هل تنجح الامم المتحدة في السودان فيما فشلت فيه في رواندا؟

 


 

 

د. أحمد جمعة صديق

فشلت بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في رواندا (UNAMIR) في منع وقوع الابادة الجماعية التي حدثت في رواندا في عام 1994بصورة فعالة. ويتطلب فهم أسباب هذا الفشل دراسة السياق التاريخي والمناخ السياسي والصلاحيات والقدرات التي كانت متاحة لـ UNAMIR، بالإضافة إلى معرفة الإجراءات التي اتخذت أو لم يتم اتخاذها من قبل المجتمع الدولي بشكل عام. سنتطرق في هذ العجالة الى توضيح اسباب فشل المهمة الأممية في رواندا.
• السياق التاريخي:
مرت رواندا،هذا البلد الصغير في وسط أفريقيا، بأحداث معقدة اتسمت بالتوترات العرقية بين سكانها من قبائل الهوتو والتوتسي. ويمكن تتبع جذور هذه التوترات إلى العهد الاستعماري، عندما كانت رواندا مستعمرة بلجيكية. فقد أدى تفضيل البلجيكيين للتوتسي، الفئة العرقية الأقلية، على حساب الهوتو، إلى نشوء انقسامات وتوترات داخل المجتمع الرواندي. استمرت هذه التوترات وتصاعدها بفعل التلاعب السياسي والعنف الى ما بعد استقلال رواندا في عام 1962،.
• المناخ السياسي
كانت رواندا تشهد عدم استتقرار سياسي في السنوات التي سبقت الإبادة الجماعية، اذ قامت الجبهة الوطنية الرواندية (RPF)،وهي جماعة تمرد تتألف أساساً من التوتسي الذين كانوا في المنفى، في يوغندا، بغزو رواندا في عام 1990، مما أدى إلى اندلاع حرب أهلية. ردت الحكومة، التي كان يقودها الرئيس (جوفينال هابياريمانا)، وهو من الهوتو، بقمع وحشي، مما فاقم من تصاعد التوترات العرقية.
• اغتيال الرئيس هابياريمانا
تم في 6 أبريل 1994، إسقاط طائرة الرئيس هابياريمانا أثناء اقترابها من كيغالي، عاصمة رواندا. وكانت هذه الحادثة، التي لم يتم تحديد ملابسات موت الرئيس فيها بشكل نهائي، الحدث المحفز للإبادة الجماعية، فخلال ساعات قليلة، بدأت العناصر المتطرفة ضمن الحكومة المهيمنة على الهوتو، والجيش، والميليشيات المدنية حملة منسقة، للعنف ضد الأقلية التوتسية وحتى الهوتو المعتدلين الذين كانوا يعارضون النظام.
• صلاحيات وقدرات ال UNAMIR:
تم إنشاء قوة UNAMIR بتفويض من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في أكتوبر 1993 بهدف الإشراف على تنفيذ اتفاقية أروشا، وهي اتفاقية سلام كانت تهدف إلى إنهاء الحرب الأهلية وتأسيس اتفاقية لتقاسم السلطة بين الحكومة وRPF في رواندا . كان تفويض UNAMIR يتمحور بصورة رئيسية حول مراقبة وقف إطلاق النار ودعم عملية عودة اللاجئين وتقديم المساعدات الإنسانية. ولم تكن هذه القوة مكلفة بصورة صريحة في منع اعمال الإبادة الجماعية بالتدخل المباشر في النزاعات الداخلية. كانت قدرات ال UNAMIR محدودة منذ البداية. فقد تم تفويض المهمة لـ 2,548 جنديًا فقط من جنسيات عديدة ،وهو أقل بكثير مما يعتبره خبراء العسكرية ضرورياً لمراقبة وتنفيذ اتفاق السلام بفعالية في بلد في حجم رواندا. بالإضافة إلى ذلك، كانت هذه القوات غير مجهزة بشكل جيد وتفتقر إلى التدريب والموارد اللازمة لعمليات حفظ السلام في بيئة معادية.
•التركيبة الإدارية لقوة الأمم المتحدة في رواندا (UNAMIR) كانت كالتالي:
كان (جاك روجيه بوبوه) من الكاميرون هو الممثل الخاص للأمين العام (SRSG) أو رئيس البعثة،. في بداية شهر يوليو عام 1994، تم استبداله بشهريار خان من باكستان. وكان القائد العسكري وقائد القوة العاملة هو اللواء الكندي الذي تم ترقيته إلى اللواء أثناء البعثة (روميو دالير) في أغسطس عام 1994، الذي كان يعاني من ضغوطات نفسية شديدة، تم استبداله باللواء (جاي توسينيانت)، أيضًا من كندا. وفي ديسمبر عام 1995، تم استبدال (توسينيانت) باللواء (شيفا كومار) من الهند. وكان القائد العامل الثاني هو (هنري كوامي أنيدوهو) من غانا.
اما قوة الجنود فقد كانوا من بلجيكا وبنغلاديش وغانا وتونس. وكان حوالي 400 جندي من القوات في هذا الجزء الأول من البعثة من الجنود البلجيكيين، على الرغم من أن رواندا كانت مستعمرة بلجيكية، وعادة ما تمنع الأمم المتحدة القوة المستعمرة السابقة من الخدمة في مثل هذه الأدوار لحفظ السلام. ويبدو ان هذا النسيج المفكك كان احد اسباب فشل البعثة لصعوبة ادارة هذا التنوع باختلاف ثقافاته ولغاته من الجنود والضباط.
تأخرت المناقشات بين الأطراف المعنية بتحقيق هدف UNAMIR من المساعدة في تشكيل الحكومة الانتقالية بعد تنصيب الرئيس هابياريمانا في 5 يناير 1994. وتلا ذلك الاشتباكات العنيفة ادت الى اغتيال زعيمين سياسيين كبيرين، ووقوع قوات جبهة الشهداء الرواندية التي قادتها UNAMIR فكمين، مما دفع قوات UNAMIR إلى التحول إلى وضع دفاعي أكثر. وبالتالي، ساهمت UNAMIR في دعم السلطات العسكرية والمدنية في رواندا، بينما استمرت الأمم المتحدة في الضغط على هابياريمانا وجبهة الشهداء الرواندية للعودة إلى الأفكار المطروحة في الاتفاقيات.
• فشل المجتمع الدولي
لا يمكن فصل فشل UNAMIRال عن فشل المجتمع الدولي بصورة أوسع في التجاوب بصورة كافية مع الازمة في رواندا. فعلى الرغم من التحذيرات الواضحة من العنف المتوقع وتصاعد التوترات في الأشهر القليلة التي سبقت الإبادة الجماعية، فإن المجتمع الدولي، بما في ذلك القوى الغربية الرئيسية، فشل في اتخاذ إجراءات حاسمة لمنع النزيف. وكانت الولايات المتحدة، على وجه الخصوص، مترددة في التدخل عسكرياً في رواندا بسبب مجموعة من العوامل، بما فيها نقص الاهتمامات الاستراتيجية في المنطقة وخوفاً من الانخراط في نزاع أفريقي آخر بعد واقعة الصومال، واعتبارات سياسية داخلية. وقد انتقدت إدارة كلينتون بشدة عدم تدخلها خلال الإبادة الجماعية، حيث يرى الكثيرون أن استجابة دولية أكثر فعالية كانت قادرة على إنقاذ انفس كثيرة من الموت.
• فشل في التعرف على الإبادة الجماعية والاستجابة لها
كان أحد أكبر الفشلين لـ UNAMIR والمجتمع الدولي فشلهما في التعرف على الإبادة الجماعية والتجاوب بما تسمح به الظروف. فعلى الرغم من التزايد في الأدلة على القتل الجماعي والتقارير عن الفظائع، كان هناك تردد في تسمية العنف الحاصل وقتها بوصفه إبادة جماعية، مما كان ينبغي أن يشكل استجابة أكثر فعالية بموجب القانون الدولي. وعلاوة على ذلك، وعندما أصبح من الواضح أن الإبادة الجماعية كانت أمراً حقيقياً، كانت رد الفعل من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي غير كافية تماماً. فبدلاً من تحريك تدخل سريع وحاسم لوقف العنف وحماية المدنيين، صوت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لخفض حجم UNAMIR وسحب معظم قواتها، مما يعني تخلي المجتمع الدولي عن شعب رواندا لمصيرهم.
• نقص الإرادة السياسية والقيادة
يمكن أن يُعزى فشل UNAMIR والمجتمع الدولي في منع الإبادة الجماعية في رواندا - في جوهره- إلى نقص الإرادة السياسية والقيادة. فبالرغم من توافر الموارد والقدرة على التدخل، كان هناك شعور سائد باللامبالاة والفتور بين قادة العالم، الذين لم يكونوا على استعداد للالتزام بتوفير الموارد اللازمة وتحمل المخاطر اللازمة لوقف المجازر.
•إمكانيات نجاح الأمم المتحدة في حرب السودان:
فهل يمكن لو قدر للامم المتحدة بالتدخل في لسودان ان تنجح، على الرغم من فشل التجربة في رواندا؟
اذ قدر لذلك ان يحدث فنظن ان هناك إمكانيات للأمم المتحدة في تحقيق نجاح في معالجة صراعات الحرب الدائرة الآن في السودان. وهذه بعض العوامل التي يمكن أن تسهم في نجاح الأمم المتحدة:
1. التفويض الشامل والموارد:
من أجل أن تنجح الأمم المتحدة في معالجة حرب السودان، ستحتاج إلى تفويض شامل يشمل تسوية النزاع، وبناء السلام، وحماية المدنيين. بالإضافة إلى توفير الموارد الكافية، في تمويل الموظفين والدعم اللوجستي لتنفيذ التفويض بشكل فعال على الأرض.
2. التعاون الدولي والدعم
يتطلب النجاح في معالجة حرب السودان تعاوناً دولياً قوياً ودعماً. يشمل ذلك ليس فقط دعم دول الأمم المتحدة ولكن أيضًا التعاون مع المنظمات الإقليمية والدول المجاورة والجهات الفاعلة الأخرى في الصراع وانسحاب وامتناع بعض القوى الاقليمية في تأجيج الصراع في السودان . وسيعزز هذا النهج الموحد والمتنسق فعالية جهود الأمم المتحدة.
3. الإرادة السياسية والقيادة
الإرادة السياسية والقيادة على الصعيدين الوطني والدولي أمران حاسمان للنجاح في معالجة حرب السودان. يجب على دول الأمم المتحدة أن تظهر (التزاماً وحماساً) بحل النزاع من خلال الدبلوماسية والوساطة والمفاوضات السلمية. القيادة القوية داخل الأمم المتحدة ووكالاتها أيضاً أمر أساسي لتنسيق وتنفيذ استراتيجيات فعالة على الأرض.
4. تسوية النزاع وبناء السلام
يجب على الأمم المتحدة أن تولي أولوية لجهود تسوية النزاع وبناء السلام لمعالجة الأسباب الجذرية لحرب السودان وتعزيز السلام المستدام. ويشمل ذلك تيسير الحوار بين الأطراف المتصارعة، ودعم عمليات المصالحة والعدالة الانتقالية، ومعالجة الشكاوى المتعلقة بالاقصاء السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
5. حماية المدنيين:
يجب أن تكون حماية المدنيين عنصراً أساسياً في جهود الأمم المتحدة لمعالجة حرب السودان. يشمل ذلك تدابير لمنع العنف ضد المدنيين، وضمان الوصول الإنساني إلى السكان المتضررين، وتعزيز سيادة القانون لمحاسبة المرتكبين للفظائع. يجب أن تكون قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة مدربة ومجهزة بصورة كافية لتحقيق ولايتها في حماية المدنيين بفعالية.
فبالرغم من ان فشل مهمة الأمم المتحدة في رواندا يشكل تذكيراً مؤلماً بالتحديات والتعقيدات التي تواجه جهود منع النزاعات وحفظ السلام، إلا أنه لا ينبغي أن يحجب إمكانية النجاح في معالجة الصراعات مثل الحرب الدائرة في السودان الآن، من خلال الاستفادة من الأخطاء الماضية، وتعزيز التنسيق والتعاون، والتمسك بجهود شاملة ومستدامة، يمكن للأمم المتحدة والمجتمع الدولي تحقيق تقدم كبير نحو السلام والاستقرار في المناطق المتضررة من الصراع. فقد سمح غياب القيادة القوية والضرورة الأخلاقية الواضحة للتدخل للاعتبارات السياسية والكسل البيروقراطي بمحدودية رد الفعل للأزمة في رواندا. ونتيجة لذلك، فقد فقد مئات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال الأبرياء حياتهم في واحدة من أكثر الأعمال العنيفة والخسيسة في التاريخ الحديث لا يماثلها الا ما يجري الآن في السودان.
كان فشل المهمة الأممية في رواندا ظاهرة متعددة الجوانب ومعقدة تنبثق من عوامل تاريخية وسياسية ومؤسسية. منذ بدايته، كانت UNAMIR مقيدة بتفويضات محدودة وموارد غير كافية ونقص في الإرادة السياسية من المجتمع الدولي. كانت هذه النقائص تتعقد بسبب فشل القيادة والتنسيق و المعلومات الاستخباراتية مما اعاق التجاوب الفعال ضد الابادة الجماعية بمجرد أن بدأت.
وتعتبر الدروس المستفادة من فشل UNAMIRال في رواندا ذات تأثير عميق على الجهود اللاحقة لمنع الفظائع الجماعية وحماية المدنيين في المناطق المتأثرة بالنزاع، فهي تذكير صريح بأهمية التدخل الدولي القوي للحفاظ على مبادئ حقوق الإنسان والقانون الإنساني.
ويمكن للامم المتحدة من النجاح في حال تدخلها في السودان؛ بالتوافر الاساسي للعنصر السوداني المدرب من السياسيين والدبلوماسيين والاقتصاديين والاستراتيجيين، اصحاب الخبرات الذين عملوا في المنظمة الدولية في كافة هيئاتها وفروعها علاوة على دعم (الايقاد) و(الاتحاد الافريقي) لتكملة الجهود السودانية في معالجة المعضلة السودانية. وفي ظني ان الدكتور عبدالله حمدوك، باعتباره ما زال رئيس الوزراء الدستوري في السودان، ان يأخذ بهذا التفويض، وبتفويض الشعب السوداني له من خلال (تقدم) - باعتبارها برلماناً ثوريأ وامتداداً طبيعياً ل (ق ح ت) - لحسم الفوضى اذ ثبت وبالدليل العملي، عدم رغبة الفصيلين المتقالين، من الجيش والدعم السريع، في التوصل الى اتفاق ينهي هذه الحرب التي ازهقت آلاف الارواح وأعاقت آلافاً أخرى وشردت الملايين وجعلت من كل السودانيين فريسة للجوع والامراض والخوف.

aahmedgumaa@yahoo.com

 

آراء