل أن تصطنع أمريكا لنفسها عدوا ثم تنفق مليارات الدولارات لمحاربته. لم تتوقف دهشة الشباب عند هذا الحد وهو يؤكد لهم أنه زار متحف الهلوكوست ويعترف بالمحرقة ويخاطب اليهود والمسيحيين في بيعهم وصوامعهم وكنائسهم. وهاجم شيوخ التقليد قائلا إن فشلهم في متابعة التكنلوجيا و تقانة المعلومات هو ما مكن لداعش في المجتمعات الإسلامية. توقع هؤلاء الشباب ان يشاهدوا شيخا كهلا يصرخ الموت لأمريكا ويحملها كل أوزار المسلمين وانتشار التطرف وصنع داعش.

جاء إمام ماجد الي احد مواسم الحج وهو يقود رهط من الإمريكين حديثي عهد بالإسلام واقنعه بعض السودانيين أن يقدم لهؤلاء داعية شهير في السودان في محاضرة عن الإسلام وأن يتولي هو الترجمة. وطفق هذا الداعية المشهور يفتي هؤلاء الأمريكان والإسلام في قلوبهم غض كبنان طفل صغير أن يفارقوا ازواجهم بعد أن منّ الله عليهم بالإسلام تطبيقا لعقيدة الولاء والبراء. فترجم الإمام محمد ماجد عكس مراد ما كان يبتغيه الداعية المشهور وقال لهم إنهم يحضكم أن تحسنوا لأهلكم وأزواجكم ممن بقي علي المسيحية عسي أن يهدوا يوما بأيديكم الي الإسلام. وعقب المحاضرة أخبره بما فعل في الترجمة فغضب ذلك الداعية وشرح له إمام ماجد فقه الأقليات المسلمة وأنهم لو أتبعوا فتواه لهدم  اسرهم ومزق مجتمعاتهم مما يسهل احتمال ردتهم عن الإسلام. منهج الإمام ماجد الذي اشتهر به وبوأه مكانا عليا في المؤسسات الإسلامية بأمريكا هو أنه خالف عن قصد نهج من سبقوه من الدعاة المهاجرين الذين ارادوا ان يزرعوا في أمريكا نمط التدين الشرق أوسطي وأن يعبروا في دروسهم الدينية وخطبهم عن تحديات مجتمعاتهم السابقة وقضايا أوطانهم الأصلية، فأنتهي هؤلاء اما الي السجون او الي مزابل التاريخ والنسيان. أما أمام ماجد فقدم طرحا مغايرا يعتبر الإسلام جزءا من الثقافة الأمريكية يؤمن بمسلماتها الكلية وقيمها الإنسانية  والحداثية ومبادئها في التعدد والديمقراطية وحريات التدين والتعبد. وهو بذلك لا يعارض مؤسسات الدولة كما تعبر حركات المسلمين داخل مجتمعات الأمريكيين الأفارقة التي تعتبرها مؤسسات الرجل الابيض، وهو يعني بقضايا التسامح الديني ويدعو اليهود لمخاطبة المصلين في المسجد ويخاطب اليهود في معابدهم والمسيحيين في كنائسهم ويتعاون مع السلطات الأمريكية لمحاربة التطرف ويعترف بالمحرقة ويلبي دعوة الرؤساء الأمريكان في البيت الأبيض. غرس أمام ماجد بمنهجه الإسلام ضمن تيارات الثقافة الأمريكية لا باعتباره نسخة من تدين مسلمي الشرق الأوسط المهاجرين المشبع بانماط التقاليد الإجتماعية لا المباديء الدينية.

لم يجد امام ماجد حرجا وهو يقول لمسلم شاب يهاتفه وهو في خلوة مع خطيبته ويستدعيه لتحرير عقد الزواج فورا في احد مواقف السيارات مخافة أن يقع في الحرام إنني لست بقالة مفتوحة طوال اليوم لتلبية طلبات الزبائن ماركة سفن اليفن.امام ماجد وجه مشرق وقامة دينية مرموقة ومحترمة في امريكا يفخر بها السودان.

الجمعة: الكيس دي وال وحملات النشطاء والمشاهير

ما انفك الدكتور اليكس دي وال يقدم طرحا جديدا كل حين في مباحثه عن النزاعات والسلام، وقد دشن قبل اشهر مع عدد من المختصين والأكاديميين كتابا نال حظا مقدرا من الإهتمام والمناقشة  حول حملات الناشطين خاصة المشاهير منهم في قضايا النزاعات ذات الابعاد الانسانية. وتناول الكتاب بالدراسة العميقة عددا من النماذج في بعض القارات في آسيا، افريقا وامريكا اللاتينية، والشرق الأوسط. وتناولت الدراسة عبر التحقق والتحليل تحديد أسباب النجاح والفشل لمثل هذه الحملات. ويري الدكتور مايكل برينت أن النشطاء الغربيون ما برحوا يقدمون التنازلات حتي ابتعدت اهداف حملاتهم العامة عن مقاصدها وغاياتها الأساسية. خصص الدكتور اليكس دي وال الفصل الثامن للحديث عن الهروب من مسئولية القتل الجماعي في جنوب السودان: الحركة الشعبية واللوبي الأمريكي. وفي تلخيصه يقول دي وال أن أمريكا بوأت قادة جنوب السودان مكانا عليا لكن طبقت عليهم معاييرا منخفضة جدا في مجالات حقوق الإنسان والحوكمة الرشيدة.. واشار أن اللوبي الأمريكي الذي يتعاطي مع قضية السودان يعاني أزدواجا مخلا في المعايير، فقد غفروا لقادة جنوب السودان الفساد وغضوا الطرف عن الفظائع والإنتهاكات التي ارتكبوها. و حتي عندما اشعلوا الحرب اعلنت أمريكا أن جنوب السودان هي الدولة الصديقة الأولي بالرعاية، وفي ذات الوقت ضيقوا علي السودان وحاسبوه علي كل صغيرة وكبيرة، لذلك فشلت الحملة من حيث المعايير الأخلاقية، وعن المشاهر قال إن الحملات العامة تستخدم نجوميتهم وتأثيرهم البالغ لخلق نفوذ وتأثير علي صناع القرار وواضعي السياسيات والنواب التشريعيين في الكونقرس.    khaliddafalla@gmail.com

 

آراء