نعم ، سأخون وطنكم

 


 

ابراهيم عثمان
29 November, 2016

 

لم يطاوعني قلمي لأكتب ( سأخون وطني ) مثل محمد الماغوط ، فقضيتي ليست كقضيته وأحلامي ليست كأحلامه ، يشكو الماغوط من الظلم والقهر والتسلط في وطنه ، ولكنها شكوى العاجزين ، شكوى المتصارعين داخل شروط اللعبة ، شكوى شخص هو بنفسه وفكره وأدبه أحد أوجه الأزمة ، قضيتي أنا ليست نقص حرية أو خدمات ، قضيتي أكبر بكثير . قضيتي جوهرها هو أنني لا أشعر بأن سودانكم هذا هو وطني ، سودانكم منذ الإستقلال ، بحكوماته الحزبية والعسكرية والمختلطة ، لذلك كان طرحي وسيظل هو : السودان الجديد الذي يقوم حرفياً على أنقاض القديم ، عندما يقوم ذلك السودان سأنظر في تعريفات كلمات من نوع الخيانة وما جاورها من كلمات قاموسكم البائس . وإلى ذلك الحين فأنا في حل مما تظنون أنه يحرجني من كلمات ، فأفعالي التي تصفونها ليست ضد وطني بل ضد وطنكم... سأكون زيوس الذي يحيل وطنكم إلى مسخ سيزيفي ، سأكون بروكرست أضع الوطن وأهله على سريري فإن لم يسعهم قطعت الزائد منهم ، وإن قصروا عن طوله شددت أطرافهم حتى يكونوا على مقاسه ، سأقطع رقبة ثيسيوس قبل أن يباغتني بنفس الجزاء ، نعم سأخون وطنكم .. سأنتهك كل الحرمات وأحطم كل التابوهات ، وأصنع طواطمي على مقاسي ، أنا المركز أنا الحقيقة الوحيدة والأجدر بالبقاء ، سأقوم بتأسيس أسطورتي على أنقاض كل الأساطير ، سأهدم المعبد وأجلد العُبّاد ، نعم سأخون وطنكم .. سأصادق كل من يعاديه .. سأتلقى دعمه وأرشده على أقصر طرق الأذى .. سأشعل الحروب وأنا أتغنى للسلام ، وأقسّـم الشعوب وأنا أحاضرها عن الوحدة ، سأقصف المدارس والشوارع والأزقة وأنا أبشرها بالأمن والطمأنينة . سأختطف المهندسين وأنهب الآليات وأعطل المشاريع وأنا ألقي الخطب عن نقص التنمية ، سأكافئ جنودي الذين خطفوا والذين نهبوا وأشجعهم على المزيد بعد خطبة عصماء من أحد المدرسين في مدرسة الكادر تبين لهم كيف أنهم قد اجترحوا المعجزة وحلقوا في سماوات الإبداع الثوري وهم يعطلون هذا المشروع ، فالتنمية حقٌ وليست منحة ، تُنتزٓع ولا تُنتظٓر ، بيدنا لا بيد عمرو . 

نعم سأخون وطنكم .. ما هي تابوهاتكم الحمقاء ؟ إسرائيل ؟ سأتعاون معها وأتخابر وأفتح المكاتب العلنية ، لن أكون مثل سلفاكير وأجعل العلاقة سراً لا أكشف عنه بمنتهى الوضوح إلا في نهاية المطاف ، سأعلن تعاوني معها بكل شجاعة ، وسأحيي تحيتها وأمشي على خطى أڤي ديختر ... ماذا أيضاً من تابوهاتكم البلهاء ؟ اللوبي الصهيوني ؟ حبيبي وتوأم روحي ودليلي ومرشدي وأبي الروحي ، عليه أعتمد وعلى خططه أسير وبحمده أسبح .. ماذا أيضاً ؟ الوطن وحدوده وسلامة أراضيه ؟ ألم يكفكم درس هجليج ؟ ألم تروا كيف تعاونا مع جوبا لإحتلالها ؟ ألم تقرأوا بيان القائد ياسر عرمان وهو يبارك (استعادة) الجنوب لها و يتوعد بالمزيد ؟ ألا زلتم تؤمنون بالأساطير بعد أن حطمتها حركتنا الأم وأعلنت في شجاعة نادرة انفصاليتها التي طالما غطتها وحمتها من مخططاتكم المجرمة ؟! بها سأقتدي وعلى خطاها سأسير إن لم أتمكن من تحطيم وطنكم وبناء السودان الجديد .. ألم تقرأوا الفجر الجديد ؟ ألم تقرأوا ماذا قال عن وحدة الوطن ؟ أتظنون أن الفجر الجديد هو فعلاً مجرد منفستو مات تحت وطأة مساومات وضغط حلفاءنا بالداخل لما فيه من إحراج لهم ؟ نحن لا نعرف الإحراج وسنحرج الإحراج نفسه إن وقف في طريقنا ، لكن لا بأس من أن ننحني مؤقتاً للرياح لنستوعب من بالداخل لكن في النهاية القافلة قافلتنا والمسيرة مسيرتنا وأهدافنا النهائية ليست في حالة صيرورة بل في حالة سيرورة ، لا تصير ولا تتبدل ولكنها تسير وإن تعرجت الدروب ، لا تكذب ولا تتجمل لكنها تتستر وتتوقى لتتفادى مؤامرات الأعداء ، لا تُراجـِع ولا تتراجع ، بل تكمن لتعود أكثر قوة ، وتتظاهر باللين لتعود أكثر صلابةً ..
أتانا المهدي ليستخدمنا فأستخدمناه .. أتانا ليعلو على حسابنا ويستقوي بسلاحنا ، فكسبنا منه شرعية دون أن نوظف طلقة واحدة من سلاحنا لخدمة أجندته ، أتانا بعد تمنع ، وسلم لنا بعد ممانعة ، وسوقنا بعد تشويه ، فعلمنا أنه يائس بعد أن فشلت نظرياته في الجهاد المدني وبعد أن فشل أيضاً في وقت سابق في الكفاح المسلح . أتانا بعد أن سلخ ما يزيد عن ربع قرن في التنظيرات وصك المصطلحات ، نحن لا نحب مصطلحات المكاواة والمسايرة وما بينهما من تدرجات ، مصطلحاتنا تصكها بنادقنا وما بقية حديثنا إلا ترجمةً لها ، أتانا متردداً فعلمناه الإقدام والحسم ، أتانا إصلاحياً فحاضرناه في الراديكالية . عندما جرب هو رفع السلاح كان معظمنا يفعاً أغرارا، علمناه كيف يكون رفع السلاح ، كيف يظل السلاح مرفوعاً إلى الأبد وما أن تخبو قعقعته في ناحية إلا ويعلو صوتها في ناحيةٍ أخرى . نعلم أنه بقية من السودان القديم وإن نافقنا لكن غضبه من بعض أركان ذلك السودان سيجعله في خدمتنا ولو على مضض .
سأخون وطنكم وأطعنه في كل مكان من جسده تصله سكاكيني ، لا سقف لي ، لا قاع لي ، ولا أعبأ بقيودكم ، سأنطلق ولن يقف في طريقي (دينكم) ولا (عرفكم) ولا تخدش نقائي الثوري قوانينكم البلهاء . سأهد المعبد على رؤوسكم ، وسأبني معبدي/وطني ، سأصنع له ديناً على مقاس علمانيتي ، سأضع له قوانيناً لا تعلو عليها أي قوانين أو نصوص من (دينكم) ، سأفتتح سفارة لإسرائيل في الخرطوم ، وقنصليات في كل المدن ، وسنبني معاً بعونها وبخبراتها في التعامل مع الفلسطينيين الإرهابيين ومع الجيران الحاقدين ، سنبني معاً سوداننا الجديد ، لا أعرف اليأس ولا يعرفني ، فها هو نصف الحلم قد تحقق في دولة جنوب السودان ، صبرنا معهم وصابرنا وناضلنا حتى نالوا استقلالهم ، وحتى بدأوا في تنزيل الفكرة/الحلم : السودان الجديد ، السودان الجديد الذي تجري الآن هناك عملية صناعته وتنزيله واقعاً يحتار فيه الواقع ، حلماً يجاوز الحلم ، وعداً يتنزل كما تقول النظرية ويصنع فائض معاني ومباني وصور . أتغارون منهم ؟ أتشعرون بالعجز والصغار أمام تلك المعجزة ؟ أتحلمون بالنموذج ؟ لا عليكم .. نعدكم بمثله وأكثر .. المطلوب ليس كبيراً ولا جليلاً : سوداننا الجديد الذي نعدكم به لا ينبني إلا على نظافة ، نظافة شاملة تكنس كل تابوهاتكم المعطّـلة ، وتحطم وطنكم البالي ، لكن (الوطن) سيظل في حدقان العيون ، يدكم في أيدينا نحطمه ، لا تحدثونا عن آلام التحطيم ، هكذا هي الجراحات دائماً تؤلم لكنها تعالج ، تُزعج لكن يعقبها الراحة الأبدية ، يدكم في أيدينا ونعدكم لن تغاروا من جوبا ولن يشعركم سودانها الجديد الجاري تنفيذه بالعجز ، يدكم في أيدينا ونعدكم أننا سنبدأ من حيث انتهوا .

salaby2013@yahoo.com

 

آراء