هتلر – بوتين –  برهان….أو تناسخ إبليس Beelzebub! 

 


 

 

وما أزهدني في أرض أندلس............أسماء منتصر فيها    ومعتضد

ألقاب مملكة في غير موضعها..........كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد !

طافت بذهني بالحاح مفرط المقارنه بين أدولف هتلر وفلاديمير بوتن، كما تطرق لها العديد من المحللين والخبراء خلال الثلاثة أسابيع الكارثية المنصرمة؛ فكلاهما بدا في أول أمره كقط أليف لا تحركه إلا مظالم شعبه الموروثة من حروب وتسويات جائرة سابقة، وكلاهما كان يتلمظ في بادئ المسرحية بأحاديث ناعمة عذبه، ولا يتوعد إلا بعملية قيصرية محدودة – فقط احتلال تشيكوسلوفاكيا بدون إراقة دماء في حالة هتلر، التي لا يريد بها شراً بل ضم  إقليم بلزن بسلام وهدوء لأراضي الرايخ الثالث – لا من شاف ولا من دري. وهي في حالة بوتين أوكرانيا فقط ومن أجل أهداف محدودة – ردع حكومتها بحيث تقبل بوضع حيادي كالنمسا بعد الحرب العالمية الثانية، ولا تفكر في الانضمام للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

أما البرهان فهوHitler-in-the-making  ويستبطن نوايا هتلرية/بوتينية تسلطية دكتاتورية بلا أي مسوغ أو مؤهلات، ظهرت تجلياتها في عدة مواقف – مثل تنمّره وأنيابه المكشرة في أعقاب مجزرة فض الاعتصام عشية عيد رمضان 2019، عندما رفع يده من المفاوضات مع قوى الحرية والتغيير، واستمر في صلفه وازدرائه ورفضه لعملية الثورة والتغيير، حتي مليونيات 30 يونيو التي وجهت له صفعة مدوية أفاق علي إثرها من سكرة السلطة، وانكفأ يبحث عن مناديب الحرية والتغيير. وظهرت مرة أخري بصورة أكثر لؤماً وعدوانية وشراَ مستطيراً عقب إنقلاب 25 أكتوبر المنصرم؛ ولكنه ما لبث أن تقطعت به السبل مرة أخري، وطفق يبحث عن تصالح مع قوي الثورة، بعد أن فشل تماماَ في خلق حاضنة بديله وفي تكوين حكومه، وقد تصرمت ستة شهور علي انقلابه المشؤوم.

بيد أن المقارنة بين هتلر وبوتن مجحفة في حق الأول، فهو لم يبدأ بسفك دماء المدنيين والنساء والأطفال، ولم يهدم عمارات براغ فوق سكانها، بل دخلت جيوش الرايخ جمهورية تشيكوسلوفاكيا دون أن تطلق دانة أو طلقة واحدة، وظلت مباني براغ الجميلة المشيدة منذ عهد الملك شارلس قبل اربعمائة عام قائمة وسليمة حتي الآن. فلقد تمكن هتلر من تحييد الجيش التشيكي وكذلك النمسوي بدهاء منقطع النظير، واجتاح الدولتين في بضع ساعات. ولكن مكر التاريخ أكسبه الغرور الكاذب، وأدخل في روعه أنه الاسكندر الأكبر وسوف يفعل نفس الشيء مع البلدان الأخري، فقابلته المقاومة البولندية والروسية الباسلة، وأخذ في التآكل حتي خرّ  صريعاً شأنه شأن كل طاغية في نهاية تراجيديته. أما بوتن فقد استهل أمره بقصف المدن والبلدات الأوكرانية الآمنة، وفتك بقاطنيها وشرد شعباً بأكمله وشتته في أصقاع أوروبا بلا أدني مبرر، ولأسباب واهية كان يمكن حلحلتها عن طريق المفاوضات والوساطات الأوروبية والدولية.

ولقد اقحم نظام البرهان الانقلابي نفسه إقحاماً في المعادلة الهتلرية/البوتينية بزيارة موسكو مع بداية العدوان علي أوكرانيا، وابرام العديد من الاتفاقيات التجارية والاقتصادية والعسكرية والسياسية مع نظام بوتن، بينما العالم كله يتوجس من هذا النظام العدواني ويعد العدة للرد عليه وتحجيمه وتذكيره بأن الدنيا لم تعد كما كانت في 1938 عندما غزا هتلر دولة تشيكوسلوفاكيا. وحتي اليوم لم يصدر عن نظام البرهان/حميدتي أي إدانة للتغول الروسي علي أوكرانيا واستباحتها دماء الأبرياء الأوكرانيين، بل اصطفت حكومة الانقلاب السودانيه مع الدول المؤيدة لروسيا. ويبدو أن حميدتي قد ورط السودان معها باتفاقية منحت روسيا قواعد وتسهيلات فوق الأراضي والسواحل السودانية، مقابل دعم النظام الانقلابي المتهالك الذي اكتسب عداء شعبه كله، باستثناء الإخوان المسلمين ومن لف لفهم من المنتفعين والانتهازيين والممسكين للعصا من منتصفها.

وعلي كل حال، فإن التاريخ لا يسير حسب رغبات الأباطرة الباطشين المنتهكين للأعراف والقوانين الدولية، مهما أمهلهم هنيهة؛ فلا بد لليل أن ينجلي، ولا بد للإرادة الجمعية للبشرية أن تنتصر، خاصة وأنها أصلاً قد تواثقت منذ نهاية الحرب الكونية الأخيرة علي احترام سيادة واستقلال الدول بموجب مواثيق حقوق الإنسان، وعلي ضوء نواميس  الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، ولا يستطيع أي دكتاتور أن يتجاهل كل ذلك ويتمدد كما يشاء علي حساب جيرانه. وسوف لن يدخل العالم في مواجهة عسكرية مع بوتن وعصابته الروسية لأنها تمتلك ثاني أكبر ترسانه نوويه في العالم، بالإضافة للأسلحة الكيماوية والبيولوجية التي لم يتورع الجيش الروسي من تجريبها في سوريا. ولكن العالم سوف يتخد القوة الناعمة وسيلة لدحر بوتن وتركيعه، وهي الحصار الاقتصادي الصارم والمقاطعة التجارية والرياضية والأدبية، مما سيجعل الشعب الروسي يتحرك كما تحرك قبل ثلاثة عقود ووضع نهاية للاتحاد السوفيتي العظيم وحزبه الشيوعي الأكبر الذي ظل حاكماً منذ 1917. ولقد نجحت تلك الثورة المخملية السلمية في القضاء علي النظام الشيوعي، ولكنها تعثرت كما هو الحال بالنسبة لثورة ديسمبر المجيدة السودانية.

وفي حالة الاتحاد السوفيتي فقد تفسخ وتشرذم لما يقارب العشرين دولة حديدة، وقفزت لحكمها العناصر الأمنية المتحالفة مع القطط السمان المستفيدة من ريع وسطوة الدولة. وخير مثال لذلك روسيا التي بدلت نظاماً توتاليتارياً عضوداً بأوليقاركية الأمن المتحالف مع المافيا وبعض المليارديرات. ويبدو أن الشارع وحركة الجماهير قد تم تجميدها وعادت للاستكانة التي كانت فريسة لها ايام الشمولية الشيوعيه وتكميمها للأفواه منذ عهد ستالين/باريا إلي سقوط النظام عام 1990. وسوف تنشط الحركة الجماهيرية الروسية مرة أخري في هذه الأيام بعد أن تتعرف علي ما يحدث في أوكرانيا من عدوان هتلري سافر وبطش بالنساء والأطفال وتدمير لحضارة بأكملها عكف الشعب الأوكراني علي بنائها منذ نهاية الحرب الكونية الثانية. وخير وسيلة للتخلص من بوتين ونظامه العدواني الظالم هي التغيير بواسطة الضغط الشعبي السلمي كما حدث في عهد قورباشوف ومن بعده يلتسين.

أما في الحالة السودانية، فإن مد وزخم وعنفوان الحركة الجماهيرية لم يتوقف طوال الثلاث سنوات المنصرمة. وهي الصمام الوحيد الذي ظل يزلزل عرش المكون العسكري وحلفائه الجنجويد ويجعلهم يفكرون ألف مرة قبل فرض إرادتهم تماماً كما فعلت عصابة بوتين في روسيا. ولا زال الشارع رقماً أساسياً في الحسابات السياسة السودانية، علي الرغم من غياب القيادة الموحدة والبرنامج الواضح المتفق عليه. فهنالك أسد (أطرش) يسيطر علي الشارع تماماً وقد فشل النظام الحاكم في استدراجه أو شرائه أوتغبيش وعيه. وهذا شارع يرفض العودة للنظام المباد ويرفض مجرد الكلام مع المكون العسكري، فماذا تري هذا المكون العسكري فاعلاً؟

لقد أخذ البرهان في (الفنجطة) شرقاً وغرباً بحثاً عن وساطات مدعومة بالدولار النفطي علها تنقذ الاقتصاد من الانهيار الوشيك، وعلها توفر الضروريات من مأكل وطاقة لشعب يتضور جوعاً، عله يترك السياسة لنخبة العسكر والسياسيين الضعفاء الذين يأتون الشارع بوجه ويأتون العسكر بوجه. وهذه الرحلات الماكوكية للبرهان ونائبه تذكر ب (فنجطة) البشير في آخر أيامه التي لم تجده فتيلا. فمن يدفع للزمار يحدد النغم، وإذا جاءتك دراهم معدودات من هذا الكفيل أو ذاك فهو يتوقع مقابلا ثميناً يجعل من السودان حديقة خلفية له، بينما العالم كله يدرك أن عهد الاستعمار والهيمنة والأبوية قد ولي الي الأبد. إذا أردتم تعاوناً اقتصادياً نظيفاً لمصلحة الطرفين، فلا بأس، أما أن تتحول بلادنا إلي يمن أو سوريا أو ليبيا أخري تتحكم فيها الأيدي الأجنبية، فإن ذلك غير ممكن في السودان وغير وارد.

إن الحل الموضوعي والوطني الصرف للمشكل السوداني يكمن في التفاهم بين كافة القوي السياسية، بما فيها المكون العسكري، حول مائدة مستديرة تضع نصب أعينها أن شعارات الثورة فوق كل شيء: (حرية   سلام   وعدالة    ومدنية خيار الشعب، ولا تفاوض مع العساكر)، أي لا تفاوض يقود لإشراكهم في الحكم مرة أخري. أما القوي السياسية المعنية فهي التي شاركت في الثورة، ولا مكان وسطها للإسلامويين بجناحيهما الوطني والشعبي.

نتمني ألا يضيع البرهان ومستشاروه المعطوبون وقت بلادنا في التردد والتخاذل والمناورات العقيمة غير الذكية. هذه ثورة جماهير، وهي بالغة مراميها طال الزمن أو قصر. وبقدر ما يلتزم الجميع جانب الشعب، بقدرما سيكون جزاؤهم نعيماً وارفاً، وبقدرما يستمرون في تجاهل صوت الشعب بقدر ما سيكون عقابهم حنظلاً مريراً.

عاش نضال الشعب السوداني.




fdil.abbas@gmail.com

 

آراء